تساؤلات حول الدرع الامني الاماراتي


نشر في 16-03-2010
آخر تحديث 16-03-2010 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله أثبت الدرع الأمني الإماراتي مجدداً قدرته الفائقة على الكشف بشفافية عن تفاصيل أكثر العمليات الإجرامية والإرهابية دقة، وأكد جدارته وجدواه في جعل الإمارات من بين أكثر الدول استقراراً في العالم، ومدنها من أكثر المدن أمناً في المنطقة. لكن على الرغم من متانته وشفافيته المثيرة للإعجاب، فإن الدرع الأمني الإماراتي يحتوي على نقاط ضعف عديدة، وتأكد أنه وكأي درع أمني فولاذي آخر قابل للاختراق من قبل المنظمات الإجرامية والقوى الإرهابية التي تسعى إلى تحقيق أغراضها الدنيئة على أرض الإمارات كما حدث أخيرا في جريمة اغتيال محمد المبحوح في 19 يناير 2010، وقبل ذلك مقتل المطربة سوزان تميم عام 2009 واغتيال الزعيم الشيشاني سليمان يامادييف عام 2008.

تتطلب هذه الاختراقات المتتالية فحصاً دقيقاً للتحديات والتهديدات التي تواجه الدرع الأمني الإماراتي المعروف بسماكته وصلابته، وتطرح تساؤلات مشروعة حول لماذا ترتكب مثل هذه الجرائم على أرض الإمارات؟ وكيف تمكنت عصابة إسرائيلية مكونة من 27 مجرماً محترفاً من انتهاك سيادتها وارتكاب جريمة قتل ثم الخروج عبر مطاراتها ومنافذها البحرية بهذه السهولة؟ وما الذي يضمن عدم وقوع مثل هذه العمليات الإجرامية المنظمة على أرض الإمارات مستقبلاً؟ وهل سيسعى جهاز «الموساد» الإسرائيلي إلى استغلال الثقوب في الدرع الأمني لارتكاب حماقة أخرى في دبي تحديداً، أو أن تقوم الفصائل الفلسطينية للانتقام لجريمة المبحوح على أرض الإمارات قصداً؟ وهل ستتحول الإمارات إلى أرض لتصفية الحسابات؟

لن تسمح الإمارات أن تتحول إلى ساحة لتصفية للحسابات في مرحلة ما بعد اغتيال المبحوح والإهانة القاسية التي لحقت بـ»الموساد»، لكن في المقابل لا يمكن على الإطلاق استبعاد رغبة الانتقام التي هي جزء أصيل من تفكير جهاز إجرامي كـ»الموساد»، وجزء متأصل في عقلية دولة إرهابية كالكيان الصهيوني. يقول داود البصري من جريدة «السياسة» الكويتية إن «إسرائيل لن تسكت أبداً على الإهانة التي تعرضت لها من قبل أمن دبي»، وإن الانتقام الإسرائيلي سيكون «خبيثاً وموجعاً وهو ليس سوى مسألة وقت». ويمكن لهذا الانتقام أن يأخذ أشكالاً عديدة بما في ذلك الانتقام الشخصي من قائد شرطة دبي أو العبث باستقرار الإمارات والإساءة إلى سمعتها والإضرار بعلاقاتها الواسعة بدول الجوار.

لذلك فالوجود الإسرائيلي غير مرحب به بأي شكل من الأشكال على أرض الإمارات، بما في ذلك المشاركة في المؤتمرات العالمية، والمناسبات الرياضية والاتصالات التجارية الجانبية. كل ذلك يشكل خطراً مؤكداً على أمن واستقرار الإمارات، ويجب وقفه كلياً ومنعه نهائياً. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على حضور مؤتمرات منظمة الطاقة المتجددة «إيرينا»، حيث ليس من المصادفة أن يعبث «الموساد» بالدرع الأمني للإمارات بعد يومين فقط من وجود وفد رسمي إسرائيلي برئاسة وزير البنية التحتية المتطرف، عوزي لانداو، للمشاركة في اجتماعات «إيرينا» في أبوظبي، علاوة على وجود لاعبة التنس الإسرائيلية شاهار بيير في نفس توقيت ارتكاب الجريمة على أرض الإمارات. صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية وصفت توقيت عملية الموساد في دبي بأنها «إهانة دبلوماسية موجهة إلى دولة الإمارات المعروفة بمواقفها السياسية المعتدلة». وإذا كان القصد من العملية توجيه رسالة أو «إهانة» فليس من طبع دولة الإمارات قبول الإهانات أو نسيانها. كذلك تشكل سياسة السماح لأكثر من مليار من البشر ينتمون إلى 34 جنسية أميركية وأوروبية وآسيوية مختلفة، من الدخول والخروج بيسر ما بعده يسر إلى الإمارات ومن دون الحاجة إلى تأشيرة الدخول، ثقباً ضخماً في الدرع الأمني الإماراتي. لا شك أن الاستثمار مهم والسياحة مهمة لكن الأمن والشعور بالأمان أكثر أهمية بالنسبة لدولة الإمارات. هذا الرقم كما يقول الزميل سامي الريامي من جريدة «الإمارات اليوم»: «كبير جداً ومخيف جداً»، ولا يمكن أن تتحمله دولة صغيرة كالإمارات. العبء الأمني المصاحب للدخول والخروج الميسر لهذا العدد الكبير من الأفراد ضخم، خصوصاً أن بين هؤلاء من «لا يستحق الثقة» أصلاً، ولا علاقة له بالاستثمار والسياحة، وربما يحمل الجنسية الإسرائيلية المزدوجة، بل إن البعض من هؤلاء ربما كان على علاقة وثيقة بعصابات إجرامية دولية منظمة، ويعمل تطوعاً مع جهاز «الموساد» الذي يوظف نحو مليون شخص يقدمون خدمات استخباراتية للكيان الصهيوني تطوعاً.

علاوة على ذلك هناك العبء الأمني المرافق للخلل السكاني، فالإحساس بالأمن والأمان أخذ يتراجع بين العدد المنكمش من المواطنين الذي يزداد انكماشا مع مطلع كل يوم جديد. هذا العدد الصغير من المواطنين الذين يشكلون نحو 16% من اجمالي السكان يعيشون حالياً في تجمعات سكنية منعزلة وبعيدة عن وسط المدن المزدحمة بالوافدين وطاردة للمواطنين. لقد أصبح وسط المدن في الإمارات مناطق صعبة وغير مرحبة للمواطنين، رغم أنها عزيزة على قلوبهم وكانت حتى وقت قريب مناطق الولادة، والإقامة والطفولة والكهولة. إن البقاء على صلابة الدرع الأمني يتطلب موارد مالية وتقنية وبشرية متجددة. وإذا كانت الموارد المالية والتقنية متوافرة حتى الآن، فإن الموراد البشرية المواطنة تتضاءل يومياً، فنحو ربع القوى العاملة المواطنة موجود حالياً في قطاع الأمن والدفاع الذي لا يمكن أن يوظف سوى المواطنين. كما أن أكثر من 25% من الميزانية الاتحادية مخصصة للأمن والدفاع، وإذا كانت فاتورة البقاء على أمن الوطن والمواطن مرتفعة جداً حالياً، فإنه من المتوقع أن ترتفع أكثر في مرحلة ما بعد انتهاك «الموساد» لسيادة الإمارات بشكل فاضح. ويأتي هذا العبء المالي المضاف في الوقت الذي تتعامل فيه الإمارات بحرص شديد مع مستحقات أزمة الديون وتداعيات الأزمة المالية العالمية. لقد استثمرت الإمارات بسخاء في درعها الأمني الواقي، وتمكنت من التوفيق بين متطلبات التنمية واحتياجات الأمن والدفاع، لكن الأعباء الأمنية الجديدة والمستقبلية كثيرة والاختراقات الإجرامية متكررة، والإمارات ربما كانت مستهدفة أكثر من أي وقت آخر، وانفتاحها أصبح مغرياً كل الإغراء، وهناك دائماً من يبحث عن الثقوب في درعها الأمني الواقي.

كل ذلك يستدعي مراجعة مسؤولة لسياسة الانفتاح أولاً، وخطط التمدد الاقتصادي ثانياً، وتأشيرات الدخول والخروج الميسر ثالثاً، والاستراتيجية السكانية رابعاً. فالأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة وهما معاً وسوياً من أهم المكتسبات الوطنية التي تحققت لدولة الإمارات خلال الأربعين سنة الماضية.

* باحث وأكاديمي إماراتي 

back to top