خليجنا عربي... أم فارسي؟ تحوّل إلى خلاف يتجدّد بين الطرفين في كل مناسبة

نشر في 21-03-2009
آخر تحديث 21-03-2009 | 00:00
يستنفر الايرانيون تاريخياً وسياسياً وعاطفياً في كل مناسبة يذكر فيها الخليج عربياً، دفاعاً عن فارسيته، وبين فترة وأخرى يسوق الطرفان العربي والإيراني كل ما لديهما من دلائل وبراهين لتأكيد أحقية كل منهما في تسمية الخليج على النحو الذي يعتقد أنه هو الصحيح، عربياً أو فارسياً، ويتمسك الطرفان بحججهما عند إبراز هذه القضية، وسبق أن احتجت إيران مرات عديدة على كلمة «العربي» عند ذكر الخليج، كما يتضايق العرب عند الإشارة إلى فارسيته.

«كنا نتوقع من مندوب الكويت أن يستخدم في بلده الثاني إيران الاسم الحقيقي والأصلي للخليج الفارسي والذي ورد في وثائق الأمم المتحدة، لكنه استخدم عنواناً مزوراً وهو الخليج العربي».

كانت هذه هي ردة الفعل الايرانية السريعة والمباشرة على ما ذكره النائب الكويتي علي الراشد في مؤتمر «نصرة فلسطين»، الذي أقيم في طهران في 432009 عندما جاء في معرض كلمته دول الخليج العربي، وإن كان مثل هذا الحديث يثار بين فترة وأخرى خصوصا من قبل إيران.

سبق أن احتجت إيران مرات عديدة على كلمة «العربي» عند ذكر الخليج، وعلى سبيل المثال وليس الحصر احتجت إيران في عام 2005 على مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك، التي نشرت أطلساً جاء فيه اسم «الخليج العربي»، كما منعت الحكومة الإيرانية في حينها دخول المراسل الصحافي للمجلة وجميع مطبوعاتها إلى أراضيها، وهو الأمر الذي دفع المؤسسة إلى الاستجابة للضغوط الايرانية وقامت بتغيير الاسم من الخليج «العربي» إلى «الفارسي»، وأوضحت لقرائها ان «الاسم التاريخي المستخدم للإشارة إلى هذا الخليج عبر التاريخ كان الخليج الفارسي حتى ولو سماه البعض الخليج العربي».

كما احتجت الحكومة الإيرانية على شعار الطائرات القطرية التي تهبط في المطارات الإيرانية، وهي تحمل اسم «الخليج العربي»، ليس ذلك فحسب بل لم تقبل الحكومة الإيرانية استخدام اسم «الخليج» فقط، حيث احتجت أيضاً على تقرير لصحيفة «تايمز» لاستخدامها عبارة «الخليج» وليس الخليج «الفارسي»، وذلك عندما نشرت الصحيفة تقريراً خاصاً عن حادثة اقتراب الزوارق الإيرانية من البوارج البريطانية في مضيق هرمز العام الماضي، وبعثت بمذكرة احتجاج متضمنة جزءاً من كتاب «رحلة الخليج الفارسي» لأرنولد ويلسون ممثل بريطانيا العظمى في بغداد في الأعوام من 1918-1920 الذي قال فيه «ان هذا الممر المائي الذي يفصل الجرف القاري الإيراني عن الجرف القاري العربي له هوية إيرانية منذ ما يقل عن 2200 عام مضى.

ولم يكن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بعيداً أيضاً عن مثل هذه الانتقادات، فبعد دعوته إلى المشاركة في أعمال قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 2007 واجه احتجاجاً من نواب في البرلمان الايراني، أبدوا استياءهم الشديد من صمته عند الحضور إلى القمة التي ذكر فيها اسم «الخليج العربي»، كما وجه النواب أسئلة برلمانية إلى وزير الخارجية، تمهيداً لاستجوابه (النائب داريوش قنبري)، وهو عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان قال: كان على الرئيس أن يخرج من قاعة المؤتمر فوراً حين سماعه عبارة الخليج العربي المزورة لكنه التزم الصمت ولم يعترض»، لافتاً إلى أنه «اذا سمح لهم بحضوره يستخدمون مثل هذه العبارة فنكون بذلك قد منحناهم الفرصة ليقولوا لنا إننا قلنا اسم الخليج العربي بحضور رئيسكم ولم يعترض».

المصادر الفارسية

تاريخياً تؤكد المصادر الفارسية أن «الخليج الفارسي» هو أقدم الأسماء لهذا البحر الذي يفصل شبه الجزيرة العربية مع بلاد فارس، ويعتبر اليونانيون أول من اعترف رسمياً بهذا الاسم في القرن السادس قبل الميلاد، ومن ثم الروم، كما ان هيرودتس أشار الى الخليج الفارسي في مؤلفاته، وكذلك الاسيويون والاوروبيون استخدموا مسمى الخليج الفارسي في العصور الوسطى، هذا بالإضافة إلى الخرائط العديدة التي يستشهد بها الفرس لتأكيد أحقيتهم في تسمية هذا الخليج بالفارسي، ومن ضمنها خريطة العالم الموجودة في كنيسة هارتفورد

وخريطة أخرى وضعت في عهد أحد ملوك بابل وتحفظ حالياً في متحف بريطانيا، كما يذكر ان هكائتوس المالطي (اشهر علماء الجغرافيا) وضع خريطة ميز فيها بين الخليج الفارسي والخليج العربي الذي يسمى اليوم بالبحر الأحمر، وأيضا تذكر المصادر الفارسية أن كثيراً من الكتاب اليونانيين مثل كنوياس غزنفون واسترابون أطلقوا على الخليج الفارسي أسماء تدل على فارسيته، مثل پارسه، پرس پولیس، پرسای، وفي كتبية داريوش هخامنش (احد الملوك الاخمينيين) ورد أيضا اسم بحر بارس.

وثيقة الكويت

ويذكر الايرانيون باستمرار أن جميع الاتفاقات التي أبرمتها كل من: البرتغال، اسبانيا، هولندا، فرنسا، بلجيكا، والمانيا في المنطقة (من 1507-1560) استخدم فيها اسم الخليج الفارسي حتى نص الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا مع عرب الضفة الجنوبية للخليج ذكر فيها الخليج الفارسي، إضافة الى وثيقة استقلال الكويت لعام 1961. وذكرت أيضا الامانة العامة للامم المتحدة في المذكرة رقم AD311/1GEN «ان المنطقة المائية الواقعة بين إيران شمالا

وعدد من الدول العربية جنوباً، تسمى في الوثائق والخرائط الجغرافية باسم الخليج الفارسي».

أما في العالم الغربي فقد تم منذ عام 1648 تثبيت اسم الخليج الفارسي وتغيرت على أساسه جميع الاسماء الاخرى وأصبح الاسم الموحد هو PARSIAN GULF، ويذكر الايرانيون ان من استخدم أول مرة اسم الخليج العربي هو عبدالكريم قاسم في عام 1958، بهدف تأجيج المشاعر القومية، ومن بعده جمال عبدالناصر، ولكن بعد عامين من سقوط نظام محمد رضا شاه بهلوي قرر وزير دفاع الرئيس الأميركي الاسبق رونالد ريغان الاستفسار من قانونيي وزارة الخارجية الأميركية، لاستخدام اسم الخليج العربي بدلاً من الفارسي، ولكن بعد الدراسة والتحقيق حذر هؤلاء القانونيون من أن هذا العمل سيؤدي الى سابقة قانونية، لهذا استخدمت كلمة الخليج فقط!

وجهة نظر عربية

وللعرب وجهة نظر أخرى مختلفة تماماً عما يطرحه الايرانيون، إذ يعتقدون ان الخليج العربي كان يسمى قديما (البحر الادنى أو المر)، حيث ان الاشوريين كانوا يطلقون عليه «مرتو» أي «البحر المر»، والراجح ان الاسكندر الاكبر هو اول من أطلق اسم الخليج الفارسي بعد رحلة موفده أمير البحر نياركوس عام 326 ق.م، وعاد من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الفارسي ولم يتعرف على الجانب العربي من الخليج، ما دعا الاسكندر إلى أن يطلق اسم الخليج الفارسي.

حمل الخليج العربي أيضا أسماء عديدة منها خليج القطيف، وخليج البحرين، وخليج البصرة (تعود تسمية خليج البصرة الى فترة الفتح الاسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، واستخدمت في العهد العثماني، وهناك ايضا نحويون استخدموا هذا التسمية مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي، وعالم الجغرافيا ياقوت الحموي، والمؤرخ خليفة بن خياط).

ويرى بعض المفكرين أن تسمية الخليج العربي لم تكن بسبب خطبة جمال عبدالناصر في الستينيات من القرن الماضي، لأنها تعود أصلا إلى القرن الاول للميلاد، مستشهدين بإشارة المؤرخ الروماني «بلينجي» (62-125م)، أما الرحالة الدانماركي «كارستن نيبور» فإنه أكد سابقة وجود العرب في السواحل الشرقية للخليج العربي ما قبل الفتح الاسلامي، تزامناً مع عهد أول ملوك فارس بقوله: «ان العرب هم الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للامبراطورية الفارسية من مصب نهر الفرات الى مصب الاندوس».

خرائط قديمة

هناك اكثر من خريطة قديمة تؤكد تسمية الخليج العربي، منها خريطة لوكانور (نهاية القرن 16) تحمل الاسم اللاتيني سينوس ارابيكوس أي البحر العربي، وخريطة جوهين سبيد عام (1965) ورد فيها اسم بحر القطيف، ويقول أحد المؤرخين العرب: «حتى الفرس عندما أنشأوا في الخليج اسطولا كان بحارته من غير الفرس، والسياسة البحرية التي كان يتبعها نادر شاه افشار ضد تأثير العوامل الطبيعية جعلت الفرس تفضل عدم ركوب البحر»، فإذا كان المقيمون على ساحل الخليج غرباً وشرقاً هم من العرب، ألا يحق لهم ان يطلقوا على هذا البحر اسم الخليج العربي؟ علماً بأن معظم السواحل الإيرانية سكانها عرب أيضاً.

ومع الدلائل والبراهين التي يسوقها الجانبان لتأكيد أحقية كل منهما في تسمية الخليج على النحو الذي يعتقد أنه هو الصحيح، وتمسُّك الطرفين بحججهم عند إبراز هذه القضية بين فترة وأخرى بشكل يجعلنا نتساءل: هل جميع قضايانا في المنطقة انتهت ولن يتبقى لنا سوى مشكلة الاسماء لنختلف ويحدث جدال عليها؟ ومهما كانت التسمية، فلن تلغي وجود العرب في الخليج الفارسي، كما لن تلغي وجود الفرس في الخليج العربي، فالقوة والحضارة والتطور المدني لم نحصل عليها بالتسميات.

المصادر:

- الخليج العربي - قدري قلعجي

- الخليج الفارسي الحقيقة الخالدة - نصرالله شافعي

- إيران - إسماعيل سلطنت بور

- مجلة لوموند الفرنسية 1990

back to top