محطات في حياة المسافر (21) عمر الشريف: روبين ليس ابني ولن أعترف به

نشر في 24-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 24-09-2008 | 00:00
في الحلقة السابقة، رأينا كيف اختار عمر الشريف العودة إلى مصر في منتصف الثمانينات تقريباً ليبدأ صفحة جديدة من حياته، يستعيد فيها علاقته بالسينما المصرية بثلاثة أفلام متتالية ومهمة هي «أيوب» و{الأراغوز» و «المواطن مصري»، وهي أفلام خاضت في مواضيع مهمة على خلفية من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي اجتاحت مصر وغيرت من ملامحها لترسخ شكلاً جديداً لمصر المخنوقة بحبل النكسة ثم الانفتاح بعد أن سلبوها نضال أبنائها لتكون حرة.

عاد الشريف إلى وطنه ليذوق طعم النجاح مجدداً بعد أن تجرّع مرارة فشله في فترة تخبّط فيها كثيراً بين اختيارات سينمائية لم تكن جيدة ولم تكن ترضي طموحه الفني، وبين ارتباكه الشخصي، على رغم تأكيده الدائم أنه لم يكن «بلاي بوي» بل «صاحب مغامرات»، ذلك التعبير يراه الشريف أكثر دقة ويقول: «لم أكن أبداً ولداً شقياً، أصحابي كانوا أكثر شقاوة مني، ربما كانت لي مغامرات نسائية في شبابي، عندما كنت ناجحاً ونجماً عالمياً، لكنها ليست كثيرة كما يتصور الناس».

كانت عودة الشريف الى القاهرة فألا حسنًا بالنسبة إليه، جعلته يشعر بأمان يوازي نجاحه السينمائي بعد الأفلام الثلاثة وشجعته للدخول في فيلم رابع عام 1993 هو «ضحك ولعب وجد وحب»، قصة وإخراج طارق التلمساني وسيناريو وحوار مجدي أحمد علي وشاركه بطولته يسرا وعمرو دياب. بدا الفيلم كأنه جاء في مشروع خاص بالشريف يستكمل من خلاله سلسلة أفلامه السابقة، بمعنى أن أفلام العودة الثلاثة السابقة (أيوب – الأراغوز - المواطن مصري) وجهت نقداً مريراً للمجتمع المصري في خارطته الجديدة التي برزت خطوطها بآلام النكسة والحرب وقامت أعمدتها على أنقاض زمن وبشر داستهم الجغرافيا كما دفنهم التاريخ... ومع «ضحك ولعب وجد وحب» يدخل الشريف من الباب نفسه مجدداً وكأنه يؤكد وجهة نظره السياسية والفكرية، لكن من خلال شكل فني وطريقة مختلفة.

يشير الفيلم إلى هيمنة الحزب الواحد وسلبيات الشعارات السياسية، وغياب الاستراتيجية العسكرية، وذلك من خلال أحداثه التي تدور في أواخر الستينات، وفي مدرسة تضم أنماطًا مختلفة من روادها، حيث يعيش بعض التلاميذ المتمردين على ما يحدث حولهم في المجتمع، من هؤلاء أدهم «عمرو دياب» الذي يرفض تماما كل سلوك والده محمد شوكت «عمر الشريف» ضابط المخابرات المنشغل دائمًا بأعماله خصوصا بعد وفاة زوجته، والذي يشعر أدهم أنه السبب في وفاتها، فيحاول أن يفرض على الأب رأيه كنوع من التمرد، ويلتقي بالمرأة العاهرة «إش إش» التي تسكن في مواجهة المدرسة، ودفعتها ظروفها الاجتماعية الى أن ترتمي في أحضان الرذيلة، ترتبط بأدهم الذي يصغرها بسنوات والذي يرى فيها شبهاً من أمه ويتزوجان في النهاية بعد أحداث كثيرة على رغم معارضة الأب الذي حاول أن يستعير جزءاً من صورة الأب التقليدية والشهيرة في «غادة الكاميليا» ويبعد «إش إش» عن ابنه ولكنه لم يفلح. لم تشر أحداث الفيلم من قريب أو بعيد إلى انعكاسات النكسة على المصري في ذلك الوقت وأحاسيس الإحباط والألم والرغبة الدفينة المترسبة، فتتحوّل تلك النكسة إلى نكتة يطلقها أحد الطلبة ليبرر ذهابه لمشاهدة ظهور العذراء في الزيتون: «عشان نعرف منها موشي ديان حيعمل فينا إيه عشان نعمل حسابنا في السنة الجاية». هكذا يتحول «الجد» إلى أمور هزلية، وكانت مساحة دور الشريف في هذا الفيلم صغيرة، اذ قام بدور الأب، وعلى الرغم من حضوره المؤثر على الشاشة إلا أن النقاد لم يعجبهم الدور وقالوا إنه لا يرقى الى مستوى الشريف وقيمته، بالإضافة الى أن الفيلم أيضاً لم يحقق النجاح الجماهيري المتوقع.

فنان مزاجي

وكما أدت الصدفة دوراً كبيراً في عودة الشريف إلى مصر ونجاح أفلامه السابقة، تحول فيلمه «ضحك ولعب وجد وحب» إلى علامة توقفه في السينما المصرية، اذ كان آخر فيلم شارك فيه منذ التسعينات، بعده حقق إطلالة أخرى وشارك الفنانة يسرا بطولة بعض الإعلانات التي انتقده البعض بسببها، لكنه لم يلتفت إلى الانتقاد وقال: «انتقاد مرفوض مع احترامي آراء الآخرين، لأن العمل في الإعلانات ليس عيباً بل هو أمر مشروع وفنانون كبار سواء على المستوى المحلي أو العالمي أدوا بعض الإعلانات ولم نشعر لحظة أننا نقوم بفعل معيب».

بدا الشريف بعد ذلك وكأنه اكتفى بالعمل في السينما، لكنه يبدو أنه لم يستطع العثور على ما يدفعه الى الوقوف أمام الكاميرا «لم أعثر على جديد وأنا أحاول الاحتفاظ بما بقي من اسمي وشهرتي»... صار متأرجحاً بين فكرة الاعتزال أو الاستمرار في العمل، وكان هو نفسه يرجع حالته إلى أنه شخص مزاجي...

يقول الشريف: نعم أنا مزاجي جداً، لو قمت من النوم وشعرت أن سنًا من أسناني تؤلمني «أتعكنن» فوراً ولا أريد رؤية أحد، الشيء نفسه اذا مطرت السماء أو غابت الشمس، كل تلك الظروف تؤثر في حالتي النفسية، ولو أن شخصاً جاءني وقتها في عمل أقول له اتركني في حالي، على رغم أن العقد الذي أرفضه قد يغير حياتي تغييراً شاملاً، لكن أنا فعلاً إنسان مزاجي، وتلك طبيعة المصريين عموماً «بيلخبطوا الشغل والحياة والمزاج مع بعض».

كان يتعامل الشريف بتلك المزاجية طوال الوقت وربما منحته جزءاً مهماً من جاذبيته أو سحر الكاريزما الخاصة به، بالضبط كبريق عينيه الذي يرفض الشريف الاعتراف بأنه يختص به ويقول «كل المصريين في عنيهم بريق»، أو كصوته الحزين النبرة والذي يشعر الآخرين بحزن وقلق وخوف غامض...

يقول الشريف: «كثيرون يتعاطفون معي بسبب حزن صوتي، أما الخوف فأنا لا أعرفه ولا يؤدي أي دور في حياتي، بينما القلق طبيعي، فهو مرض العصر، وعموماً أنا راض عن نفسي في أشياء وغير راض عنها في أشياء أخرى، مثلاً أكون راضياً في حياتي العامة لمساعدة الآخرين الذين يطلبون مساعدتي، وغير راض عن حياتي الخاصة، كلها كانت مغامرات لا أكثر ولا أقل».

لكن هل كان ذلك ما يشعر به الشريف عندما جاءه الشاب الإيطالي روبين الذي أعلن على الملأ أنه ابنه غير الشرعي وأنه يريده أن يحضر حفلة تخرّجه، تلك الفضيحة التي سببت دوياً إعلامياً للشريف بعد ثلاث سنوات من آخر أفلامه «ضحك ولعب وجد وحب».

بين الرفض والإنكار

في بداية عام 1996 ظهرت صورة الشريف تتصدر الصحف والمجلات وبجوارها صورة شاب إيطالي يشبهه تماماً اسمه روبين يقول إنه ابن الشريف، وأن والدته هي صحافية إيطالية تدعى لولا دي لوكا، وأنه يدعوه لحضور حفلة تخرجه في الجامعة، وقال في حوار مع رضا حماد لجريدة «أخبار اليوم» المصرية إنه يسعده حضور الشريف الحفلة ليكون صاحب أول يد تمتد إليه لمصافحته وتهنئته بمناسبة تسلمه شهادته الجامعية وإنهاء دراسته، وروبين الذي كان يبلغ حينذاك 25 عاماً قال أيضاً في الحوار نفسه إنه يحلم باليوم الذي يستطيع فيه أن ينادي الشريف «بابا».

القصة تناقلتها الصحف والألسنة وسرت كالنيران تشتعل وتحرق في سيرة الشريف الذي بدا الإعلان الذي فجره الشاب الإيطالي أشبه بالمفاجأة السخيفة التي أربكته، لكنه استعاد توازنه فورا وقال: «أنا غير مقتنع بأنه ابني فلا يوجد ما يؤكد ذلك، هو شبهي طبق الأصل، وبطريقة تجعل البعض يقول إن الأمر معقول جداً، لكني غير مقتنع، ولا أعرف أين الحقيقة بالضبط التي يمكن أن تؤكد لي ذلك، وقد بحثت عنها، لكني لم أجدها على الإطلاق. أمه الصحافية الإيطالية جاءت لإجراء حوار صحافي معي منذ 25 عاما، وجلست معي خمس دقائق، ثم انقطعت أخبارها عني بعد ذلك... وبعد سنة اتصلت بي وقالت إنها أنجبت ولداً مني واسمه روبي... لا أعرف أين الحقيقة، فلم يكن بيني وبين هذه السيدة قصة حب كي أعرف، لم أقابلها أو آراها إلا مرة طوال حياتي ولم تنشأ بيننا علاقة بعد ذلك حتى هذا الشاب الذي يدعي أنه ابني، لماذا صمت تلك السنوات وفضّل أن يعيش بجوار والدته، فهو سواء مني أو من غيري فقد أحب والدته واختار الحياة معها، مثلاُ ابنة فاتن حمامة والدها كان عزالدين ذوالفقار، لكني اعتبرتها ابنتي لأنني أحببت أمها، أما امرأة لا أعرفها ولا أحبها فلا».

في حوار أجراه معه الكاتب الصحافي محمد تبارك لجريدة «أخبار النجوم» المصرية في عددها الصادر بتاريخ 24 فبراير (شباط) 1996، أكد الشريف إنكار أبوّته للشاب الإيطالي روبين، فسأله تبارك: لكن الشبه بينكما كبير جداً، وربما إلى حد التطابق؟

أجاب الشريف: أنا معترف بهذا الشبه الكبير الذي يجعل الغير يرى كلامه معقولاً، لكن أين الحقيقة التي يمكن تأكيدها الآن... مثلاً كل من «يربي شنبه» وله شعر أبيض يقول أنا الشريف؟

يقول الابن أو الشاب الإيطالي إنك التقيت به أكثر من مرة، وفي كل لقاء بينكما كنت تعامله بود وحب...

التقيت به فعلا ثلاث أو أربع مرات وكنت رقيقاً معه، تلك طبيعتي مع كل من ألتقي بهم، ثم ما ذنبه هو إذا كانت والدته قالت له إن والده هو الشريف، وطبيعي أن يصدق كل ما تقوله أمه...

إذن أنت تعترف معي بأن الابن في تلك الحالة مظلوم؟

(قال عمر الشريف بصوت فيه شجن): من المؤكد أن الابن مظلوم، أنا معك في هذا وكثير من أطفال العالم مظلومون.

والأم؟

أيضاً مظلومة، وأنا أيضاً مظلوم، ماذا فعلت كي يطلب مني الاعتراف بأبوة هذا الابن على رغم عدم وجود الحقيقة التي تؤكد ذلك، فلو أنني كنت أحببت الأم ودامت العلاقة لتأكدت أنه ابني واعترفت به بلا أدنى تردد، أما أن أقحم في مثل تلك القصة فهذا أمر مرفوض تماماً، فما أؤكده أن الحقيقة ضائعة، وعليه كل واحد يتحمل مسؤولية تصرفاته وأعماله، لم أعرف الكذب طوال حياتي، وكل من تعامل معي يعرف الحقيقة جيداً، إنهم يحاولون تأكيد أنه ابني، ولا أعرف بالتحديد هل هو ابني أم لا، وعموماً كل إنسان في هذه الدنيا مظلوم في شيء ما وإلا لما كان هناك ظلم.

ألا تفكر في تغيير موقفك من المشكلة الآن بعد النداء الذي وجهه إليك هذا الشاب الإيطالي روبين عبر الصحف؟

لماذا أغيّر موقفي الآن في فبراير (شباط) عام 1996، موقفي ثابت ولن يتغير، هو في الماضي كما هو في الحاضر...

تقول الوقائع والظروف والملابسات والشبه الأقرب إلى «نسخة كربون» أن روبين الإيطالي هو ابن الشريف، شكلاً هو قطعة منه أكثر من ابنه الشرعي طارق من زوجته الفنانة فاتن حمامة، لكن يظل إنكار الشريف للشاب الإيطالي حائلاً يمنع إثبات الأبوّة والتواصل بين شاب سعى بعد 25 عاماً للتواصل مع رجل يقول إنه أبوه وفشل، لكن الحائل لم يمنع سيل الهجوم الذي انهال على الشريف، خصوصا من بعض جمعيات حقوق الإنسان التي اتهمته بالقسوة والظلم لإنسان جاء الى الدنيا بسببه ويرفض حتى أن يحنو عليه، وهو ما أدهش الشريف فقال: «قد يكون هذا الشاب مظلوماً... لكني لست السبب، بل أمه التي جعلته يعيش في وهم أن والده عمرالشريف».

بينما كتب صلاح الدين محسن في «الحوار المتمدن» عن حق المرأة الغربية المهضوم مستشهداً بواقعة الشريف فقال: «عن وجود ابن غير شرعي للممثل المصري العالمي عمر الشريف من صحافية إيطالية، ويشبه عمر الشريف تماما أكثر من ابنه الشرعي من الممثلة الكبيرة فاتن حمامة، صلته به ليست قوية وتكاد تكون انقطعت، لكن الابن الإيطالي والذي تخرج في الجامعة منذ سنوات وكان يتمنى حضور الأب، عمر، معه حفلة التخرج، ولم يحقق له الشريف تلك الأمنية وقال إنه نتيجة علاقة مدتها 5 دقائق مع صحافية إيطالية زارته لأخذ حديث صحافي منه، وبكل بساطة يقول «ابني هو الذي أحببت أمه»، ويوم قرأت ذلك التصريح للنجم الكبير شعرت بالأسف، فما دام أن إنسانا جاء الى الحياة، فلا ذنب له ولا شأن له بكون الأب أحب أمه أم لم يحبها ولا أن كانت الأم أحبت أباه أم لم تحبه، فطالما أن إنسانا جاء، فله حق يأخذه، حنوا وعطفا إنسانيا وهو أضعف الإيمان (ولا يفوتنا أن نذكر بالخير الرئيس والمفكر الفرنسي الراحل ميتران الذي رد لابنته غير الشرعية حقها قبل مماته، وبينما هو في قصر الرئاسة فكان يصطحبها وصديقها معه في الأماكن العامة بل وفي زياراته الخارجية لبعض الدول كرئيس لفرنسا) فأيٍّ منا معرض لأن يكون في وضع ذاك الابن المسكين نفسه.

يصمت الشريف حين يسمع مثل ذلك الكلام ثم يبتسم ويقول: «تركت زوجتي لخوفي أن أخونها، فعاقبني الله وجعلني لا أستطيع أن أحب أبداً بعدها، لم توجد امرأة واحدة أحببتها الى درجة تجعلني أرتبط بها، وهذه السيدة الإيطالية لم يربطني بها شيء، فكيف يربطني بها ولد بعد تلك السنوات، إنه أمر يتنافى مع العقل، فأنا لا أستطيع أن أقول له «مرحبا أنت ابني»، إنه أمر لا أجيده فعلاً، وأشعر أنني لو كنت فعلته كنت سأكذب وهذه ليست طبيعتي، صدقوني لقد بذلت جهداً حقيقياً ولم أستطع».

back to top