أيام من حياة امرأة الفصول الأربعة (3) يسرا: ظلمتُ نفسي وأخاف العتمة والأصدقاء!

نشر في 25-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-07-2008 | 00:00
No Image Caption

يسرا... تبدو دائماً مثل خلطة إنسانية مثيرة، خلطة فيها تمرُّد ووداعة، هدوء وغضب، حيرة واطمئنان، ثورة واستسلام، عناد وإحباط!

منذ بداية إدراكها للحياة، تحلم باللجوء العاطفي إلى كلمة تسعدها ومعنى يعيد ترتيب أوراقها. أكبر عذاب في حياتها اسمه «عدم الإحساس بالأمان»، تقول يسرا: «معك حق. كان هذا هو التشخيص النهائي للجلسات النفسية كافة التي خضعت لها. معظم الأطباء الذين ترددت على عياداتهم النفسية قالوا لي: أنت مريضة بالخوف من الغد. مريضة بإحساسك الدائم أن غداً يحمل معه الشر أكثر من الخير، الحزن بدلاً من الفرحة والهم بدلاً من السعادة. أعترف لك أن هذه هي أزمتي الحقيقية ومأساة عمري، أنا بخاف قوي من الظلمة ومن الصداقات المبتسرة التي تخفي الأنياب، وأخاف من نفسي لأني كثيراً ما ظلمت يسرا من دون أن أقصد ودائماً أشعر أني أصغر أو أقل من هذا الظلم وأني لا أستحقه».

تحكي يسرا وكأن شيئاً ثقيلا على قلبها: «دائماً أحمّل نفسي فوق طاقتها وفجأة أقول: مش قادرة؟ أريد هدنة. بعد أيام أو أشهر، أعود لـ{السكن» نفسه، تعذيب نفسي!عارف امتى أفقد أعصابي؟ حين يفيض بي الكيل، لكن لم يشاهد ثورتي إلا المقربون جداً لي. مرة قال لي أحد الأشخاص جملة استفزازية. عارف عملت إيه؟ ضربته في وجهه وانسحبت من أمامه في البلاتوه. بعد خروجي، لم أصدق أنني قد أصل إلى هذه المرحلة, وبعد هذه اللحظة بالضبط قررت الذهاب إلى طبيب نفسي. ليس عيباً أن تحتاج في لحظة إلى من تتكلم معه ويسمعك من دون أن يفسر كلامك بأكثر من معناه».

تضيف يسرا: «أذكر أنه في عام 85 سافرت إلى أميركا وكنت أعاني من بعض الأوجاع في جسدي، بعد التحاليل والكشف والأشعة، قال لي الأطباء: أنت إنسانة عصبية بصورة غير عادية ويحترق الطعام في داخلك – من شدة عصبيتك – أسرع من المعدل الطبيعي.

أهواك واتمنى لو أنساك

يشبه الحب عند يسرا الحب على طريقة أغاني عبد الحليم حافظ. إنه حب متفائل «حب الدنيا تلقى الدنيا فرحة كبيرة وحلم كبير»، حب متوهج «حبك نار مش عاوز اطفيها ولا أخليها دقيقة تفوتني ما أحسش بيها»، حب متردد «أهواك وأتمنى لو أنساك»، حب حزين «يا مفرقين الشموع قلبي نصيبه فين»، حب حالم «ابنيلك قصر عالي واخطف نجم الليالي»، حب مؤلم «بلاش عتاب.. من العذاب أنا قلبي داب»...

إنها مواصفات الحب لدى يسرا، وفي الوقت نفسه جزء من ملامح شخصيتها، وهي دائماً في حالة بحث طويل ومستمر عن كلمة واحدة، كلمة تطاردها في عيون كل رجل، في قلب كل لحظة، في وجدان كل حكاية.

كلمة اسمها الحنان، كلمة تغير معالمها، تكتب تاريخها، تحدد معالمها، تقلب كيانها وتؤكد إنسانيتها، كلمة ربما دفعت يسرا ثمنها من ألم مزَّقها وحرمان عانته وأمومة خذلتها وعلاقات لم ترحمها وحياة لم تأخذها بالأحضان.

تقول بألم: «أحياناً كنت أشعر أن «الفرح» يهرب مني وأحياناً أحس أن السعادة تعيش تحت مسام جلدي».

والآن يا يسرا؟ «سعيدة بجد، بحق وحقيقي. مع إنسان يسكن قلبي وأسكن عقله. منحني الحنان فأهديته عمري. قدم لي السعادة فعشت معه أيام الفرح. إنسان أعيشه ويعيشني.. أحبه ويحبني.. أفهمه ويفهمني!»

لمجرد دخولك شقتها، تستقبل عيناك أكثر من لوحة تشكيلية وتجد في انتظارك اللون الأخضر الذي يحتل معظم الأركان وتشاركه شموع تعزف معه سيمفونية رقيقة! أما اللون الأزرق الذي يطلق سهامه على الحسد فحصل على تأشيرة إقامة دائمة فوق الجدران! ولأن يسرا من عشاق الفضة، ستجد قصص ذلك العشق متناثرة في كل ركن!

المكان، باختصار، يوحي لك بالدفء ويمنحك بطاقة تعارف إلى صاحبته.

لا تنسى يسرا أنها كنجمة، جزء من الواقع الفني الذي يفرض عليها شروطه وعليها أن تقبلها، أن تستسلم لها بدلاً من أن تناقشها، أن تتأملها بدلاً من أن تتمرد عليها، فمثلاً... رصيد يسرا من الإشائعات ضخم. قالوا بعدما أصيبت بالتهاب رئوي لزمت الفراش على إثره أسابيع طويلة إنها اعتزلت. قالوا إنها تزوجت سراً من زميل تربطها به صلة عمل وقالوا إنها تزوِّرعمرها وتخفي سنواته.

وقالوا... وقالوا...

كادت يسرا أن تتحول من كثرة الإشاعات الى أسطورة لعلامة استفهام أو علامة تعجُّب مطلوب منها الدفاع عن نفسها دائما.

في لحظة فضفضة قالت

لـ «الجريدة»: «عايز تكسبني لا تكذب عليّ لأني أشم رائحة الكذب من على بعد 100 متر. أسوأ ما في شخصيتي المجاملة الزائدة عن الحد. بكيت من الحزن ومن الفرح مرتين: الأولى عندما شفيت من فيروس الحمل الذي كان يهددني بمرض خطير، والثانية عندما كسبت قضية فيلم «المهاجر». لا العمر يخيفني ولا سنواته ترعبني، ممكن أن أكون في العشرين لكن مشاعري عجوزة أصابتها الشيخوخة، عندما أفكر بعمري أشعر بالارتياح والرضا عن نفسي لأنني حققت أمورا جميلة جداً. ما أحبش أكره حد لكن أكره طباعاً معينة، فالكراهية محتاجة جهد ولازم أكون متصالحة مع نفسي كي لا أبذل ذلك الجهد الضائع! العمل ممكن أنخدع فيه وأعوض الخديعة بعد ذلك، لكن إذا ما أحببت وأعطيت كل ما لديّ لذلك الحب ثم انخدعت، ستكون صدمتي قوية... تقتلني. عموماً انخدعت كتير في عواطفي، لكني في كل مرة كنت أقف على قدمي مجدداً. حين أشعر بالخديعة، أغلق عليّ باب شقتي وأرفع فيشة التلفون وأجلس على كرسي وأبكي، وكأني أعاقب نفسي على سوء اختياري أو تقديري، وأقول: لست أول المخدوعين ولا آخرهم!»

شاطئ الأمان

سألت الزميل المصور عادل مبارز عنها باعتباره أكثر مصور صحافي صورها، فقال لي: «يسرا وجهها مريح. تملك بريقاً عجيباً يشع ضوءاً على ملامحها. المرة الأولى التي صورتها فيها قلت هذه المرأة ملامحها عالمية. تصدق أنها مصرية أو أميركية أو ألمانية أو إنكليزية أو روسية. تسافر ملامحها إلى كل المدن من دون إثبات شخصية. أبرز ما في وجهها أنف دقيق وعظمتان في الخد وجبهة متناسقة وفم جميل. أما ابتسامتها في الصور فمدهشة وحزنها أكثر جمالاً ووجهها صالح للتصوير من كل الجهات.

على أي شاطئ تحب يسرا أن ترسو، هل هو رجل، حلم، نجاح، أمومة، إحساس غامض تجهله مع أنها تشعر به؟

تسرح كعادتها وتشرد طويلاً ثم تسأل: «فيه حلم يكفي تلك الأشياء كلها... آه عايزه كل ده. عارف ليه؟ لأني طماعة في أحلامي».

أترك يسرا مع أحلامها التي لا تنتهي، مع خيالها الذي يسافر بها إلى عالم من اختراعها وتأليفها، عالم تعيش في داخله، تختبئ فيه، تفتش عنه وتهرب منه.

back to top