من شارع فهد السالم إلى المبنى المجهول اعتقال فعصب عينين فاعتداءات وإهانات

نشر في 20-08-2007 | 00:08
آخر تحديث 20-08-2007 | 00:08
«لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون، ولا يعرّض أي انسان للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة».

(دستور الكويت 1962 - المادة 31)

زميلنا جاسم القامس في «الجريدة» لم يسعفه هذا النص الدستوري، الذي صاغه المؤسسون للكويت الحديثة، والذي يتصدر باب الحقوق والواجبات من الدستور، عندما انقض عليه، في شارع فهد السالم في قلب «الديرة» العاصمة مساء أمس الأول، رجال امن الدولة وهو يقوم بتصوير عملية اعتقال زميله في الصحيفة ذاتها بشار الصايغ. وهو عمل في صميم العمل الصحفي، لا يجرّمه قانون ولا يحظره قرار وزاري... نعم جرت في مكان عام عملية خطف صحافي من دون سند قانوني، وهو يقاوم أمام أعين المارة وذهولهم، وان كان بعضهم من الوافدين اعتادوا مثل هذه التصرفات البوليسية في بلدانهم، لكنهم لم يتوقعوها في قلب العاصمة الكويتية، التي تتغنى بحرياتها ودستورها وحرية صحافتها وجرأة صحافييها.

الزميل القامس، الذي خارت قواه أمام رجال أمن الدولة الستة الأشداء ليدخل سيارة الأمن، استسلم لقدره بعينين معصوبتين، ليجد نفسه بعد فترة أمام ضابط التحقيق، في مكان لا يعرفه في ما يمكن تسميته مرحلة «التليين»، التي تسبق التحقيق، وتشمل مجموعة من الإهانات والاعتداءات الجسدية والأسئلة الخاصة الشخصية والعائلية المحرجة، والتي تتبعها عادة عبارات مثل «إذا قلت ما حدث لك هنا سنسحبك من فراشك»، بينما كان يستمع في مكان قريب لشخص يشغّل ما في جهازه الخلوي من معلومات وتسجيلات وفيديو وVOIC MASSAGES وأيضا من دون سند من القانون والدستور «حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية مصونة، وسريتها مكفولة، فلا يجوز مراقبة الرسائل أو إفشاء سريتها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه» (المادة 39 من الدستور ).

وبعد عدة جولات من الإهانات والاعتداءات، يسأل أحدهم:

• ما مهنتك؟

- ما إن أجاب الزميل القامس بأنه يعمل صحافيا، حتى بدأ التحقيق معه مرة أخرى بتوسع ليشمل أعمال مؤسسته الصحفية وزملاءه الصحافيين...

جاسم القامس هو أحد أبناء الكويت المتفوقين الذين لبوا نداء أولي الأمر منا بالاجتهاد في تحصيل العلم ليحصل على بعثة لدراسة العلوم السياسية في جامعة هارتفورد في الولايات المتحدة، ويتخرج في عام 2005 ليعود الى الوطن، بلد الدستور والمؤسسات والحريات ليطبق ما تعلمه ممن شاركوا في تحرير بلاده، وكان أحد أهم أسباب ذلك كونها نموذجا عصريا للحريات في المنطقة!

بالتأكيد يحتاج جاسم الى وقت طويل كي تندمل جراحه «الوطنية»... ويمكن القول ان جاسم وجيله، وكل الكويتيين، أعيدوا الى نقطة الصفر بعد هذا التصرف الخارج على القانون وغير الاخلاقي، وغير الوطني، وسنحتاج وجاسم الى زمن طويل كي نستعيد ثقتنا بواقعنا، إذ اختطف مساء أمس الأول بواسطة أفراد لا ينتمون الى الوطن الذي نعرفه، ولعل الصدمة الكبيرة التي رسمتها صفعاتهم على وجه جاسم ومشاعره التي جرحت، تمثل كل كينونتنا، والاعتداء الذي تعرض إليه هو اعتداء على راهننا ومستقبلنا، الذي توقعنا أننا نعرفه ونصنعه معا، لكن ما حصل أمس، كان بمنزلة «كابوس» أكد أننا كنا نحلم وحسب بالوطن الجميل الذي تصورناه، وأنه ليس موجودا على أرض الواقع بعد، غير أن جاسم بإرادته القوية كشاب طموح وجسور، تمثيلا لكل الشباب الكويتي، يدفعنا الى الاستمرار في حلمنا بالوطن الذي نستحقه ويستحقنا، ولن يمنعنا من تحقيقه مجموعة من زوار الفجر الجدد!... بعد أن أخرجوه ظهر أمس، من مبنى مجهول إلى الشارع، ليتأمل من جديد سماء الوطن وأرضه وواقعه.

back to top