البحث عن بخوت المرية شعر المرأة عنوان دعائي بهدف البيع

نشر في 26-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 26-07-2007 | 00:00
No Image Caption
بعد قرنين من النهضة العربية عموما، وبعد العصر الذهبي للصحافة الشعبية منذ ثمانينيات القرن العشرين، واندفاع الشعراء الرجال إلى المعاصرة والحداثة، أين هو شعر المرأة؟

سؤال غير مريح للثقافة والمجتمع العربيين.
كنا نتكلم عن إخفات المدينة العربية بأسوارها العتيدة وأسواقها المتماوجة بالثقافة لصوت المرأة وقمع اسمها من مجالسها، في حين ظلت البادية حيث اللامتناهي من الرمل والوقت تلد نساء يذدن بشجاعة وبأعلى حس عن حقهن في القول، وفي أن يستمع لهن:

العب المنكوس وارفع بصوتي ما علي

من هل المنقود واهل العلوم الهينــه

لكن هل حقا تعكس ثنائية المدينة / البادية هذه موقفا متناقضا في الثقافة العربية من المرأة؟ جوابي أن ظاهريا نعم، وفعليا لا. والدليل أننا إذا تمعنا في الحالة الخاصة من شعر المرأة في عموم تاريخ الشعر العربي، سواء في ثقافة الفصحى الرسمية أو الثقافات الشعبية، إن جاز هذا التقسيم، لرأينا أن الشعر مثله مثل أي فن آخر، قد تحول منذ زمن بعيد إلى مؤسسة قاصرة على الرجال، تعمل تقاليدها على تعزيز هذه الانتقائية، وتحافظ على الفروق التي تسمح بالتراتبية، وذلك باستغلالها الفروق الطبيعية «البريئة» وتحويلها إلى قوى للعزل والتنميط والتصنيف. ولوجدنا الثقافة العربية الرسمية والشعبية تحتفي بالطاقة الابداعية للمرأة احتفاء ظاهريا فقط حين تفسح له -بمزيد من الكرم- هامشا ضيقا جدا وبعيدا عن مركز الشعر، هامشا لا يتعدى حدود الطرائف والنوادر، فتقدم شعر المرأة على إنه شعر ذلك «الآخر» الغرائبي / الطرائفي/الأنثى.

من الخنساء إلى نازك الملائكة: ما الذي نعرفه عن شاعرات البادية، بل وحتى شاعرات العربية الفصحى؟ ليس أكثر من لاشيء إلا بقليل. ولو بحث أحدنا عن أصواتهن، لما وجد إلا مقاطع صغيرة، وإلا فأين دواوينهن في هذا الزخم من شعر الرجال؟ فحين نبحث عن بخوت المرية مثلا، وهي شاعرة معاصرة يكثر الاستشهاد بها- لا نجد أكثر من فقرة يتردد اقتباسها من مكان لآخر تذكر أن: بخيته عايض آل عذبه المري المعروفة باسم بخوت المرية شاعرة يتيمة الأم، قالت الشعر في سن مبكرة، تزوجت ثلاث مرات ولم تنجب. عاشت مع والدها في عد «الزرنوقة» وحول بير «فاضل» جنوب منطقة الأحساء، ثم استقرت في مدينة الدمام بـ«كمب البدو» سابقاً أو «حي الباديه» حالياً، قالت الشعر بجميع أغراضه، وتوفيت في العقد الأخير من القرن العشرين. اشتهرت باهتمامها بالآلات المستجدة على بيئتها من سيارات وطائرات وهاتف. ومن أشهر ما يرد لها ومن أطول المقاطع الباقية عنها أبياتها التي تفضل فيها ابن البادية على ابن المدينة (مجددا ما تبقى لنا جزء من مشاعرها الدائرة حول الرجل):

حن قلبي حن ماكٍ على سمر العجل

عشّق السواق والدرب ممسوكٍ وراه

أن عطا مع طلعةٍ عشقوا له بالدبل

وأن تسّهل ريّحه لين ياصل منتهاه

ما بشفي لا دريول ولا ريس عمل

شفي اللي كل ما شاف براق ٍرعاه

قاطنينٍ فوق عد ٍعلى جاله عبل

طيب ٍللبل وراعيه ما يقطع ضماه

ونتي ونة خلوج ٍولدها ما جدل

تشرف المرقاب للذود وتعوّد وراه

فبعد قرنين من النهضة العربية عموما، وبعد العصر الذهبي للصحافة الشعبية منذ ثمانينيات القرن العشرين، واندفاع الشعراء الرجال إلى المعاصرة والحداثة، أين هو شعر المرأة؟ وهذا السؤال ليس مجرد تمرين في كتاب مدرسي، وليس مهما فقط لمحبي الشعر، إنه سؤال «غير مريح» للمجتمع ككل وللثقافة العربية في اشكالياتها الراهنة. إن تحليل السياق الاجتماعي/الثقافي لشعر المرأة لحري بأن يقدم مؤشرات اجتماعية واضحة على المؤسسة الثقافية القائمة، وعلى الظروف التاريخية والمؤسساتية المحددة له. والأجوبة المقدمة لهذا السؤال تتجاوز حدود عالم الشعر المحدود لتكشف أمورا مهمة في الجوانب الأخرى من المجتمع. فهل تغيرنا كثيرا بعد التعليم الالزامي والطائرة والسيارة وورود اسمك على صفحات الانترنت يا بخوت؟ ما زلنا نحن النساء المهتمات بالأدب والثقافة مثلك نحّنِ إلى الحرية حنين صقر صيد مربوط إلى يد صاحبه:

زوع قلبي زوع طير ٍقطع قـد هو حكيـر

من شياهين البحر واستخل أهجارها

كلما صاح المصيّح تعلوّت تستدير

عقب ماهي حكرة ٍسعدها بطيارها

لقد عمدت الصحافة الشعبية بدورها إلى تأكيد النزعة الطرائفية نحو المرأة، وساهمت في تسليع (إن سمح اللغويون بنحت فعل «تسليع»: من تحويل الشيء إلى سلعة) شعر المرأة كضرب من الطرفة والنوادر، فحتى أكثر هذه الإصدارات براءة بالكاد تفرد ركنا للمرأة، وما هو إلا ركن تحت عنوان دعائي بهدف بيع «الآخر». وقد أدركت بخوت هذا منذ زمن بعيد أن لا صوت حقيقيا للأنثى في ثقافتها، حين قالت تصف الطائرة:

اسمحوا لي يا محمد على ست كلمات

ذا كلام فاضي واستحي لا أطوله

يا محمد ما الاناثي بكفو معاملات

قولهم ما هوب يصمل ٍولا ينرد له

راكب اللي في سما الجو تمشي بحركات

صوتها من سرعها من وراها تنفله

روحت وقت الضحى من محل الطائرات

وخطّرت راعي الهجن ما رحل من منزله

وخطّرت ركابة «الدوج» من دموات

ومرت «الصلب» الحمر والفريق باسفله

دارب سواقها ما يحسب للممات

علقت خمس الدقايق على الطلب وهله

أسخرية، أم استسلاماً، أم حكمة الواقعية يا بخوت!

وبتفحُّص السياق الذي تنتج فيه هذه الإصدارات على الورق والإعلام والانترنت، والشبكة القائمة من الظروف النشر، لوجدناها تدار من رجال، وبمشاركة رجال، وبمباركة نساء يعملن ضمن منظومة الرجال إذ لا مكان لهن إلا من خلال ذلك، ولأمكننا أن نبدأ في رؤية ما تنطوي عليه هذه الإصدارات من دلالات في ما يختص بطريقة معيشتنا وثقافتنا اللا-ديمقراطية. فلم تحتفظ ذاكرة الرجال بشعرك إلا لأنهم ما كان لهم أن يطمسوا مشاعرك وهي تفيض بشجن يعجز عنه فحول الشعراء:

جعل وبل الغيث يسقي ديار المفرحين

منزل اللي كن حديثه حليب «معدية»

ضيقتي في خاطري دايمٍ ما هوب زين

قومي اللي سم حالي وبيح سديه

ان سجنته قام يتبع دروب الدالهين

وان نشدته قال انا علتي متعديه

ان بغى خلي جنابي فلا غيرة ضنين

وان بغى يقفي فيقفي مراح موديه

هكذا ومجددا دفعت الثقافة الحديثة/ثقافة التسليع بشعر الرجل نحو مركز ثقافتنا وشعر المرأة نحو الهامش. فليس لشعر النساء أن يكون جزءا من ذاكرة الثقافة العربية، وإلا فأين الشاعرات في شاعر المليون مثلا؟ وها نحن نطرح السؤال مجددا: ما الذي بقي من صوتك يا بخوت، من لون وجهك يا بخوت، من مشاعرك يا بخوت... لم يبق إلا اختزال الطرفة.

 

back to top