المسجد الحرام في مكة المكرمة أوسع مساجد الدنيا... بلا قبلة

نشر في 13-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 13-09-2007 | 00:00
No Image Caption
أرض الحجاز هى مهد بيوت الله، ففيها أول بيت وضع للناس وهو المسجد الحرام في مكة. وأبو المساجد أي المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، فضلا عن المساجد الأولى التى تذكرنا بأيام الصحابة رضوان الله عليهم.

ولا غرو أن نجد المسلمين كافة منذ أقدم العصور، إذا ما أهلوا على أرض الحجاز احسّوا، كما يقول أبي عربي في (الفتوحات المكية) وكأن نورا إلهيا يغمر الأرض ويجعلها شيئا آخر غير أرض البشر، فيحسون وكأنها مسك وكأن الدور در وياقوت.

والمسجد الحرام هو بيت الله الذي فرض الله الحج إليه لمن استطاع إليه سبيلا وهو أيضا قبلة المسلمين فى صلواتهم إينما كانوا، وقد جاء فى الحديث النبوى الشريف (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى).

ويعتبر أقدم المساجد فى الإسلام إذا ذكرنا أن إبراهيم عليه السلام الذى وضع قواعد البيت كان حنيفا مسلما وهو دون شك أوسع مساجد الدنيا إن لم يكن أوسع معبد ديني على الإطلاق.

والمسجد الحرام هو طراز وحده بين المساجد، إذ لا توجد القبلة فى أي من جدرانه وإنما هى في وسطه حيث البيت العتيق أو الكعبة، إذ كانت العرب تسمى كل بيت مربع مرتفع (كعبة).

وطبقا للروايات التاريخية، فقد كانت الكعبة التى رفع قواعدها ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام بناء ذا جوانب اربعة يقرب ارتفاعه من خمسة امتار وهو على هيئة مستطيلة تبلغ أبعاده تقريبا 16مترا فى الطول و11مترا عرضا.

وظل البيت الحرام قدس العرب وملاذهم ورمز عزتهم ومجدهم، كما اكد شرف قريش ومكن لها السيادة وضمن لها الامن والرخاء، اذ رغم انه شيّد بواد غير ذى زرع الا ان كل الثمرات كانت تجبى اليه بفضل توسط مكة لطرق التجارة بين الشمال والجنوب منة من الله وفضلا.

وحتى عهد الخليفة الراشد ابي بكر الصديق لم يكن للمسجد الحرام جدران تحده بل كانت البيوت تحدق به من كل جانب وكان بعض المنازل مشيدا عند حدود المكان.

وعندما ولي عمر بن الخطاب الخلافة رأى أن يحاط المسجد بجدار، فعرض على اصحاب الدور المحدقة به ان يبتاعهم منها فأبى بعضهم غير ان عمر لم يأبه لمعارضتهم واشترى الدور وهدمها ووسع حدود المسجد ووضع اثمان الدور التي رفض اصحابها ببيعها في خزانة الكعبة لحسابهم فأخذوها بعد ان قال لهم عمر «انما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها ولم تنزل الكعبة عليكم».

وبعد تعديلات عمر التي وسعت من حدود المسجد الحرام وجعلت له جدارا فى عام 17هـ قام الخليفة عثمان بن عفان بعد ذلك بأربع سنوات بتوسعة اخرى للمسجد على حساب بعض الدور المحيطة به، وعندما رفض بعض اصحابها بيعها امر الخليفة بالهدم على المعتصمين بها، قائلا لهم : «انما جرأكم عليّ حلمي عنكم فقد فعل عمر بكم هذا فلم يصح به احد».

ويعد الخليفة عثمان بن عفان اول من جعل للمسجد الحرام اروقة تحيط بالكعبة، اما معاوية بن ابي سفيان فهو اول من زود المسجد بمنبر. وأثناء ثورة عبد الله بن الزبير على بني أمية تمت عمارة مهمة في المسجد الحرام اعتمد فيها ابن الزبير على حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) للسيدة عائشة ونصه «لولا ان قومك حديثو العهد بالجاهلية لهدمت الكعبة وألزقتها بالأرض وجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا ولزدت ست أذرع من الحجر في البيت فإن قريشا استقصرت ذلك لما بنت البيت».

ولكن الحجاج بن يوسف الثقفي اعاد بناء الكعبة على ما كانت عليه قبل تعديلات ابن الزبير وظلت اعمال الترميم والتكسية بالجص والرخام والتحلية بالفضة والذهب قائمة بالمسجد الى ان اعاد الوليد بن عبد الملك بناء المسجد بفخامة تناسب ما بلغه فن المعمار الاسلامي في عهده من رقي وتطور.

أمّا اهم عمائر بني العباس بالمسجد فقد تمت في عهد الخليفة المهدي بن المنصور وبها استقرت حدود الجوانب الاربعة واصبحت الكعبة المشرفة تتوسط بناء المسجد.

ولا يضاهى احد فى العصور الوسطى سلاطين المماليك في عنايتهم الفائقة بتعمير المسجد الحرام، وذلك منذ ان قام الظاهر بيبرس بعمارته الكبيرة للحرم في بداية النصف الثاني من القرن السابع الهجري (13م) وواصل الملك الناصر محمد بن قلاوون اعمال الترميم والتوسيع خلال القرن الحالى مباشرة.

وفي عصر المماليك الجراكسة تخرب نحو ثلث المسجد الحرام من جراء حريق كبير نشب عند باب الحزوزة (عزورة) في شوال عام 802 هـ فأعاد الملك الناصر فرج بن برقوق عمارة المسجد في تأنق وفخامة لم يسبق لها مثيل.

وجاء الملك الأشرف برسباي ليقيم فيما بين عامى 825 هـ و826 هـ بعمارة هائلة شملت المسجد كله تقريبا، حيث جددت اغلب الابواب وعمرت الأسقف واصلح سقف الكعبة ورخامها واخشابها وحلق الحديد الذي تربط به كسوة الكعبة فضلا عن اقامة عشرات العقود.

وبزوال دولة المماليك انتقلت رعاية الحرم الى الدولة العثمانية، وقام السلطان سليمان القانوني (926 – 973 هـ) بإعادة بناء الكعبة والحرم ليصبحا على الهيئة التي نراها اليوم تقريبا والتي تحافظ الحكومة السعودية في كل اعمالها العمرانية الضخمة التي لا تنقطع في الحرم. وهذا التصميم او التخطيط من ابتكار المهندس التركي الشهير (المعمار سنان باشا) وان كان الرجل لم يعش ليرى تنفيذ مشروعه فقام على اكماله تلميذه محمد أغا.

وكنتيجة للعمائر العثمانية صار المسجد الحرام مستطيلا اقرب الى التربيع (الضلع الشمالى طوله 164مترا والجنوبي 166مترا والشرقى 108 أمتار والغربي 109 أمتار) واصبح الحرم محاطا في جهاته الأربع بأروقة لها اعمدة موازية للجدران معظمها من الرخام والباقي من الحجر الشميس الاحمر وتحمل الاعمدة عقودا وتغطى كل بلاطة تحف بها اربعة اعمدة قبة صغيرة وصار طول المسجد الحرام من الخارج حوالي 192 مترا وعرضه 132 مترا.

وظل هذا البناء العثماني دون تعديل حتى اوائل القرن التاسع عشر الميلادي عندما قام والي مصر والحجاز محمد علي باشا بإعادة بناء الحرم المكي كله وجدد اعمدته وحجارته ورخامه واصلح مآذنه وكان ذلك فى عام 1821 هـ.

اما تجديدات المسجد الحرام التي اكسبته هيئته التي نراها اليوم فقد بدأت في فبراير عام 1958 ايام الملك سعود بن عبد العزيز وذلك تحت اشراف الملك فيصل وقت ان كان وليا للعهد وهي تجديدات لم تنقطع الى اليوم.

وقد اصبحت مساحة المسجد الآن اكثر من 75 ألف متر مربع بعد ان كانت 30 ألفا وهي مساحة تتسع لأكثر من نصف مليون مصل ويحيط بالحرم شارع عرضه ثلاثون مترا وانشئت ممرات المسعى من طابقين وجعل عرضه عشرين مترا وجعلت له ثمانية ابواب ونظم السير فيه في اتجاه واحد والمسجد الحرام اليوم يزداد جمالا ورونقا بما يجري فيه من اعمال البناء والتجديد التي تستخدم فيها ارفع مواد البناء من رخام واخشاب ومعادن.

back to top