اليهود في إيران... شعورهم وولاؤهم

نشر في 24-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 24-07-2007 | 00:00
بين الشكوك في الولاء لوطنهم ايران، والولاء للوطن القومي البديل، ينبغي النظر إلى أوضاع الأقلية اليهودية بكثير من الحذر والاهتمام، خاصة مع تصاعد الازمة بين إيران وإسرائيل.

ويشعر اليهود الإيرانيون بالاحباط تجاه تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في شأن إنكاره حدوث المحرقة النازية (الهولوكوست)، وينظرون بازدراء إلى استمرار حرق العلم الإسرائيلي، عدو إيران اللدود، في المناسبات السياسية كـ «يوم القدس العالمي».

أفراد المجتمع اليهودي رغم اعترافهم بأن حياتهم في إيران حرة، ويمارسون طقوسهم بحرية، ويعبرون عن آرائهم من خلال نشاطاتهم الاعلامية كصحف ومجلات، وما زالوا يشعرون بالولاء للأرض التي ولدوا فيها، لكنهم كثيراً ما يعبرون بوضوح عن سخطهم تجاه العلاقات المتنامية بين ايران والعرب ولاسيما سورية وحزب الله اللبناني والحركات الفلسطينية المناهضة لاسرائيل.

كما أنهم يحذرون من المقارنة بين المواقف الرسمية الإيرانية المعارضة لإسرائيل والفكرة الصهيونية من ناحية، والمواقف الرسمية تجاه اليهود الايرانيين من ناحية أخرى.

نبذة تاريخية

يعود الوجود اليهودي في إيران إلى ما قبل ظهور الإسلام بأكثر من ألف عام. وقد وصلت إحدى موجات الهجرة اليهودية إلى إيران عندما كان اليهود يفرون من الملك نبوخذ نصر الثاني ملك الدولة الآشورية في العراق عام680 قبل الميلاد تقريبا. كما أن بعضهم جاء إلى إيران عندما نجح الملك كورش ملك فارس في تحريرهم من السبي البابلي بعد ذلك بحوالي140عاماً.

وقد انخفض عدد الاقلية اليهودية في ايران من 80 ألف نسمة قبل انتصار الثورة الاسلامية إلى25 ألف نسمة في الوقت الراهن. ومازالت هذه الاقلية تشكل الجزء الأكبر من الجالية اليهودية التي تعيش خارج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.

من الناحية التاريخية لا توجد معاداة للسامية لدى الشعب الإيراني، بل ان غالبية الايرانيين تتمتع بعلاقات اجتماعية جيدة مع اليهود في مجالات العمل والتجارة وحسن الجوار في الاحياء التي تتكون غالبيتها من اليهود، ورغم ذلك فمازال عدد أفراد الجالية اليهودية يتقلص منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979. وقد كان الخروج الكبير لهم في أعقاب الثورة وإعلان قيام نظام الجمهورية الإسلامية، عندها هاجر حوالي 25 ألف يهودي البلاد بُعيد الثورة. ويقول بعض اليهود الإيرانيين ان مشكلتهم تكمن في أن القضية الفلسطينية لم تحل بعد وهذا يعتبر هاجسهم الاساس.

وقبل أيام نقلت وكالة الانباء الايرانية عن ممثل الطائفة اليهودية في مجلس الشورى الإسلامي موريس معتمد، خلال مشاركته في ملتقى «الاسلام واليهود: آفاق التعاون والحوار» الذي عقد في موسكو، ان اليهود الايرانيين كسائر المواطنين، يفخرون بتوصل علماء بلادهم للتكنولوجيا النووية السلمية.

واكد معتمد ان الضغوط السياسية لا يمكن ان تؤ‌ثر على ارادة الشعب الإيراني في الاستفادة من التكنولوجيا النووية السلمية، واصفاً ايران بانها مهد الحضارات والقوميات الدينية والوطنية، وان الاقليات الايرانية تعيش فيها حياة هادئة في ظل العدالة والحرية.

كما أكد ممثل الطائفة اليهودية على وجود الحرية الكاملة والظروف الجيدة التي يتمتع بها 25 الف يهودي في ايران.

وقال ان اليهود كسائر الطوائف الدينية الايرانية يمارسون طقوسهم بحرية.

وردا على سؤال حول تصريحات نجاد حول «الهولوكوست»، قال معتمد انه وفقاً لمبدأ حرية التعبير عن الرأي والديموقراطية، فإن الرئيس الايراني أبدى رأيه عن اسرائيل ولا يوجد أي مانع في هذا الشان.

حالات استثنائية

وفي عام 1999 اتهمت السلطات الأمنية الإيرانية 13يهوديا إيرانيا بالتجسس لمصلحة إسرائيل في مدينتي شيراز وأصفهان، وتمت محاكمتهم في محاكم علنية وصدرت أحكام بالسجن تراوحت بين أربع سنوات و13 سنة على عشرة من المتهمين وتم تخفيف الأحكام فيما بعد، وأطلق سراحهم جميعهم، ومازالوا يعيشون في ايران حتى اليوم.

إن ما أثار مخاوف اليهود في ايران في ذلك الوقت هو تدخل المنظمات الصهيونية والولايات المتحدة لاستغلال قضية التجسس من أجل مهاجمة نظام الحكم في إيران، الامر الذي ترك آثاراً سيئة على المجتمع اليهودي.

وفي الآونة الاخيرة، كشفت مصادر ايرانية عن محاولات تقوم بها منظمة صهيونية أميركية تسمى «هاياس» وأخرى اسرائيلية تدعى «سخنوت» بتشجيع ودعم اليهود الايرانيين للهجرة إلى الولايات المتحدة واسرائيل عن طريق تأشيرات تمنحها السفارة النمساوية في طهران للراغبين للهجرة.

وأوضحت المصادر ان المنظمات الاميركية والاسرائيلية المعنية تمنح مبلغاً مقداره نحو ثلاثة آلاف دولار لكل من يرغب بالهجرة، وان السفارة النمساوية حددت يوم الثلاثاء من كل الاسبوع لاستلام ملفات هؤلاء الاشخاص ومنحهم تأشيرات الهجرة إلى اوروبا ومن ثم إلى الولايات المتحدة واسرائيل.

قصص من الواقع

على الرغم من التصريحات العلنية لزعماء الاقلية اليهودية المتعاطفة مع منهج النظام الاسلامي في ايران، إلاّ ان ذلك لا يمنع المواطنين اليهود من إبداء معارضتهم للسياسة التي تنتهجها الحكومة تجاه العرب والقضية الفلسطينية.

فقبل سنوات كان يسكن بجوارنا في البناية ذات الطوابق الاربعة في طهران، جار يهودي متحمس لإسرائيل، هاجر قبل عدة سنوات إلى الولايات المتحدة وربما إلى اسرائيل، وكان على علم بأنني أمتهن الصحافة، وعندما كنّا نلتقي في بعض الاحيان كان يعترض على المساعدات النفطية التي تقدمها ايران الى سورية، ويقول : «لماذا تمنح ايران مساعدات نفطية الى سورية مجانا»؟ وكان يبرر موقفه هذا بأن هناك فئات من الشعب الايراني بأمس الحاجة إلى الدعم.

وقبل شهور ذهبت بالصدفة إلى مكتب عقاري يملكه يهودي يدعى داوودي في مركز طهران، واستفسرت منه إذا ما كان لديه شقة للايجار. فدلني على صاحب عقار قريباً من مكتبه، فذهبت إليه وأتفقت معه على المبلغ الشهري الذي حدده للايجار. وبعد يومين، عندما ذهبت إلى داوودي لتوقيع العقد، وبعد انكشاف أمري بأني اتكلم العربية، رفض توقيع العقد ونصح صاحب العقار بأن يرفض استئجار الشقة لكوني أتكلم اللغة العربية؟! وفي ظل التعايش السلمي بين اليهود والمسلمين، وفي ظل الحرية الكاملة التي يتمتع بها أتباع النبي موسى (عليه السلام) في ايران، إلاّ أن التعبير عن آرائهم السياسية، لا يخلو من التعاطف نحو «الوطن القومي» اسرائيل واتخاذ مواقف واضحة تجاه مجمل قضايا الشرق الاوسط، ولاسيما تصريحات أحمدي نجاد النارية ضد الصهيونية وإسرائيل خلال المؤتمر الدولي عن «الهولوكوست» الذي استضافته طهران في ديسمبر الماضي.

ويقول موريس معتمد، أحد أقدم الأعضاء اليهود في البرلمان الإيراني إن «الجالية اليهودية ربما كانت واحدة من أولى الجماعات الأقلية الإيرانية التي انضمت إلى الثورة الإيرانية وقدمت شهداء في سبيلها. وبعد ذلك وأثناء الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات كان لليهود نصيبهم من الشهداء والمصابين».

تجدر الاشارة إلى ان عددا من القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين من اليهود الإيرانيين منهم على سبيل المثال، الرئيس السابق موشيه كاتساف (موسى قصاب) وكذلك وزير الدفاع الاسبق شاؤول موفاز، وأيضاً أحد كبار حاخامات إسرائيل المتحدر من يهود أصفهان.

back to top