بياف، حياة بالوردي والأسود على مسرح كازينو لبنان سيرة ديفا الأغنية الفرنسية تُلهم عالم الاستعراض

نشر في 02-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 02-09-2007 | 00:00

بدا واضحاً على الجمهور الذي اتى لمشاهدة مسرحية «بياف، حياة بالودري والاسود» على مسرح كازينو لبنان أول من أمس حفظه أغاني إديت بياف كأنها جزء من ذاكرته. تباينت أعمار الحضور ولكن اتقان اللغة الفرنسية وكأنها اللغة الأم كان صفة مشتركة.

تروي المسرحية كيف استطاعت إديت بياف ابنة مهرج الشوارع وربيبة «بولفار بلفيل» التي نشأت في ملاهي البيغال ومواخيره. أن تتحول نجمة غناء عالمية لا تزال أغانيها تتردد الى اليوم في أرجاء العالم.

كيف ولدت أغاني بياف المشهورة «الحياة الوردية اللون» و{نشيد للحب» و «ميلور» و{لا، لن أندم على شيء» وغيرها؟ كيف استطاعت الاستمرار رغم الشقاء الذي عرفته في بيوت بلفيل المتواضعة وحانات البيغال؟ كيف تحولت «إديت غاسيون المغمورة الى إديت بياف المعروفة في العالم كله؟ كيف التقت مارسيل سيردان قبل أن تعرف معه حكاية حب عاصفة صارت أقرب الى المغامرات الأسطورية؟ بِمَ يدين لها مشاهير الأغنية الفرنسية إيف مونتان، شارل أزنافور، جورج موستاكي وكثيرون سواهم؟ كيف استنفدت طاقتها وجهدها في عروض مضنية رغم تحذيرات الأطباء؟

حنكة الراوي

يعيد المخرج والصحافي جاك بيسي وهو الراوي في المسرحية مواضيع كثيرة حافلة وتاريخية في حياة بياف بأسلوب مرح يركّز فيه على المحطات الأساسية في مسيرة الفنانة العالمية. يبقينا بيسي متيقظين ومستعدين لسماع كل ما سيقوله وهو يسرد التفاصيل بشغف وسلاسة. هذا ليس جديداً على تاريخه الفني الحافل بأعمال مسرحية مثل {Pierre Dac, mon maître 63» و{Y’a d’la joie et d’l’amour» و{L’air de Paris» و{Et si on chantait».

شخصية إديت بياف تؤديها في المسرحية الممثلة والمغنية ناتالي ليرميت ذات الصوت الجميل والحنجرة القوية. الحقيقة أنه لولا موهبة ليرميت وقدرتها على ترداد أغاني بياف بأسلوب مقنع وواقعي لما لقي العرض نجاحاً. يرافق ناتالي على الأكورديون أورليان نويل بطل العالم في العزف على الأكورديون لعام 1999 والمدير الموسيقي في مسرحية «Et si on chantait?». يعتبر نويل بذاته فرقة موسيقية. يعزف على الأكورديون ببراعة مستعيناً بتقنية Midi لتحويل الموسيقى المعزوفة إلى نوطات إلكترونيّة من خلال تسجيل واجهة التفاعل الرقميّة للآلات الموسيقيّة، بفضل وصل جهاز كومبيوتر بالأكورديون، ما يتيح له الحصول على جميع النغمات التي تصدرها الآلات الموسيقية كافة.

الجمهور

أمّا الإخراج فتوّلته روبيا ماتينيون الجزائرية الأصول التي تهتم كثيراً بسير المشاهير. تعاونت ماتينيون في مسيرتها الفنية مع جان بيار فانسان في المسرح ومع فردريك ميتران في التلفزيون. أخرجت مسرحية «?Et si on chantait» على خشبة مسرح بيار كردان، و«جاك بريل وجورج براسنز» على خشبة أوبرا ماسي، فضلاً عن «جو وجوزفين» على خشبة مسرح الأميرة غريس في موناكو عام 2006. اعتمدت المخرجة في عرضها المسرحي على اسلوب يجمع السرد والغناء والتمثيل وتعمدت إشراك الجمهور في أداء الأغاني وتحقق لها ذلك بقوة في كازينو لبنان إذ تفاعل الجمهور مع المغنية وشارك في أغاني بياف المعروفة وفي الختام لم يرضى إلا بالمزيد من الأغاني فأعادت ليرميت تقديم أغنيتين تكريماً له.

بدا لافتا في العرض انه يمكن للمهتمين بالمسرح خلق مسرحية من أمور بسيطة، بعيداً عن كليشيات العناوين العريضة والأزياء. والحق أن المسرحية خير تكريم لإديت بياف وللأغنية الفرنسية. تنقلنا إلى عالم المغنية الفرنسية كاشفة النقاب عن حياتها الأسطورية.

على هامش «بياف، حياة بالوردي والأسود» نقول إنه من البديهي ان يتحمس السينمائيون والمسرحيون لتقديم افلام ومسرحيات عن المغنية الراحلة فحياتها الصاخبة أشبه بسيناريو خيالي حقّاً ألهم العديد من المخرجين. لعل ابرز الافلام عن حياتها فيلم «اديث ومارسيل» لمخرجه كلود لولوش الذي أنجزه في 1983 وركّز فيه على علاقة الحبّ العاصفة التي جمعت بياف ونجم الملاكمة مارسيل سيردان في أوج تألقهما عهدذاك. ولا يقتصر الامر على السينما ففي المسرح قدمت الكاتبة الريطانية بام جيمس(واحدة من أبرز الكاتبات في ميدان الدراما النسوية البريطانية المعاصرة) مسرحية « بياف» عبر قصة رومنطقية حزينة عن حياة هذه الفنانة. نالت جان لابويتر عامذاك جائزة افضل ممثلة ومغنية بريطانية. أما العرض الذي أخرجه بيتر هول فأدت دور بياف فيه الممثلة البريطانية إيلين بيج. واخيرا ليس اخراً فيلم «الصبية» لمخرجه أوليفييه داهان وجسدت إديث بياف الممثلة ماريون كوتيّار وكان في الصالات العالمية قبل بضعة أشهر.

• تستمر عروض «بياف» حتى الرابع من أيلول الجاري على مسرح كازينو لبنان.

سيرة

ولدت اديت بياف عام 1915 في أحد أزقة باريس الفقيرة وكان اسمها الحقيقي إديت جيوفانة كَاشن. والدتها كانت مغنية شارع هجرتها طفلة. والدها جان بول روف مهرج شارع، تركها مع جدتها كاترين أليغري ليلتحق بالجيش. نشأت في أحضان جّدتها التي كانت تدير مبغىً في نورماندي شمال فرنسا. لكنها عادت الى العاصمة للعيش مع والدها لفترة قصيرة ومرافقته في تجواله المتواصل حاملة قبعة لجمع النقود من السابلة. فجأة اكتشف والدها أن صوتها جميل فطلب منها أن تغني فإذا بها تصدح بأجمل الأغاني الفرنسية القديمة. هكذا بدأت حياة أديث بياف الغنائية: مغنية في الشوارع. وسرعان ما اصبحت مغنية كبيرة في المسارح ولمع صيتها. في الفترة ذاتها تعرفت الى شخصيات مشهورة كالممثل موريس شوفالييه والشاعر جاكويس بورغيت. ذاك المناخ ترك بصماته عليها في الموسيقى والشعر. الجانب الآخر النبيل في شخصية بياف هو رعايتها المواهب الشابة آنذاك إذ كانت وراء بزوغ نجومية المغني أزنافور الذي مّدت اليه يد العون وكانت تصطحبه معها في رحلاتها بين أوروبا وأميركا. كذلك الحال مع مونتان وبيكو وآخرين إلا أن بريق أوروبا سيخبو على إيقاع طبول الحرب العالمية الثانية. انتهت الحرب وواصلت بياف تجوالها الذي تعدّى أوروبا الى أميركا. عشقها رجال كثر وعشقت بعضاً منهم، لكنها لم تكن مخلصة لأحد، باستثناء علاقة وحيدة عابرة مع الملاكم العالمي مارسيل سيردان الذي مات فجأة إثر سقوط طيارة كانت تقله إلى أميركا في نهاية الاربعينات. تلك الحادثة المؤلمة تركت جرحاً عميقا في روحها لوقت طويل. بعد ذلك كان حادث السيارة الذي تعرضت له عام 1951 فضاعف من شقائها. تزوجت بياف مرتين الأولى عام 1952 من المغني جاكويس بيلز ولم تدم سوى أربع سنوات، والثانية من المزّين ثيوبانس لامبوكاس الذي كان يصغرها بعقدين وتحول في ما بعد مغنياً وممثلاً وتزوجا قبل سنة من وفاتها.

في 11 تشرين الثاني 1963، نحو السابعة صباحا، توفيت إديث بياف نتيجة نزيف داخلي وكانت في السابعة والأربعين.

back to top