زرقاء اليمامة: الصداقة

نشر في 18-01-2008
آخر تحديث 18-01-2008 | 00:00
البعض قد يتخوف من الصداقة بشكل كبير، فيؤثر الوحدة في الحياة عليها، وبعض الناس على العكس من ذلك، إذ يتخذ من عملية الصداقة بحد ذاتها هواية، فيكثر من الأصدقاء من دون أي حساب، وكلا الطريقين خاطئ، فليس من الصواب أن يتّخذ الإنسان أصدقاء بلا حساب، كما أنه ليس من الصحيح أيضاً أن يعيش الإنسان في عزلة عن الناس.
 الجوهرة القويضي الإنسان كائن اجتماعي بفطرته لا يستطيع أن يعيش بمفرده، فهو يحتاج دوما إلى أصدقاء يشعرونه بقيمته في الحياة، يوجهونه؛ يحبونه؛ يسدون إليه النصائح، ويبصرونه بالخير، لكن هل ينفع أن يكون كل إنسان صديقاً؟ وما مواصفات الصديق المثالي؟ إن التعامل مع الناس ربما هو من أصعب المهمات على عاتقنا، ومن خلال هذا التعامل نحدد صدق الصديق... ومع مر العصور سمعنا قصصاً عن الناجحين والمشهورين عالمياً الذين تمكنوا من كسب صداقات قوية ثم الوصول إلى دروب النجاح.

إنّ الصداقة فنّ وصناعة إلا أن لها أرضية لابد من تهيئتها، وهي الالتزام بالأخلاق الفاضلة، أي صداقة قائمة على الخلق الإنساني الرفيع؛ لذلك فإن كل ما يسميه البعض «صداقة» مرفوض، إذا كانت تعني مجرد اتصال اجتماعي، وتبادل خدمات ومنافع، ولاشك أن هذا ليس من الصداقة الحقة في شيء، وإن كان في الصداقة تعاون وعطاء متبادل، ولكن الصداقة بحد ذاتها هدف مقدس، لا وسيلة تجارية رخيصة. وبما أن الصداقة فن، فهذا يعني أن نستعمل الذوق والفكر والقلب والضمير معاً في إقامة الصداقات وإيجاد الأصدقاء.

إن الصداقة ليست مسألة عادية بل هي من القضايا الملحة في حياة الإنسان، على أنها قضية خطيرة أيضاً؛ لأن تأثير الصديق في صديقه ليس تأثيراً فجائياً ملموساً ليتعرف من خلاله بسهولة على موقع الخطأ والصواب، بل هو تأثير تدريجي يومي وغير ظاهر. ومن هنا فإن بعض الذين ينحرفون بسبب الصداقات، لا يشعرون بالانحراف إلا بعد فوات الأوان، وإذا أخذنا بعين الاعتبار قابلية الإنسان للتأثير والتأثر بالأجواء التي يعيشها خصوصاً تأثره بالأصدقاء، وإن هذا التأثير ليس مرئياً ولا فجائياً، عرفنا حينئذٍ خطورة الصداقة في حياة الإنسان، والمجتمع، وضرورة الاهتمام بها من قبل الأفراد والجماعات.

إن الصداقة قضية اختيار، ولا يجوز أن نترك اختيار أصدقائنا للمصادفة، إذ إن المصادفة قد تكون جيدة في بعض الأحيان ولكنها لا تكون كذلك في أكثر الأحيان، ولهذا فإن على الإنسان أن يبادر إلى اختيار أصدقائه، حسب المعايير الصحيحة قبل أن تؤدي به المصادفة إلى صداقات وفق معايير خاطئة.

وفي هذا الصدد يشير علماء النفس إلى بعض الأمور والمعايير التي لابد من أن يأخذها الشخص بنظر الاعتبار عند بدء الصداقة، مثل التقارب العمري في معظم الحالات بين الأصدقاء، وتوافر قدر من التماثل بينهم في ما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات العقلية والاهتمامات والقيم والظروف الاجتماعية مع مراعاة الدوام النسبي والاستقرار في الصداقة.

وبما أن الصديق له الأثر الكبير في حياة الفرد والمجتمع، فلابد أن نختار من تكون تأثيراته محمودة، فالواجب ألّا نبحث عن الصديق فحسب، بل عن الصفات التي يتمتع بها، ومن أهم الصفات التي نؤكد ضرورة توافرها في الأصدقاء العلم والحكمة والعقل والخير والفضيلة والوفاء والخلق الكريم والإخلاص والأمانة والصدق... إلخ. ويضيف علماء النفس إلى هذه الصفات السامية أيضاً، الثقة بالنفس وكل ما يوحي بالقوة والاستقلال والميل إلى الحياة الاجتماعية، مع خفة الظل والانبساط والاعتناء بكل ما هو محبب،.لذا لابد للفرد أن يكون حذرا ً في اختيار أصدقائه.

إلا أن البعض قد يتخوف من هذا الأمر بشكل كبير، فيؤثر الوحدة في الحياة على الصداقة مع الناس، وبعض الناس على العكس من ذلك، إذ يتخذ من عملية الصداقة بحد ذاتها هواية، فيكثر من الأصدقاء من دون أي حساب، وكلا الطريقين خاطئ، فليس من الصواب أن يتخذ الإنسان أصدقاء بلا حساب، كما أنه ليس من الصحيح أيضاً أن يعيش الإنسان في عزلة عن الناس؛ لأن العزلة حالة مخالفة لفطرة الإنسان الاجتماعي، فلنكن ممن فطرهم الله على حب الآخرين والأصدقاء. حتماً سيكون القادم من حياتنا أجمل.

وقفة شفافة:

انثروا الحب من حولكم كما ينثر المزارع بذراته في موسمه وينتظر الجنى، لذلك لا تختاروا مواسم غير مواسمكم، الحب شيء عظيم يجعلنا نبتهج عند مروره.

back to top