المالية البرلمانية... ميدان معارك الشعبي والحكومة

نشر في 24-07-2007 | 00:09
آخر تحديث 24-07-2007 | 00:09
مادامت القضايا الاقتصادية تتمتع بأولوية في تصريحات الوزراء وغالبية النواب، فإنها حتماً سترى طريقها من خلال اللجنة المالية، ابتداء بالقانون المتعلق بأسلوب المقابلات الشخصية في الوظائف القيادية بالدولة، مروراً بزيادة رواتب الموظفين خمسين ديناراً، وانتهاء بقوانين مهمة، كالخصخصة والضريبة وتحويل الكويت إلى مركز مالي.
على مدى 64 اجتماعاً خلال دور الانعقاد الماضي، كانت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية إحدى الجبهات الرئيسية للصراع الحكومي- النيابي، وتحديداً تلك القوانين محل الخلاف ما بين الحكومة وتكتل العمل الشعبي. فشهدت اجتماعات اللجنة مشادات واختلافات وشدا وجذبا، دون أن تخلو كذلك من التوافق بين الطرفين، كان بطل التوافق في العادة رئيس اللجنة المالية النائب أحمد باقر، الذي لم يسلم كذلك من إدخاله كطرف في تلك «النزاعات».

وتعد اللجنة المالية ضمن اللجان التي تسمى «مطبخ المجلس»، وهي التشريعية والمالية والميزانيات، التي غالباً ما تقر مشاريع القوانين من خلالها. وقد بحثت اللجنة خلال اجتماعاتها لهذا العام مشاريع واقتراحات بقوانين انتهت إلى إقرار العديد منها، فيما لا يزال هناك عدد من القوانين المهمة محل البحث في اللجنة أو على جدول أعمال مجلس الأمة بانتظار إقرارها.

القوانين المقرة

وقد استهلت اللجنة عملها في دور الانعقاد الماضي بأحد إنجازات المجلس وهو إسقاط فوائد المتقاعدين، التي كانت تفرض عليهم مدى الحياة حتى بعد سداد مديونياتهم للتأمينات، كما أقر المجلس قانون الزكاة على الشركات والذي أقره المجلس لتلتزم الشركات بدفع 1% من صافي أرباحها للدولة كزكاة عن أموالها وللدولة الحق أن تستخدمها فيما يفيد مشاريعها التنموية كالصحة والتعليم، كذلك أقر المجلس قانون إنشاء شركة الاتصالات الثالثة وهو الذي خرج من رحم «المالية» ومن المفترض أن يرى المواطنون أولى لبنات هذا القانون مع بداية الاكتتاب العام بداية العام المقبل. وأقر المجلس قوانين خاصة لدعم البنك الصناعي بتوفير تسهيلات ائتمانية له وإنشاء محفظة لدعم الصناعة لدى البنك.

معارك اللجنة

وإذا ما استذكر المتابع لأعمال اللجنة صراعات دور الانعقاد الماضي، فلا بد له من ذكر الخلاف الشهير بين رئيسها أحمد باقر ورئيس كتلة العمل الشعبي النائب أحمد السعدون، على خلفية قانون أملاك الدولة العقارية وقانون تنظيم أوجه البناء والتشغيل والتحويل (B.O.T) إذ تباينت وجهات النظر بين النائبين حول مواد القانونين، فرأى السعدون أن القانون الجديد يجب أن ينسحب على مشاريع الـ (B.O.T) التي أقرت، كما رأى ضرورة أن يفصل كل قانون عن الآخر، بينما رأت اللجنة دمج القانونين في قانون واحد. واستطاع باقر أن يقود تحركات توفيقية بين «الشعبي» والحكومة ليصل للصيغة الأمثل التي وافقت عليها اللجنة وأحالتها لمجلس الأمة، إلا أن الحكومة قدمت مؤخراً عدداً من التعديلات على القانون، ورأت اللجنة أن تتم مناقشتها بعد موافقة المجلس على المداولة الأولى للقانون. وعكست الجلسة الختامية لدور الانعقاد مخاوف نيابية من أن تمرر الحكومة قانون أملاك الدولة خلال فترة الصيف، بيد أنها تعهدت بعدم إقراره بدون موافقة المجلس عليه، الذي من المرجح أن يتم خلال دور الانعقاد المقبل، ويرى بعض المراقبين أن القانون سيشهد خلاله المزيد من التجاذبات على ضوء تعديلات الحكومة الأخيرة.

ولم تمض فترة كبيرة، حتى نشبت معركة جديدة حول قانون زيادة رواتب الموظفين الكويتيين 50 ديناراً، إذ رأت اللجنة أن تنحصر هذه الزيادة في أصحاب الأجور المتدنية ما دون الـ 700 دينار، على أن يعطى من يصل راتبه إلى 700 دينار أو أعلى فتتم زيادة راتبه بالمقدار الذي يوصله إلى 750، ووجد هذا الحل اعتراضاً نيابياً، خاصة من كتلة العمل الشعبي رغم موافقة الحكومة عليه. وقد حاولت اللجنة، خلال مناقشتها للقانون، طرح البدائل الحكومية ودراستها باستثمار الفوائض المالية بإنشاء شركات لتطوير جزيرة بوبيان وأخرى باسم شركة تشييد وتطوير الكويت ومنح أسهم هذه الشركات للمواطنين، إلا أنه، ونظراً لعدم استعجال الحكومة لهذه القوانين، لم تبحثها اللجنة بشكل مستفيض، لوجود أولويات أخرى. ويبقى قانون زيادة الرواتب معروضا على جدول أعمال المجلس ومن المرجح أن يتم النظر فيه خلال دور الانعقاد المقبل.

ولعل أشهر معارك اللجنة التي خاضها المجلس برمته هي تلك الخاصة بقانون إسقاط القروض الاستهلاكية عن المواطنين، إذ واجه الرفض من قبل اللجنة بسبب وجود شبهات دستورية وأمور أخرى اقتصادية ومالية. وقدرت اللجنة تكلفة القانون بـ 7 إلى 10 مليارات دينار. وقد سقط المشروع بعد رفضه من غالبية أعضاء المجلس.

ومن مشاريع كتلة العمل الشعبي التي رفضتها اللجنة، قانون خاص بإنشاء صندوق جابر للأجيال الحاضرة وقانون آخر بإنشاء بنك جابر الإسلامي، على أن يتم توزيع أسهمه على شكل منحة للمواطنين. ولم ينظر المجلس حتى الآن في صندوق جابر، إلا أنه أقر بنك جابر وردته الحكومة مؤخراً. ومن المقرر أن ينظر المجلس في المشروعين في دور الانعقاد المقبل، حيث يحتاج بنك جابر لموافقة ثلثي أعضاء المجلس، حتى يتم توزيع أسهمه على شكل منحة، بينما ترفض الحكومة وعدد من النواب موضوع صندوق جابر للأجيال الحاضرة، الذي واجه أيضاً بعض الاعتراضات من قبل ديوان المحاسبة.

ولم تكن علاقة الشعبي بـ«المالية» علاقة صراع دائمة، خاصة أن له ممثلاً داخل اللجنة وهو النائب مرزوق الحبيني، فقد أقرت اللجنة قانون المستودعات والمنافذ الحدودية بالتوافق مع الشعبي الذي طرح الموضوع، بعد اكتشاف تجاوزات في عقد أبرمته الحكومة مع إحدى الشركات. وقد وافق المجلس على القانون في مداولته الأولى بانتظار إقراره في مداولته الثانية في دور الانعقاد المقبل.

صراع الخصخصة

ويبقى الصراع الأكبر بين «الشعبي» والحكومة متمثلاً بقانون الخصخصة، وقد أخذت اللجنة المالية بصفتها اللجنة المختصة على عاتقها أن تكون جبهة هذا الصراع. ورغم معارضة الشعبي وعدد من النواب للقانون بغية وجود ضمانات أكبر، فقد أقرته اللجنة وأدرجته على جدول أعمال المجلس. وتتلخص وجهة نظر «الشعبي» والنواب الآخرين بضرورة وجود قوانين تسبق قانون الخصخصة وهي قوانين حماية المستهلك وقانون الضريبة الشامل ومنع الاحتكار، وهو ما سعت اللجنة لإنجازه إذ تم إقرار قانون حماية المنافسة (منع الاحتكار) والذي أقره المجلس بدوره، إلا أن المعضلة تبقى في قانون الضريبة الشامل الذي لم يتقدم به أحد، سواء الحكومة أو النواب، مما يبقي القانون معلقاً بنظر «الشعبي». وذكرت مصادر في اللجنة المالية صعوبة إقرار قانون الضريبة الشامل الذي سيمس العديد من المواطنين وسيستغرق إقراره سنوات طويلة، فيما رأت أطراف أن تتم صياغة القانون ليفرض الضريبة على الشركات الكبيرة إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم يتقدم أحد بقانون بهذا الشكل. وقد طلبت اللجنة من الحكومة إبلاغها بالقطاعات المرشحة للخصخصة وكان منها بعض القطاعات البترولية، إضافة إلى بعض الشركات التابعة للهيئة العامة للاستثمار وشركة النقل العام وشركة المشروعات السياحية وقطاعات عدة أخرى.

اعتراضات نيابية

كما واجهت اللجنة اعتراضات نيابية من قبل «الشعبي» ونواب آخرين، كالنائب عادل الصرعاوي، فيما يخص قانون تخفيض قيمة الضريبة على الأجنبي من 55% إلى 15%. ورغم عدم اعتراض النواب – بمن فيهم نواب «الشعبي» - على تخفيض الضريبة، إلا أن الاعتراض يكمن في نقطة واحدة وهي تعريف المستثمر الأجنبي. وكانت الحكومة طبقت هذا القانون على وكلاء الشركات الأجنبية بعد التحرير، وتجاوب بعضهم مع القانون ودفعوا ما عليهم من ضرائب، فيما رفض آخرون الاستجابة، وقد لجأت الحكومة للقضاء بحق المتخلفين عن السداد وصدرت أحكام متفاوتة بعضها حكم بضرورة السداد وبعضها الآخر رأى بعدم وجوب السداد، نظراً لأن التاجر كويتي وليس أجنبيا. ووصلت كل هذه القضايا لمحكمة التمييز التي من المنتظر أن تجمعها لتحكم بحكم واحد عليهم جميعاً نظراً لتضارب الأحكام. ولفك الالتباس، عدلت اللجنة المالية في القانون الجديد نص القانون ليطبق على التاجر الأجنبي ومندوبه الكويتي، ويقصد بذلك التاجر الكويتي الذي يبيع لحساب الأجنبي ويعني بذلك الشركات الأجنبية التي تتحمل مخاطر النقل، فيما يكتفي الكويتي بالتوقيع لحسابه، فيما رأت اللجنة أن التاجر الذي يستغل الاسم التجاري لشركة أجنبية ويعمل وفق العمولة فهو تاجر كويتي لا تنطبق عليه الضريبة. وهذا التعديل هو ما أثار حفيظة النواب الذين رأوا أن في ذلك إعطاء لصك البراءة لمن لم يلتزم بدفع الضريبة للحكومة في وقت سابق، فيما يرى السعدون أن الموضوع يجب أن يؤجل حتى النظر في قانون الضريبة الشامل، أما النائب مسلم البراك فإنه يرى أن القانون يفتح باباً للتلاعب من منطلق أن التجار مهما كان القانون سيتلاعبون للهروب من الضريبة. وقد حاولت الحكومة استعجال القانون، الموجود أصلاً على جدول الأعمال، إلا أنها قوبلت باعتراضات نيابية أرجأت النظر فيه حتى دور الانعقاد المقبل.

هدنة صيفية

ومع بدء «الهدنة» الصيفية، تبقى ساحة المعركة خاوية في هدوء يسبق عاصفة معارك دور الانعقاد المقبل بين «الشعبي» والحكومة، فهل يحصل التوافق وتقر بعض القوانين المعلقة، أم تستمر رحى الصراعات بالدوران؟

back to top