رشاقة طهران

نشر في 23-06-2007
آخر تحديث 23-06-2007 | 00:00
No Image Caption
 نديم قطيش بصمات إيران ملأت العالم في الأيام والأسابيع الماضية. وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط قال إن «التحركات الايرانية شجعت حماس على ما فعلته في غزة، وهذا يمثل تهديدا للامن القومي المصري؛ لأن غزة على مرمى حجَر من مصر».

القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبدربه قال إن «إيران تدعم القوى المعادية للديموقراطية في فلسطين ولبنان والعراق من أجل خدمة أغراضها الإقليمية (...) ونحن نحمّل إيران المسؤولية عن تشجيع حماس على الانقلاب الذي قامت به في غزة»

وكان ممثل حماس في طهران اول من بادر الى بث إشارات الطمأنة للبريطانيين عقب انقلاب حماس بأن مراسل الـ«بي بي سي» سيفرج عنه في «الساعات المقبلة» الممتدة حتى الآن. كأنه يطمئن مَن تتوجب طمأنته الى أن المكابح الإيرانية تعمل بدقة لضبط حدود الانزلاق في القطاع.

فرنسا أوقفت قبل يومين طالباً إيرانياً متهماً بالتجسس لصالح نظام المرشد، في حين تتواصل حلقات الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين الكويت وطهران، على خلفية الاعتداء على أحد الدبلوماسيين الكويتيين.

«حرب تموز» التي اندلعت قبل نحو عام من الآن بين حزب الله وإسرائيل، سرعان ما تم توصيفها على نطاق دولي بأنها حرب إيرانية استباقية على إسرائيل، بدأها الكوماندوس الإيراني المرابط على الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

بين هذا وذاك اعترضت قوات التحالف اسلحة إيرانية في العراق، تبين أنها تصل الى أيدي كل الجهات المتنازعة، وكأن إيران تمد اطراف الحريق العراقي بمؤنة اللهب. كما كشف وزير الدفاع الأميركي ومسؤولون في الخارجية في واشنطن وفي الحكومة الأفغانية في مواقف متوالية على مدى الأسبوعين الماضيين، عن دعم مسلح تقدمه طهران إلى مقاتلي طالبان، التي تقاتل بهدف قلب الواقع السياسي والمؤسساتي الذي تمثله حكومة كارزاي.

كما كشفت السلطات التركية في الأسابيع الماضية عن العثور، بالصدفة، على حاوية ممتلئة بالأسلحة على متن قطار إيراني متجه الى سورية عبر الأراضي التركية انقلب نتيجة استهداف سكته بعبوة ناسفة.

بصمات إيران في كل مكان إذاً. وهي بتعدد الأمكنة واتساع رقعة استهدافاتها تشير الى الرشاقة التي تتمتع بها الجمهورية الإسلامية، وخفة الحركة التي تنبئ بقدرتها على خوض أكثر من حرب على أكثر من مسرح. فإيران تتعامل في النهاية (الى جانب سورية) مع تنظيمات مسلحة تقل تعقيدات حساباتها عن حسابات الدول. هذه التي تجعل حراك خصومها مشوباً بالثقل. لماذا؟

المملكة العربية السعودية لم تنهِ بعد المرحلة الانتقالية التي بدأتها في مايو 2003 حين ضربها الإرهاب في قلبها. يومها عُدّ هذا الأمر «سبتمبر السعودية» نسبةً الى جريمة «نيويورك وواشنطن». واقترن ذلك بالزخم الذي راح يكتسبه ملف طهران النووي على المستوى الدولي. غير أن المملكة لا تزال تتحرك ببطء نحو دور دولة المواجهة الذي يفرض نفسه عليها بعد اعتياد طويل على أدوار الرعاية والوساطة.

أما مصر، فتراها تنوء بحمل «ما بعد مبارك» مما يجعل أكبر دولة عربية «دولة داخل»، تصارع لتأمين انتقال محسوب للسلطة، توريثاً أو لا توريث.

كما أن حلفاء مصر والسعودية، بعد استردادهما لقب محور الاعتدال، فدول بحسابات معقدة، ومؤسسات يحاصرها السلاح غير الشرعي، وشرعيات دستورية تأكل من لحمها شرعيات سماوية يسيجها الموت من كل صوب.

ينطبق هذا أكثر ما ينطبق على سلطة الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، الساعيين في مشاريع متواضعة، وإن كانت بعيدة المنال، لا تتجاوز الحق في تنفس هواء خال من البارود... ومن رشاقة طهران.

back to top