موائد الرحمن تقليد ثابت ومنتشر في ديار المسلمين

نشر في 25-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 25-09-2007 | 00:00

ظاهرة «موائد الرحمن» من أبرز مظاهر الشهر الكريم في معظم الدول الإسلامية. ترتبط وثيقاً بفكرة التكافل الاجتماعي وضمان وجود إفطار لمن لا يجد إفطاراً لفقره أو لأنه عابر سبيل.

تعود فكرة «موائد الرحمن» في مصر إلى فترة الحكم الفاطمي. كانت تسمى وقتذاك «دار الفطرة» وذهب أكثر المؤرخين إلى أن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي هو أول من أقامها ليفطر عليها المصلوّن في جامع عمرو بن العاص ويخالفهم بعض المؤرخين فيرجع بداية هذه الظاهرة إلى الدولة الطولونية وكانت بأمر من مؤسس الدولة الوالي أحمد بن طولون في السنة الرابعة لولايته. في فترة الحكم العثماني أقيمت تحت اسم «الموائد السلطانية» وكانت قليلة العدد.

في النصف الأول من القرن الفائت حملت اسم «الموائد الملكية» ثم اختفت مع ثورة يوليو لتعاود الظهور مرة جديدة في السبعينات من القرن الفائت نفسه لتنتشر في مختلف أحياء القاهرة الشعبية ثم امتدت إلى الأحياء الراقية منها. يتبنى إقامتها كل عام الكثير من المشاهير ورجال الأعمال والميسورين والكثير من الجمعيات الأهلية المدنية والدينية. وصل الأمر إلى أنها لم تعد مقتصرة على نصب السرادقات في الشوارع بل امتدت إلى تأمين الوجبات إلى منازل الفقراء «ديليفري»، غير القادرين على المشاركة في الموائد الرمضانية لظروف مرضية، أو لأفراد شرطة المرور والشرطة الذين لا يستطيعون مغادرة أماكن عملهم، مثلما تفعل جمعية مسجد مصطفى محمود التي تجهز 8000 وجبة وجمعية الرسالة التي تؤمّن 10000 وجبة يومياً توزع على من يحتاج إليها فضلاً عن المائدة الكبيرة التي تجهزها هذه الجمعيات أمام المساجد الكبرى.

نوع مألوف

انتقلت ظاهرة «موائد الرحمن» من مصر إلى معظم الأقطار الإسلامية كما هي الحال في دول الخليج. كانت السعودية أول من أقامت مائدة رمضانية كبيرة أمام الحرم المكي لإطعام الصائمين الوافدين إلى الصلاة في الحرم. وفي قطر راعى بعض أصحاب «موائد الرحمن» وجود جاليات إسلامية غير عربية من بنغلاديش والهند فقّدموا إليهم وجبات النوع المألوف في بلدانهم. «موائد الرحمن» منتشرة أيضاً في الإمارات وتشرف على اعدادها الجمعيات الخيرية. وفي الفيليبين يرصد المؤرخون ظهور الموائد الرمضانية في القرن الرابع عشر إذ كان المسلمون غالبية فيها. ولم تبق أفريقيا بعيدة عن ظاهرة موائد الرحمن إذ تقام في نيجيريا داخل المساجد حيث تقدم «الكونو» وهي وجبة مشهورة من الذرة بالدهن والسكر. وتقام في الصومال قرب المساجد وفي السودان أيضاً موائد الرحمن في العاصمة على نحو أقرب الى ما يقام في مصر.

يثابر الحاج محمد الراوي (تاجر ميسور في حي أرض اللواء في القاهرة) على إقامة «مائدة الرحمن» منذ 17 عاما. يقول إنه ورث هذه العادة المحمودة عن والده الذي ظل يقيمها حتى وفاته. يصفها والسعادة تغمره بأنها «البركة التي جلبت له محبة أهالي المنطقة جميعاً وجعلت الله يبارك لهم أموالهم}. مضيفاً أنهم يشرفون في بيت العائلة على تقديم الوجبة وإعدادها مجهزين ساحة البيت لها قبل الشهر الكريم بأيام قليلة إذ يتفق مع عدد من الطباخين على تجهيز هذه المائدة على أن تشرف عليهم نساء العائلة. الحاج «موسى» صاحب مقهى يحرص على الافادة من المقهى كمائدة الرحمن. يقيم منذ عشر سنين تلك المائدة الى جانب المقهى ليجلس إليها فقراء المنطقة والعاملون الذين لا يسعفهم الوقت للرجوع إلى منازلهم فيفطرون إليها. في معظم المناطق الشعبية تنتشرالموائد الرمضانية سواء تلك التي تقع ضمن نطاق ضيق بين الجيران والورش القريبة أو التى تقيمها العائلات المشهورة التى تمتلك الساحات التى تتيح إقامة المائدة من دون إشغال الطرق والشوارع. لكن معظم هذه الموائد يقام بإمكانات بسيطة، أما في الأحياء الراقية فيقيم الكثير من المشاهير الموائد الراقية تنظيماً وغالبا ما يقوم بإعداد الطعام طباخون من المطاعم الفاخرة.

تطوّع

في التجمعات الطالبية كثيرا ما يقوم الأعضاء الشباب فيها برحلات جماعية للعمل التطوعي في موائد الإفطار. يصف لنا أحمد بكر تجربته مع زملائه بأنها كانت ثرية لهم بكل المقاييس إذ بثت فيهم روح التعاون والتواضع في إعداد المائدة وخدمة الصائمين. يضيف زميله سعد صقر (طالب في جامعة القاهرة) أن الموسم مناسبة لحصاد الحسنات حيث المشاركة في الأنشطة الخيرية لخدمة الصائمين. خارج القاهرة تُعدّ الموائد داخل المساجد وتقام بجهود شخصية فيشارك كل منزل في إعداد الوجبات. في الصعيد وعند حلول وقت الإفطار ثمة عشرات الشباب على الطريق يحملون معهم أصناف الطعام وبكميات وافرة لإطعام المسافرين محافظين على هذا التقليد العربي الموروث لإطعام عابري السبيل.

من الناحية الشرعية يرى معظم الفقهاء أن موائد الرحمن تدخل في نطاق البر والتراحم بين أفراد المجتمع الإسلامي، مشيرين إلى أن الإسلام يقبل العمل الصالح من كل من يؤمن بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله مضيفين أن الإسلام يشجع على أعمال البر وعدم صدّ الناس عنها والتشكيك في نواياهم.

back to top