النصب التذكارية في الكويت بساطة ابتذال ... قرش رصاص وخردة!

نشر في 02-06-2007
آخر تحديث 02-06-2007 | 00:00
النصب التذكارية من المعالم الرئيسة للبلدان، تعبر عن هوية المدينة وروحها، تشكل انطباعا حضاريا، يسجل تاريخها وكينونتها، ورمزية حضورها في وجدان المجتمع، وفي عيون الآخرين.ما نراه في الشارع تمثيل للواقع الكويتي الراهن
لو جُلت في المدن والمحافظات، لاندهشت من النصب التذكارية الموجودة في بعض الميادين والساحات، ليس لجمال هذه الأعمال، بل لبساطتها المفرطة الى حد الرداءة والابتذال، عدا اثنين أو ثلاثة، واذا كان يراد لهذه الأعمال أن تصنف فنيا، فهي تندرج بامتياز تحت فن الخردة!

بالطبع لا يمكن أن يكون «فنانا» حقيقيا نفّذ هذه الأعمال، ولا شك في أنه مجرد «مقاول» رخيص، وبالاقتراب منها، يتبين أنها مكونة من أسمنت وحديد، ومنفّذة بصورة بدائية، وهي لا تحمل توقيعات «المصمم» بل العلامات التجارية وأسماء الهيئات التي تبنتها، من مؤسسات تجارية وشركات، ويبدو واضحا أن الهدف ليس إضافة جمالية وحضارية، انما الدعاية لهذه المؤسسات الخاصة على حساب الذوق العام.

وفي بعض النصب، جرى استخدام صورة الأمير الشيخ صباح الأحمد للإعلان عن مؤسسة تجارية أو هيئة ما، ببناء نصب من الخردة، بلا هوية جمالية أورسالة حضارية، فقط للإعلان أو تسجيل موقف، وزرع صورة الأمير وسط مكان غير لائق، بل إن الجدارية ضائعة وسط المجسمات الحديدية وأعمال البناء والأشجار التي تغطيها، حتى الحديد بدا صدئا والصور مهترئة.

وفي نصب في منطقة السالمية وضع في إحدى الدوائر، كانت تظهر صور بعض الشيوخ من الأسرة الحاكمة، وجرى تصوير دول العالم كأسماك قرش ... تحمي أسرة آل الصباح، وإن رأى البعض أنها قد تكون «أشرعة» لكن الاحتمال يبدو مستبعدا ضمن إطار الصورة، والحال أنه لم يكن هنالك أي انسجام بين المضمون والتكوين، وبدت الفكرة نافرة، ولا تتمتع بصورة جمالية أو تعبر بصورة صحيحة عن الرسالة المراد إيصالها، في إشارة الى تحرير الكويت ... بواسطة «القرش»!

مقاولات

يقول رئيس الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية عبدالرسول سلمان «حتى الآن لا يوجد نصب تذكاري حقيقي في الكويت، كل ما هو موجود أعمال ارتجالية ليس لها علاقة بالنحت، إلا نادرا، جمعية الفنون التشكلية لا علاقة لها بالنصب الموجود حاليا، لم تشارك في اختيارها ولا تعلم عنها شيئا، ولا نعلم من المسؤول عن النصب الذي يظهر بين الحين والآخر، وتجده فجأة موجودا في الساحات والميادين، سبق أن قدمنا كثيرا من الاقتراحات، إلى وزارة الأشغال والبلدية، وللأسف كانت المبالغ التي ترصد لهذه المناسبات ضئيلة جدا، ربما ينظر إليها المسؤولون كأعمال مقاولات»!

يضيف سلمان «كل بلد يود أن يكون له تذكار تاريخي، ليبقى شاهدا حضاريا، لكن هناك مقومات فنية وبيئية للنصب التذكاري، فمن غير المعقول مثلا تنفيذ نصب تذكاري من المواد السهلة و الرديئة، كالبلاستيك والخشب والفايبرغلاس، وسواها من الأشياء التي لا تدوم، تظل لسنوات معدودات ثم سرعان ما تستهلك وتختفي، نحن للأسف من أفقر الدول في هذا المجال، ويمكن التذكير بمدينة جدة السعودية مثلا، فلديها قطع فنية نحتية فخمة تزين الواجهة البحرية، سواء عبر شراء الأعمال الفنية من الخارج أو من التي جرى تنفيذها داخل المدينة، وكل منها عبارة عن نصب مدروس بعناية».

رصاصة

سألنا مدير إدارة المخطط الهيكلي في البلدية المهندس سعد المحيلبي عن رأيه في النصب التذكاري والمجسمات التى يراها في شوارع الكويت، فقال «بصراحة لا تعجبني الأنصاب التذكارية الموجودة، لأن أكثرها غير منجزة بصورة جيدة، وليست لغرض جمالي، ولا توجد متابعة لصيانتها، على هذا الأساس، تبنت الإدارة الفكرة كي تكون هنالك شروط واضحة واجراءات جادة في عملية انشاء هذه الأنصاب، وتلافي الأخطاء السابقة».

لم تكن الأنصاب التذكارية مبتذلة وحسب، والتي صورنا بعضها، بل منها ما يحمل أبعادا سياسية سيئة، كالأنصاب الموجود قبالة دائري الأمم المتحدة قريبا من منطقة الصليبخات، فقد بدا عدائيا واستفزازيا، وكان عبارة عن رصاصة في اتجاه العراق، كتب عليه «أول طلقة تحرير دولة الكويت» وتبدو الفبركة بالكتابة على الرصاصة الكبيرة «في عهد المغفور له الشيج جابر الأحمد الصباح طيب الثرى» في حين أن النصب أقيم بعد تحرير الكويت بفترة لا تتجاوز الشهر، اي أنه كان موجودا في حياة الأمير الراحل، لكن الفقرة أضيفت بعد وفاته، وتدل على سذاجة المشرفين على النصب، والتي تبين أنها شركة تنظيف... ما علاقة النظافة بالرصاص ... وهل هذا فن أم نصبٌ واحتيال؟

ويوافق على هذه الملاحظات المهندس المحيلبي وقال إن البلدية «وجدت بعد متابعة الأنصاب القديمة، أن هناك تقصيرا من الجهات التي أقامت هذه الأنصاب، بعدم صيانتها والاهتمام بها، كما تبين استغلالها تجاريا، كأن توضع لفترة معينة، لغرض إعلامي أكثر منه لأسباب جمالية، وقررنا ضرورة إعادة النظر وتقنين هذه العملية، فأرسلنا خطابا الى المدير العام، لعرضه على المجلس البلدي، بخصوص الشروط والإجراءات المقترحة لإقامة النصب التذكاري في الساحات والميادين العامة في الدولة».

السياسة والتجارة

وأكد أن البلدية ترفض إقامة نصب «له طابع سياسي أو تجاري، ونحرص على أن يكون التركيز على البعدين الجمالي والحضاري»، وشدد على أن إدارته «لا تواجه أي ضغوط للقبول بأي نصب أو جدارية، نحن نعتمد على الدراسة العلمية والجوانب الفنية، ونعمل باستقلالية تامة»، ورحب بفكرة «التنسيق مع الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية أو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وسنبادر بمراسلة هذه الجهات».

يعلق التشكيلي عبدالرسول سلمان بقوله «طقس الكويت حار صيفا وبارد شتاء، فيجب أن نستخدم مواد تصلح لهذه الأجواء، كالبرونز والحديد والرخام، يجب أن نكلف فنانين، على أن نعطيهم الحرية في اختيار الموضوعات التي تعكس حضارة الكويت، وتكون من الأعمال الجمالية المعاصرة، وليست التي تأخذ الشكل الإنساني، لأن الرموز المباشرة لم تعد ذات فاعلية، أقمنا في شهر ديسمبر ورشة فنية، ولدينا الآن اعمال مميزة، ونفكر في توزيعها على المؤسسات الحكومية أو إقامة متحف في الهواء الطلق، لو أقمنا أربع ورش عمل مماثلة، لحصلنا على مجموعة ضخمة من الأعمال النحتية، ذات قيمة مادية ومعنوية وحضارية وانسانية، وليس كما فعلت وزارة الإعلام يوما أمام بوابة الدخول، بوضع دبابة، نريد ابعاد الطلقة ونضع شيئا لتكريس المحبة والسلام، وخصوصا أننا ننادي من أجل السلام».

هوية الكويت

تبدو جميلة ومعاصرة الأنصاب التذكارية القديمة والأصيلة، كأبراج الكويت وأبراج المياه، رغم بنائها قبل أكثر من ثلاثة عقود، وبات شكل الابراج يعكس طابعا ثقافيا للدولة، اذ ترمز الى شكل مرشات المياه المعطرة التي كان يستخدمها الكويتيون في الاعراس والمناسبات الاجتماعية قديما، وكانت فكرة بناء الابراج بهذا الشكل للأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح رحمه الله، عندما احتاجت وزارة الكهرباء والماء في ذلك الوقت الى بناء خزانات مياه ضخمة بديلة من الخزانات الحديدية القديمة، وتم تطوير فكرة بناء الابراج لتتحول من مشروع اقتصادي بحت الى مشروع سياحي وحضاري يمثل احد معالم البلد وهوية يتعرف من خلالها العالم الى دولة الكويت، كما برج أيفل في باريس وتمثال الحرية في نيويورك وبرج بيزا الإيطالي وبالطبع الأهرامات في مصر، وسواها من أيقونات عالمية.

الأنصاب التذكارية هي أكثر من منشآت جمالية، فهي في أعماق جوهرها، تعبير عن ذكريات تجسد لب هوية المدينة التي تنتصب فيها، حيث تضفي عليها شخصية معينة، وطابعا خاصا مثلما تفعل بالفرد أيضا، وشكل النصب وومظهره وحجمه وطريقة صنعه وتاريخ خروجه الى حيز الوجود، والتجارب اوالمحن التي يمر بها القائمون على صنعه، وتحديد موقعه في مدينته، كلها أمور تسهم في بلورة انطباعات الذاكرة، وليس مهما لهذه الأغراض أن تكون تلك الذكريات حلوة أو مرة، لكن المهم هو مدى علاقتها بالمدينة فعلا، واي منها يكتب لها البقاء للتعبير عنها، ومن هنا تنبع قضية المسؤولية، سواء أكانت فردية أم جماعية. *

غير أن الخراب الذي أصاب المدينة، هو جزء مما حل بالكويت، مؤسسات وقيما، وجزءا من التراجع العام على جميع المستويات، وما نراه في الشارع هو تمثيل للواقع الكويتي الراهن، بعد خسارة الكويت موقعها الريادي، وتخلفها بصورة محزنة، لمصلحة الانتهازية واللامسؤولية، وانعدام الروح الإبداعية، سوى عند بعض القطاعات والأفراد، ممن يعملون بصمت في حقولهم الإبداعية، غير أن السلطة لا تلتفت إليهم، ويهمها صورة هنا أو جدارية هناك ... بلا معنى!

النظام الخاص في البلدية لإقامة النصب التذكارية

تمشيا مع التوجه العام لتجميل الساحات والميادين العامة، وتلافيا للسلبيات التي نتجت عن إقامة النصب التذكارية دون مراعاة النواحي الجمالية والصيانة الدورية لها، وللعناصر التجميلية المحيطة بها، قمنا بإعداد النظام الخاص بالشروط والإجراءات المقترحة لإقامة النصب التذكارية بهذه الساحات والميادين العامة وفق التالي:

الشروط والضوابط

أولا- أن تكون ذات شكل جمالي يتناسب مع الشكل العام للمنطقة المحيطة، وأن يكون الهدف منها التجميل وليس الدعاية والإعلان، وأن تخصص بالميادين العامة والساحات، ضمن أراض ملك الدولة، مع مراعاة زوايا الرؤيا لمستخدمي الطرق المحيطة.

ثانيا- أن تخصص هذه المواقع فقط للوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية.

ثالثا- ألا تزيد ارتفاعات الأبنية ومكونات النصب التذكاري عن تسعة أمتار.

رابعا- أن تتعهد الجهة المخصص لها الموقع بالصيانة الدورية للنصب التذكارية، والمحافظة عليها بالشكل اللائق، مع المحافظة والصيانة للزراعة والنواحي التجميلية المحيطة بالنصب.

خامسا- في حال عدم الالتزام بشروط الصيانة الدورية، والمحافظة على النصب التذكاري والنواحي التجميلية بشكل لائق، تتم الإزالة من قبل البلدية، بموجب قرار من المدير العام، وذلك على مسؤولية ونفقة الجهة صاحبة العلاقة.

سادسا- بالنسبة للشركات والمؤسات الحكومية، يتم تقديم كفالة مالية بقيمة 5000 دينار كويتي بعد الموافقة مع تجديدها تباعا، وفي حالة عدم التجديد، يتم إزالة النصب على مسؤولية ونفقة الجهة صاحبة العلاقة.

الإجراءات الخاصة النصب التذكارية

1 - أن تتقدم الجهة التي ترغب في إقامة النصب التذكاري بطلب رسمي للموافقة على اقامته، مع تحديد الموقع المقترح.

2 - توفير جميع المعلومات الفنية اللازمة والمتعلقة بإقامة النصب التذكارية مثل:

 • مواد البناء والألوان المستخدمة في النصب.

• عمق الحفر لقاعدة النصب إن وجدت.

• نوع الزراعات ونوع الإضاءة المقترحة.

3 - تقديم مخطط يوضح موقع النصب التذكارية والساحة المراد تجميلها.

4 - عرض الموقع على الجهات المعنية من خلال لجنة المرافق والخدمات للحصول على موافقتها، بعدم تعارض الموقع مع خطط خدماتها ومشاريعها الحالية والمستقبلية.

5 - ألا يتعارض مع استعمالات الأراضي المقررة ضمن المخطط الهيكلي وخطط التجميل المقترحة للمناطق.

6 - الكشف ميدانيا على الموقع المقترح.

7 - تقديم مخطط هندسي يوضح الشكل والارتفاعات والأبعاد والمساحة المحددة لإقامة النصب (مساقط أفقية وواجهات وقطاعات ومنظور هندسي).

8 - بعد الدراسة من كل النواحي السابق ذكرها، وموافقة الجهات المعنية بالخدمات يتم عرض الموضوع على المجلس البلدي لاتخاذ القرار المناسب، مع إبداء الرأي الفني بشأن الموافقة.

9 - في حال صدور قرار المجلس البلدي بالموافقة، يتم إخطار أصحاب العلاقة ومخاطبة إدارة المساحة لتثبيت وتسليم الموقع.

* النصب التذكارية - الفن، الإبتذال والمسؤولية في العراق- سمير الخليل،

ترجمة نديم الزعبي.

 

back to top