«فوبيا» التفجيرات المتنقلة تسكن اللبنانيين و«الأمن الذاتي» ينتعش من جديد

نشر في 11-06-2007
آخر تحديث 11-06-2007 | 00:00
No Image Caption
 إنه الهاجس الأمني مرة جديدة، يفرض نفسه ضيفاً ثقيلاً، وتطول زيارته. يمقت اللبنانيون حضوره بينهم كثيراً، فتجدهم تارة يعبثون في وجهه، وطوراً يهزأون به. الاحد، 10 يونيو، دخلت المحكمة الدولية حيز التنفيذ، فهل يدخل لبنان معها مرحلة جديدة تنحسر فيها المخاوف الامنية، ام ان حبل التفجيرات والخروقات «التخريبية» على الجرار؟

لا يحب اللبنانيون كثيراً اجراءات «الحيطة والحذر»، ملّوها في السنوات الثلاث الاخيرة، لكثرة ما أجبروا على اتخاذها، منذ محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة في أكتوبر 2004، مروراً بسلسلة جرائم الاغتيال التي طالت نخبة من السياسيين والاعلاميين اللبنانيين، وآخرهم الوزير بيار الجميل في نوفمبر 2006، اضافة الى ما تخلل وأعقب هذه الفترة من انفجارات متنقلة في الاحياء السكنية والاسواق التجارية، وآخرها منذ أيام في المدينة الصناعية في ذوق مصبح (شمال بيروت).

بعد 42 ضحية و426 جريحاً، بات لا مفر من اجراءات الحيطة والحذر، أمام المقرات الرسمية ومنازل الوزراء والنواب، وعلى أبواب الشركات والمؤسسات الكبرى والمصارف والمدارس والجامعات والمجمعات التجارية الكبرى وحتى الابنية السكنية... ولم يعد الدخول الى أي من هذه الاماكن ممكناً قبل الخضوع لاجراءات تفتيش دقيقة جداً للاشخاص والسيارات، فازدهرت اعمال شركات الامن الخاص، على حساب انعدام الامن والاستقرار.

دوريات... وأمن ذاتي

بعد فترة من الهدوء النسبي، عاد الهاجس الامني ليلاحق اللبنانيين مجدداً على أبواب فصل الصيف، وعادت العبوات والمتفجرات تطاردهم في الاماكن التي يرتادونها، وفي أحيائهم الشعبية الآمنة. ومرة جديدة فرضت اجراءات الحيطة والحذر نفسها بالقوة، فلا بد للمتجول في شوارع بيروت من أن يلاحظ ازدياد العوائق الحديدية والحواجز الثابتة والمتنقلة ودوريات قوى الامن طوال ساعات الليل وبشكل متقطع نهاراً.

أكثر من ذلك، تبرز من جديد ظاهرة الامن الذاتي في الاحياء، لا سيما بعد التفجيرات المتنقلة الاخيرة واكتشاف السيارات المفخخة. فيتجمع عدد من الشبان في كل حي مساءً، يراقبون حركة السيارات والافراد حتى ساعات الفجر. كما تعمم الاحزاب والبلديات ملصقات تدعو المواطنين الى التعريف عن سياراتهم، بحيث يصبح لزاماً على كل صاحب سيارة قبل أن يركنها، أن يضع بطاقة تعريف تتضمن اسمه ورقم هاتفه وعنوان سكنه، والا باتت موضع شبهة.

جرعة حذر اضافية

أن تكثر هذه المظاهر ليس بالامر الغريب في ظل حالة عدم الاستقرار التي يعيشها لبنان، سياسياً وأمنياً، ومع ازدياد الانقسام والتباين في وجهات النظر بين المعارضة والموالاة. لكن بالمقابل ما يثير الدهشة والاستغراب ان كل ذلك لا يحول دون متابعة معظم اللبنانيين حياتهم بشكل طبيعي والخروج ليلاً، وإن كان ذلك مع جرعة اضافية من الحذر.

قد يعتبر البعض أن الخروج للسهر مثلاً ضرب من الجنون، وينطوي على الكثير من المخاطر، ويفضلون ان تقتصر «المشاوير» ليلاً على الضرورية منها فحسب، أو في احسن الحالات على زيارة الاصدقاء والاقارب في منازلهم، رغم ان في ذلك خطراًَ، كون التفجيرات لا تميز بين مكان واخر... لكن بالمقابل، لا تبالي شريحة، وبشكل خاص الشباب، بكل الاجراءات الامنية والتفجيرات، وهذه الاخيرة لا تمنعهم من ارتياد المقاهي والمطاعم في الاشرفية والحمرا وفردان وعين المريسة وسواها من الاماكن، بعد الساعات الطويلة التي يقضونها في اماكن عملهم، والتي تشكل لهم المتنفس الوحيد في ظل الازمات المتجددة.

والطريف ان العديدين باتوا ينتظرون حصول الانفجار ليخرجوا من بعده، انطلاقاً من ان تسلسل الانفجارات في السنوات الاخيرة يجعلهم مطمئنين بانه لن يحدث انفجاران متتاليان. وفي جولة اثر انفجار ذوق مصبح في منطقة كسروان منذ أيام، كانت المقاهي في الاشرفية والحمرا وعين المريسة تعج بروادها الذين تابعوا تفاصيل الانفجار والمعلومات والصور التي وردت تباعاً عبر شاشات التلفزة. واللافت للنظر انه بات من النادر ايجاد مقهى من دون شاشات تلفزيونية مثبتة في كل الزوايا، فتجدها تعرض قنوات الموسيقى والفن والموضة في الايام العادية، والقنوات الاخبارية المحلية والعربية في أيام «الطوارئ». والجدير ذكره في هذا السياق، ان ارتياد المقاهي والمطاعم يأتي على حساب ارتياد دور السينما والاماكن المغلقة والنوادي الليلية، بحيث تبدو الاخيرة شبه فارغة، لا سيما ان قسماً كبيراً من روادها هم من فئة المراهقين.

الاستخفاف بالاخطار الامنية يصل الى حد تحوله الى موضوع للتندر بين الاصدقاء، فبعضهم يتوقع أين سيكون الانفجار التالي وفي أي ساعة ويراهنون على ذلك، والبعض الآخر يدعو اصدقاءه إلى حضور الانفجار المسائي من منزله، وهكذا دواليك... وقد يكون التعليق الشائع الذي تسمعه اذا ما كنت تبرر رغبتك في البقاء في المنزل وعدم الخروج بسبب الظروف الامنية «ما من مكان آمن، فالافضل ان نموت مبسوطين».

back to top