ارتباك الخليج

نشر في 03-02-2008
آخر تحديث 03-02-2008 | 00:00
 نديم قطيش

الظاهر الدبلوماسي في الخليج الذي يحاول ملاطفة نظام الملالي بقدر ما يعلن عن تبرمه بالاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط لاسيما حيال إيران والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ينوء تحت وطأة الحاجة الى الانخراط في الآليات التي يمكن من خلالها أن تضبط طهران، وهو ما يتطلب انسجاماً في مكان ما مع سعي واشنطن إلى «احتواء» إيران اقتصادياًواستراتيجياً

زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المنطقة التي استهدفت «إعادة تركيز انتباه» حلفاء واشنطن على «التهديد» الذي تشكله إيران لم تزد الدول الخليجية إلا ارتباكاً. وكان لافتاً أن تعبر صحيفة «سعودي غازيت» السعودية عن هذا الارتباك وإن بلغة تتهم واشنطن بما تعانيه هي وبقية العواصم الخليجية، معتبرة أن خطاب الرئيس الأميركي في أبوظبي يعكس «التفكير المرتبك وراء السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة».

فالإمارات العربية المتحدة التي كانت عاصمتها منصة إطلاق خطاب بوش «المركزي» حول الخطر الإيراني، سارع وزير خارجيتها إلى الإشادة بالعلاقات بين بلاده وإيران. بل إن الوزير الشاب حرص على الإضاءة على شبكة العلاقات الإماراتية الإيرانية في أثناء استقباله السفير الإيراني في أبو ظبي حميد رضا آصفي، معرباً عن تطلعه إلى الاجتماع المقبل للجنة المشتركة بين البلدين.

يتجاوز هذا الأمر منطق السياسة الخارجية الإماراتية الهادئة التي أرساها رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد آل نهيان. فالإمارات العربية المتحدة تشكل شريكاً تجارياً مهماً لإيران، وتستضيف إمارة دبي، الجزء الاكبر من 400 ألف إيراني مقيمين في الإمارات فيما يحصي مجلس الأعمال الإيراني أن الإيرانيين يملكون في الإمارات ما يوازي 300 مليار دولار من الأصول. هذه أرقام قادرة على تمييع المقاربة الإيديولوجية حيال طهران، وزيادة الإرباك الإماراتي تجاه مستقبل التعامل الأميركي مع نظام الملالي.

الكويت، الحليفة الأساسية للولايات المتحدة في الخليج والمحطة الأولى لبوش في جولته، لم تكن أقل ارتباكاً. وزير خارجيتها الشيخ محمد صباح السالم الصباح أكد في طهران أن بلاده «صديقة» لإيران وأن بلاده تعرف من هو صديقها ومن هو عدوها.

من جهتها أعلنت إيران، انسجاماً مع نشاطها المتصاعد في الأطر والمنتديات الخليجية، أنها ستشارك في المؤتمر المقبل حول أمن العراق، الذي تستضيفه الكويت في أبريل.

غير أن الظاهر الدبلوماسي الذي يحاول ملاطفة نظام الملالي بقدر ما يعلن عن تبرمه بالاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط لاسيما حيال إيران والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ينوء تحت وطأة الحاجة الى الانخراط في الآليات التي يمكن أن تضبط طهران، وهو ما يتطلب انسجاماً في مكان ما مع سعي واشنطن إلى «احتوائها» اقتصادياً واستراتيجياً عبر عزلها عن السوق المالية العالمية وعزلها عن محيطها. فالتقارير تشير إلى أن «البنك الأهلي المتحد»، أكبر بنك في البحرين من حيث القيمة السوقية، علق أعماله مع إيران. وهي خطوة تزامنت مع أنباء عن أن بنوك إماراتية أوقفت إصدار خطابات اعتماد للشركات الإيرانية، من دون أن يتضح بالفعل حجم الآثار الاقتصادية للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش قد قال خلال زيارته للبحرين، التي توجد بها أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج، إنه ينبغي على دول الخليج مواجهة نفوذ إيران «قبل فوات الأوان».

هذا الحد الزمني الضاغط قابلته المملكة العربية السعودية بحد آخر. فبالنسبة للرياض لا يفعل انفجار الأوضاع في غزة سوى تعزيز المخاوف السعودية من تبعات السياسة الخارجية الأميركية حيال أزمات المنطقة على الدور القيادي للمملكة. وهو ما عبرت عنه الصحف السعودية قبيل وصول الرئيس الأميركي بدعوته إلى الاستماع إلى رأي المملكة لإعادة صياغة سياسته وتصويب الخاطئ منها «قبل فوات الأوان».

فالسعودية تلمس منذ فترة الهشاشة التي تعانيها سياسة واشنطن في المنطقة، وهي رأت أمام عينيها التنسيق الأمني بين واشنطن وطهران في العراق ما أدى إلى خفض مستويات العنف والهجمات ضد الأميركيين بعبوات وأسلحة لطالما عبرت الحدود الإيرانية إلى العراق. كما تلاحظ القدرة الإيرانية المتنامية على الاستثمار في الأزمات، لاسيما لجهة الاستثمار في نقد السياسات الأميركية وسلوك الأنظمة العربية الموالية لها، وعلى رأسها بالطبع الدول الخليجية.

ولئن كانت دول الخليج لا تحتاج إلى من ينبهها إلى المخاطر التي يشكلها الشره الإيراني لزعامة الخليج، الدائرة الاستراتيجية الأولى بالنسبة لطهران، وتدرك أيضاً تراجع احتمالات التعامل العسكري مع برنامج طهران النووي باتت ترى أن سياسة «الاحتواء الإيجابي» من خلال مد الجسور الخليجية مع طهران أقرب الحلول المتاحة مع الإبقاء على ما تيسر من الانخراط في سياسة «الاحتواء السلبي» الأميركية والهادفة إلى نسف ما تيسر من جسور بين إيران والعالم. هنا يكمن الارتباك الخليجي.

* كاتب لبناني

back to top