اقتصاد غزة يشرف على الموت

نشر في 22-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 22-07-2007 | 00:00
No Image Caption
منذ سيطرت «حماس» على قطاع غزة، أقفلت إسرائيل الحدود، ومع توقف الأعمال يعيش التجار على أمل إعادة فتحها.
تتحدى النباتات الصغيرة القوية في تربة مناطق جنوب غزة المغبرة، فتنتصب في صفوف واضحة أمام زكريا حجازي.

تُعد زراعة هذه النباتات رهاناً كبيراً، إذ تساوي أزهار القرنفل هذه 162 ألف دولار. ويأمل حجازي أن يصدرها إلى أوروبا في الأشهر المقبلة. لكن السياسة يمكن ان تخرّب هذا المحصول وهذه التجارة.

وقال حجازي، بعد ظهر أحد الأيام «يواجه كل المزارعين كوابيس، فإذا استمر إقفال الحدود، فسيعني ذلك موت الناس لا الأزهار فحسب».

منذ سيطرت المنظمة الإسلامية المسلحة، «حماس»، على قطاع غزة في منتصف يونيو، عمدت إسرائيل إلى إقفال المنطقة وإغلاق المعابر، ما حال دون تصدير واستيراد المحاصيل وغيرها من السلع.

نتيجة لذلك، صار اقتصاد غزة، الذي كان في السابق ضعيفاً معتمداً على المساعدات، على شفير الانهيار. فقد أقفلت مئات المصانع أبوابها، كما خسر عشرات الآلاف وظائفهم.

وقال الرئيس بوش الاثنين الماضي ان الولايات المتحدة كانت تقدم مساعدات إلى الفلسطينيين قدرها 190 مليون دولار. لكن هذه الأموال تُرسل إلى حكومة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الضفة الغربية.

وتحاول إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تقويض «حماس» التي يعتبرونها مجموعة إرهابية. لذلك يبذلون قصارى جهدهم لتقسيم الفلسطينيين وعزل غزة.

لكن السكان ورجال الأعمال والمسؤولين في غزة قالوا في مقابلات أُجريت معهم إنهم يعتقدون أن إسرائيل، لا «حماس»، هي المسؤولة عن الأزمة الاقتصادية.

يذكر محمد طالباني، الذي يملك معملاً لتصنيع الكعك في غزة، «لا يلوم الناس حماس، فإسرائيل هي التي أحدثت هذه الأزمة».

اعتاد طالباني أن يصدر كعكاً وبوظة وغيرها من الحلوى بقيمة 750 ألف دولار إلى الضفة الغربية كل شهر. لكنه ما عاد الآن قادراً على تصدير أي سلع. كما أن كميات الكاكاو والسكر وعيدان البوظة التي يستوردها مصنع «العودة» أشرفت على نهايتها.

اضطر طالباني إلى تخفيض الانتاج بنسبة 64% تقريباً وصرف مئات العمال.

في القطاع الصناعي وحده صرف نحو 35 ألف عامل، وقد بلغت الخسائر 20 مليون دولار، حسبما أوضح علي حايك، مدير الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية. وجاءت هذه المشاكل لتضاعف الكوارث الاقتصادية الكبيرة التي كانت تعانيها غزة.

ذكر جون غينغ، مدير وكالة الإغاثة والأعمال التابعة للأمم المتحدة في غزة، أن نحو 1.1 مليون منهم يعيشون من المساعدات الدولية. ومع إقفال الحدود، بدأ ينهار آخر أجزاء الاقتصاد الذي ما زال يعمل، والأزمة الإنسانية التي تلوح في الأفق قد تتخطى موارد الأمم المتحدة في غزة، على حد قوله.

وقال حايك «إذا جاع الناس، فسيلجؤون إلى حماس بحثاً عن الدعم والمساعدة. ولكن إذا أعيد فتح الحدود، فسينهمك الناس في أعمالهم وفي تأمين قوتهم».

على سبيل المثال، عجز حجازي عن تأمين السماد لمشتله عند سفح التلة. لكنه يأمل أن تصمد أزهار القرنفل في هذا الصيف الحار وأن تكون الحدود قد فُتحت بحلول موسم القطاف في الخريف.

لقد أجبر العديد من المزارعين على بيع محاصيلهم لقاء حفنة من النقود. فالخضراوات التي كان يُفترض أن تُباع في أسواق إسرائيل أغرقت قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته الـ363 كيلومتراً مربعاً. وصار الدولار الواحد يشتري نحو 12 كيلوغراماً من البطاطا.

أما مصنعو الملابس الفلسطينيون فقد لا يتمكنون من إيصال ملابسهم الصيفية إلى المتاجر الإسرائيلية قبل انتهاء الموسم. ويُتوقع أن تبلغ خسائرهم خمسة ملايين دولار، وفق أرقام المراقبين والمجموعات التجارية في إسرائيل وغزة.

في تلك الأثناء، شهدت أسعار البضائع المستوردة ارتفاعاً كبيراً جداً. فالاسمنت أوشك أن ينفد، وقد يتوقف العمل في قطاع البناء، مما سيؤخر مشاريع تنفذها الأمم المتحدة قيمتها 93 مليون دولار. وتشمل هذه المشاريع مدارس وتصليحات في مخيمات اللاجئين وشبكات الصرف الصحي، حسبما قال غينغ.

وعلى غرار طالباني، يُرغم مستوردون فلسطينيون كثر على دفع آلاف الدولارات كرسوم تخزين للبضائع المحتجزة في ميناء أشدود الإسرائيلي شمالي غزة وغيرها من المرافئ. فخلال الأسبوعين الأولين بعد إقفال الحدود، اضطر المستوردون الفلسطينيون إلى دفع 1.5 مليون بسبب هذه الرسوم، حسبما أفادت منظمة «غيشا»، وهي مجموعة دعم مقرها إسرائيل تطالب بحرية التنقل للفلسطينيين.

فضلاً عن ذلك، فإن مئات التجار والباعة الفلسطينيين الذين ينتقلون عادةً إلى إسرائيل كل يوم لتخليض أعمالهم علقوا أيضاً في غزة بسبب إقفال الحدود. كما أن آلاف الفلسطينيين احتجزوا في مصر بسبب إغلاق معبر رفح.

عندما أحكمت «حماس» سيطرتها على غزة الشهر الماضي، هرب حراس الحدود الفلسطينيون التابعون حركة «فتح» المعادية لـ«حماس» من مراكزهم. وهكذا صارت المعابر خالية إلا من حراس الحدود الإسرائيليين.

حاول مسؤولو «حماس»، من خلال الوسطاء، حل هذه الأزمة مع الإسرائيليين، حسبما قال علاء عراج، أحد المستشارين الاقتصاديين لإسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني المقال.

أقال عباس، الذي يقع مقره في الضفة الغربية، هنية وحكومته بعد اندلاع القتال في غزة الشهر الماضي. لكن هنية رفض هذا الإجراء وما زال يتولى مهمات رئيس مجلس الوزراء.

قال عراج إن عودة حراس الحدود التابعين لـ«فتح» مرحب بها ما داموا ليسوا فاسدين. لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم يرفضون التفاوض مع مجموعات لا تعترف بدولة إسرائيل وهي في نظرهم إرهابية.

«سيبقى الوضع على حاله ما لم تعد حماس النظر في موقفها»، يقول شلومو درور، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، مشيراً إلى أن الإسرائيليين سمحوا بعبور أطنان من الطعام والأدوية وغيرها من المساعدات. ويتابع: «يستطيع الفلسطينيون في غزة العيش من دون إعادة فتح المعابر. صحيح أن ثمة عقبات والوضع ليس بالجيد، لكن لن ينهار غداً على رؤوس الفلسطينيين. لن تجتاح المجاعة غزة».

لكن غينغ العامل مع الأمم المتحدة يقول إن «الإعاشات، رغم أهميتها، ليست هي الحل». ويوضح «ليس المهم إبقاء الناس على قيد الحياة، المهم هو ما الذي سيفعلونه في حال بقوا أحياء؟».

انسحبت إسرائيل من غزة قبل سنتين وقد عمدت منذ ذلك الحين إلى إغلاق المعابر بشكل متقطع وأحياناً طوال أسابيع. ولكن لم يسبق أن مارست حصاراً مماثلاً على السلع التجارية والمواد.

ويقول شعبان «كلما أُقفلت المعابر، قلنا: «هذا الوضع هو الأكثر سوءاً»، لكن هذا أسوأ الأوضاع قاطبة».

أما أصحاب بساتين الفاكهة فلا يمكنهم بيع منتجاتهم في غزة وهم يخسرون ملايين الدولار كعائدات.

وقال المسؤولون الإسرائيليون أخيرا إن «حماس» منعت دخول الفاكهة الإسرائيلية إلى غزة. لكن مسؤولي «حماس» أنكروا ذلك، ولا يعرف أحد كيف ستدخل الفاكهة من المعابر المقفلة.

ولفت شعبان الى أن الحدود تشكل أكبر مصدر للقلق في المستقبل القريب. لكنه تابع قائلاً إن «السياسيين الفلسطينيين يجب أن يطوّروا الاقتصاد، مركزين اهتمامهم على القطاعات الناجحة، مثل زراعة الأزهار».

ولكن التجارة في مجال عمل حجازي، تتفوق على السياسة. فهو يستورد البذور من إسرائيل، يزرع الأزهار في رفح قرب المستوطنات اليهودية المدمرة، ويراقب الأسعار عبر الانترنت قبل أن يبيع محصوله في بورصة الأزهار الهولندية في أوروبا. وتعود زراعة أزهار القرنفلة على غزة بعشرين مليون دولار سنوياً، كما تؤمن الكثير من الوظائف، ما يمنح الأمل بمستقل أفضل.

نسبة البطالة 50٪

بلغت البطالة نسبة %50، وفق الأرقام الرسمية. لكن البطالة الفعلية تقارب الـ %85 لأن الكثير من العمال يتقاضون أجوراً بالكاد تذكر، حسبما قال عمر شعبان، أحد رجال الاقتصاد البارزين الذين يلومون إسرائيل والسياسيين الفلسطينيين على حد سواء.

واشار شعبان الى ان ثلثي موازنة غزة تؤمنها مساعدات خارجية. وأوضح «لا يمكننا العمل من دون التنسيق مع الاحتلال. يجب أن نكون منطقيين، فنحن مسؤولون عن 1.5 مليون نسمة في غزة».

back to top