عن المحاكم والسجون الإسلامية في بعقوبة

نشر في 27-06-2007 | 00:06
آخر تحديث 27-06-2007 | 00:06
No Image Caption

بعد تحرير أجزاء أساسية من مدينة بعقوبة وجدت القوات الأميركية- العراقية المشتركة أن المقاتلين الموالين للقاعدة أقاموا نظاماً شاملاً ينطلق من تفسير متزمت للإسلام.

منذ أكثر من عام، يجوب مئات المسلحين المقنّعين التابعين للقاعدة هذه المدينة التي أعلنوها عاصمةً لدولتهم الخاصة، فأخرجوا المسلمين الشيعة من منازلهم وتركوا الجثث في الشوارع المليئة بالنفايات.

وأقاموا محكمة دينية وسجوناً ومراكز اسعاف ومخازن للطعام. كما فرضوا تفاسيرهم الإسلامية الأصولية على سكان كان معظمهم غير قادر على الفرار لشدة فقره وعاجز عن المقاومة لشدة خوفه.

في خلال الأسبوع الفائت، دخل الجنود الأميركيون والعراقيون هذه المدينة التي كانت قلب المقاطعة الخاصة بالمقاتلين العرب السنّة، وذلك بهدف بسط سيطرة الحكومة على المناطق المجاورة الثلاث حيث تدب الفوضى. وما وجدوه أثار خوفهم، إذ تبين لهم مدى قدرة المتمردين العرب السنّة على إنشاء دولة منافسة، في الوقت الذي كانت تستعد فيه القوات الأميركية لإخراجهم منها.

أعلنت القوات الأميركية والعراقية أن عدد الذين ألقت القبض عليهم أو جرحتهم أو قتلتهم منذ بدء الهجوم يوم الثلاثاء الفائت بلغ زهاء 150 محارباً. لكنّها اعترفت بأنها لم تجد أيّاً من قادة القاعدة في العراق وأشارت إلى أن ما بين 100 و350 مقاتلاً لاذوا بالفرار قبل الهجوم الذي شارك فيه 10000 جندي أميركي.

غير ان الكولونيل ستيفن تاونسند، قائد الفرقة المؤلّلة الثالثة في الجيش الأميركي، فرقة المشاة الثانية، التي تتواجد قاعدتها في فورت لويس، واشنطن قال إن الهجوم قد حرم المتمردين من معقل رئيسي وساعد في ضمان أمن هذه المدينة التي تضمّ 300000 شخص.

يوم الاثنين، صرّح تاونسند للصحافيين في إحدى قواعد الضواحي الشمالية للمدينة: «لم يعد هناك أي عاصمة للدولة الاسلامية في العراق».

دولة العراق الاسلامية

إن الدولة الاسلامية في العراق هي عبارة عن تحالف غير محكم بين مجموعات من المتمردين، كالقاعدة في العراق التي تعلن ولاءها لأسامة بن لادن. وهي تدعي بسط سلطتها على الأجزاء ذات الاغلبية العربية السنّية في البلاد، واختارت كعاصمة لها هذه المدينة الكبيرة غير الخاضعة لأي قانون والمحاطة بمزارع وبساتين البلح وتقع على بعد نحو 35 ميلاً شمالي شرق بغداد. هذا وقد لاقى أبو مصعب الزرقاوي، قائد القاعدة في العراق، حتفه في غارة جوية شنّتها القوات الأميركية خارج المدينة في يونيو الفائت.

ومن ضمن الأدلة التي أثبتت سيطرة المجموعة على هذه المدينة مركز للاستجواب تُستخدم فيه السكاكين والمناشير، وقد ثقب الرصاص جدرانه الملطّخة بالدماء، وبالقرب من هذا المركز، تم تحويل أحد المنازل إلى سجن يتألف من ست زنزانات ذات أبواب حديدية وقضبان على النوافذ.

قال السكان إنهم كانوا خائفين من أن يلقوا في صندوق سيارة ويقتادوا إلى أحد هذه الأماكن بسبب ارتكابهم مخالفات بسيطة كالتدخين في العلن على سبيل المثال.

رمت إحدى النساء المسنّات المتشحات بالسواد صورة ولدها يوم عرسه في وجه الجنود وناشدتهم باكيةً أن يخبروها إن كانوا يملكون معلومات عن مكانه. وسألهم رجل آخر عن قريبه الذي فُقد منذ ثلاثة أيام.

وكدليل على مصيرهم المشؤوم، تم العثور على خمس جثث في قبر قليل العمق قرب منزل آخر فيه ملابس ملطخة بالدماء. ويخبر الجيران أنّ المتمرّدين أعدموا الضحايا قبل أن يلوذوا بالفرار.

قال السكان إن المجاهدين بدؤوا يفرضون سيطرتهم تدريجياً خلال العام الفائت، فكانوا يتجولون في الشوارع في شاحنات مهددين السكان بأسلحتهم الرشاشة ومستخدمين مكبرات الصوت لإبلاغهم بأنهم باتوا الآن جزءاً من دولة العراق الإسلامية.

علاوةً على ذلك، فقد حظروا التدخين، وأقفلوا صالونات الحلاقة والمقاهي، وألزموا النساء تغطية أنفسهنّ بجلابيب سوداء لا تظهر منهنّ سوى أعينهنّ من خلال ثقب. وأفاد السكان أنه تمت مطاردة العراقيين الذين يعملون لدى الحكومة العراقية أو القوات الأميركية وقتلهم، حتى أصبح القيام بأي رحلة إلى بغداد أمرا مشتبه فيه.

قال السكان إنهم نادراً ما كانوا يتجرؤون على الخروج من منازلهم خوفاً من لفت الأنظار.

من جهة أخرى، قال أحد سائقي السيارات العمومية يرتدي عباءة بيضاء متسخة وواقفاً بجانب سيارته الزرقاء التي لم يستخدمها منذ أسابيع: «نحن مسجونون كالعصافير في قفص»، ولكان هرب منذ وقت طويل لولا إعالته 16 فرداً من عائلته.

تم إجبار عدد من العائلات المسلمة الشيعية على مغادرة منازلها التي كان يستخدمها المتمردون كمخابئ مؤقتة أو يحولونها إلى مؤسساتهم الخاصة.

وقد عثر الجنود الأميركيون على محكمة تحتوي على وثائق زواج، وسجلات لنزاعات مدنية وسجلاً بأسماء الانتحاريين، وكذلك تفاصيل حول متطوعين وعناوينهم.

قال السكان إن المسلحين كانوا يسرقون الأطعمة ويجمعون المؤن الحكومية من الشيعة الذين تم تهجيرهم، كما تم العثور على ثلاثة مخازن تحتوي على أكياس من الأرز، وطحين الذرة، وزيت الطبخ وبطانيات، وعندما حاول الجنود توزيع الغنيمة على السكان، قام هؤلاء بالهجوم عليهم، فدار عراك بالأيدي مما حمل الجنود على إطلاق النار في الهواء لفضه.

وقال أحد المسؤولين إنه تم اكتشاف ثلاث محطات إسعاف كان بداخل إحداها مولد كبير، وجهاز لإعادة إنعاش القلب وأدوات جراحية.

فضلاً عن ذلك، أقام المتمردون نقاط تفتيش ودوريات، وزرعوا القنابل التي تستطيع تفجير أقوى الآليات المدرعة التابعة للقوات الأميركية. وقال جنود أميركيون إنهم عثروا على أكثر من 50 قنبلة مزروعة بجانب الطريق، و21 منزلاً مفخخاً، و45 سخانة للمياه مليئة بالمتفجرات المصنوعة يدوياً. وقال أحد الجنود إنه تم تدمير معظمها بواسطة متفجرات، وصواريخ وقنابل موجهة تستخدم عن بعد. غير أن واحدة منها لم تصب الهدف مما أدى إلى جرح 11 شخصاً يعيشون في المنزل المجاور.

من ناحية أخرى، أفاد السكان أن سبعة مدنيين على الأقل، من بينهم امرأتان، قد لقوا مصرعهم في تفجيرات عنيفة استهدفت المدينة طوال الاسبوع. وقال أحد الجنود الأميركيين إنه تم إيجاد خمس جثث لمدنيين وفتح تحقيق بهذا الأمر لمعرفة سبب وفاتهم.

ومن بين القتلى، كان هناك قناص يشتبه في أنه قام بقتل جندي أميركي واحد على الأقل، وعندما زار الأميركيون منزله، قال والد الرجل المتقدم في السن إنه تبرأ من ابنه كما أقنع ولديه الأصغر سناً بترك التنظيم، أما زوجة الرجل فقالت إنها ناشدت زوجها القيام بالأمر نفسه.

وقالت في رد على أسئلة الجنود وهي تجلس مرتعشة على أرض المطبخ حاملةً طفلاً بين يديها: «قلت له إنه أصبح لديه عائلة الآن. وان القيام بمثل هذه الأمور لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الموت، وهذا ما حصل».

عندما دخل المشاة الأميركيون مقرّات المقاتلين في منطقة خاتون قبل بزوغ الفجر، كانت الأعلام البيضاء ترفرف على السطوح، وقال السكان الذين رحّبوا بالجنود من خلال مصافحتهم بحماس وتقديم المشروبات الغازية لهم، إن المقاتلين قاموا بتحميل الأسلحة في سياراتهم ولاذوا بالفرار قبل أيام.

وأفاد تاونسند ان القوات كانت تقيم حواجز حول المناطق المجاورة التي كانت تشهد اضطرابات في السابق. وقال إنه يتوقع حصول عمليات هجوم مضادة في الأيام والاسابيع المقبلة، وإن أغلبية القوى المتمردة قد تكونت لاذت بالفرار إلى مدن أخرى، بما في ذلك خاليس وسامراء.

وأضاف قائلاً: «إنهم كداء السرطان. إن لم تقم باجتثاثه، سيعود ويظهر من جديد في مكان آخر».

back to top