كنوز الشرق في متاحف الغرب جولة في اللوفر على نفائس حضارة بلاد ما بين النهرين

نشر في 24-06-2007 | 00:00
آخر تحديث 24-06-2007 | 00:00
فكرة إنشاء متحف اللوفر بزغت أربعين عاماً قبل تاريخ تأسيسه في نهاية القرن الثامن عشر خلال الثورة الفرنسية. ولأن ثمة كتيّباً انتقد بشدة تلك المقتنيات الملكية المحفوظة بسريّة، أوصى لافونت دوسان يوني بعرضها في القاعة للقصر الكبرى استجابة لهذه التوصية التي كان لها الصدى لدى عدد من الكتّاب والفلاسفة المشهورين وفي مقدمهم ديديروت في موسوعته (لي لوفر 1765). نال تحقيق الأمر ترحيباً منذ أولى خطوات التنفيذ إثر سقوط الملكية.

أنشئ المتحف المركزي للفنون بمرسوم في السابع والعشرين من تموز/يوليو 1793 وافتتح جزئياً وموقتاً في العاشر من أغسطس من العام نفسه فخصّصت القاعة الكبرى للوحات والدور الأرضي للقاعة الصغرى للمقتنيات الأثرية. أصبح جاهزاً بصورة تدريجية خلال مرحلة الثورة في عهد الامبراطور الأول مع العمل الدؤوب بعد 1802 لدى تعيين فيغانت دينون مديراً تنفيذياً للمتحف فتمّ إغناؤه باستمرار بما أُمّن أو استعيد من آثار بعد الحرب. سمي متحف نابليون عام 1803 ولدى عرض المقتنيات كانت القطع الأثرية الرئيسية الأكثر بهاء. تاريخياً، كان اللوفر عبارة عن قلعة من قلاع القرون الوسطى بنيت عام 1200 خلال حكم فيليب أغسطين في موقع كان يعتبر من أضعف الدفاعات الفرنسية. يطلق عليه اسم «لوبارا» الذي أصبح «لوفر» بالفرنسية. الموقع الدفاعي في الأصل هو الحالي في جزئه الكائن في الجنوب الغربي توقف بناؤه لاحقاً ليوسعه شارل الخامس (1364 ـ 1380) ويجعل منه موقعاً ملكياً لإقامته. رغم أن المنطقة أصبحت ساحة حرب المئة عام إلا أن جاذبية «وادي لور» لفتت انتباه السلطة الحاكمة لمدة قرن ونصف القرن. إثر عودته إلى باريس هدم فرنسيس الأول تلك القلعة المحصنة عام 1527 وقرر عام 1546 استبدال ما تبقّى ببناء من عصر النهضة عهد به إلى المعماري بييرليسكوت الذي أتمه في عهد آخر ملوك فوليوس. بدأ برسم الخطط الخاصة بالقصر الجديد. إستمر العمل واستكمل خلال حكم السطلات على مر القرون تماشياً وروح الكلاسيكية.

في أوائل القرن التاسع عشر فترة حكم نابليون الأول شرع كل من بيرسير وفونتين في بناء الجناح الشمالي متناسقاً مع القاعة الكبرى للعرض. وبعد نصف قرن استدعى نابليون الثالث فيسكونتي وليغيل لبناء الدور المحاذي لقاعة بلاط نابليون من الناحيتين الشمالية والجنوبية لإتمام تصميم محيط ساحة اللوفر.

حضارة العراق

رغم أن مراجع تاريخ الفن تستهل كلامها عن الحضارات القديمة بالحضارة المصرية لكونها أعرق الحضارات القديمة، فإنني انتهجت دليل متحف اللوفر في تصدره حضارات ما بين النهرين (دجلة والفرات). لتأتي بعد ذلك الحضارة المصرية من دون أن أعرف السبب.

بدأت حضارة بلاد بين النهرين بالسومريين وهم من الساميين الذين هاجروا من مناطق مختلفة من آسيا الوسطى (أو بلاد القوقاز أو أرمينيا) إلى سومر حيث استقروا وأنشأوا فيها مدينة ذات طابع حضاري هي الأقدم في المنطقة ثم جاء الكلدانيون فشيدوا لهم مدينة «أور» وأقاموا فيها هياكل ذات أبراج على ربى عالية مرفوعة السقف على أعمدة مكسوة بالنحاس وازدهرت فيها فنون الخزف والنسيج والنحت. عثر في حفريات تلك المدينة على تماثيل مسبوكة لأنواع من الحيوانات.

أعقب ذلك ظهور الحضارة البابلية فكانت من أبرز مدن العالم القديم وكان عهد «حمورابي» أكثر عصورها زهواً، لكنها فقدت مكانتها بموته وقضي عليها بقيام دولة آشور في الشمال وخاصة مع ظهور «سنحريب». ظلت قائمة إلى أن انتهز «نيوبولاسمار» فرصة ضعفها فحرر بابل وبذلك أمكن بعثها من جديد حتى قيام دولة فارس وأفول شمس بابل.

عرف أهل هذه المنطقة بحبهم للحياة ومباهجها والسيطرة وحب السلطة وانحاز فنّهم إلى تمجيد ملوكهم المحاربين الأشداء والافتنان بالقوة وقصص البطولة. كان لانتشار عبادة الآلهة الكثيرة وتمجيد الشمس والقمر أثر في عدم الأخذ بفكرة الخلود وانكارها مما كان له تأثير واضح في فنونهم من تشييد مبان وهياكل ذات أبراج. ساعدت في ذلك وفرة الحجر والخشب والآجر (من الطين) الذي شكل مادة البناء الأساسية في حضارة ما بين النهرين وظهور العقد والقبو والقبة كأشكال معمارية جديدة، كما كانت الحوائط المبنية من الآجر مكسوة بحشوات قاشانية لزخارف وصور مزججة بارزة.

يصف المؤرخ «هيرودوت» أبو التاريخ قصور بابل والربى العالية التي شيدت الحدائق فوقها ولذا سميت بالحدائق المعلقة، مداخلها تحرسها الأسود الضخمة المجنحة ذات الرؤوس البشرية المنحوتة من حجر البازلت.

تعرض إدارة التحف الشرقية في متحف اللوفر بانوراما كاملة من الحضارات القديمة الخاصة بالشرق الأوسط في القاعة الملكية المربعة في الطابق الأرضي للمتحف، باشرت الإدارة عملها منذ 1881 بصورة وثيقة مع الوسائل الخاصة المتطورة للبحث في الحفريات في تلك المناطق ما أتاح فرصة تأسيس المتحف الأشوري الأول في اللوفر عام 1847. أما القسم المعني بتاريخ ميسوبوتاميا فيرجع الفضل فيه إلى جاك دي مورغان عالم الآثار الفرنسي مستكشف موقع تيلو في برج ميسوبوتاميا من عام 1877 إلى 1933 الذي عرّفنا بالحضارة السومرية. هذا القسم المخصص للتاريخ المبكر لميسوبوتاميا المبكر «سومر وأكاد» غني بشكل خاص، وهي فترة جليّة بالآثار المهمة مثل بلاط النسر المشيّد في ذكرى نصر حاسم لأكاد على البربر الوافدين من جبال زاغروز على حدود إيران. تشكيل يصور البطل متسلّقاً غابة جبلية ممسكاً بأعدائه الذين يتساقطون تحت قدميه. أما تمثال جوديا المعروض فيمسك إناء مملوءاً بالسمك والمياه المتدفقة (واجهة الحياة) وهو بمثابة رمز مقدّس. يعتبر العمود الحجري الأسود القاسي، المخروطي الشكل، عملاً فنياً مثالياً ووثيقة تاريخية مهمة تشهد على بهاء مملكة بابل الأولى وهي رمز للملك حمورابي (1792 ـ 1750 قبل الميلاد). اكتشف عام 1901 في سوسا، يبلغ ارتفاعه 2.25 متراً وهو مغطى بمخطوطة مسمارية باللغة الأكادية.

أمّا الآثار التي تشهد للعصر الآشوري فتمثل صورا دراماتيكية، وفيها المجسمات الضخمة والعناصر المزينة للقصور الخاصة بالنمرود وقصورهم الواسعة المرتفعة، وفي قصور سرجون الثاني (721 ـ 705 ق. م) ثمة تماثيل منحوتة له ولثيران مجنحة ذات رؤوس بشرية بارتفاع أربعة أمتار تجسّدت الأرواح الحارسة لمدخل غرفة العرش إلى جانب الأسود المروضة العملاقة، ويدل ما كشف عنه من تماثيل وحشوات على ازدهار فن النحت في تلك المنطقة خاصة في عهد «صارغون» وأيضاً في عهد خلفائه، وان متحف اللوفر يزهو بما لديه من حشوات تمثل نقوشها الفاتح المغامر في غزواته المظفرة. نقوش تحمل آثار الخبرة الفنية الواسعة. وثمة الكثير من مقتنيات السيراميك الملون والآواني المزينة بالحيوانات وأشكال العباد. نجد أيضاً تمثال الإله المبتسم المصنوع من البرونز المطلي بالذهب، وفي فناء المبنى لوح الآجر المزجج الذي يمثل برج الحراس (الخالدين)، ونخبة الجيش العظيم الذي هزم اليونان في الماراثون. يبدو أن سباكة التماثيل والحشوات من المعدن كانت من الوسائل الفنية الشائعة في ذلك الزمان. فهناك تماثيل مختلفة للحيوانات من البرونز كان عثر عليها في الموصل أحياناً. ويرجح البعض أنها كانت تستعمل كوحدات لوزن السلع والبضائع، فعثروا على أسدٍ ذي حلقة في الظهر ليحمل بها. ومن أطلال قصر «خورساباد» حشوات من النحت البارز الملون بالمزججات عليها رسوم لكائنات أسطورية بينها أسود مجنحة وذات رؤوس بشرية وحظي متحف اللوفر بأجمل أنواعها.

back to top