نكسة عرابي 1882 وهزيمة ناصر 67... أسرار كثيرة ومعلومات خطيرة لاتزال مجهولة

نشر في 05-06-2007 | 00:00
آخر تحديث 05-06-2007 | 00:00
No Image Caption
 رغم أن تاريحنا العربي يحمل أكثر من نكسة ونكبة وهزيمة لكننا نتوقف طويلاً كل عام أمام نكسة واحدة تدور حولها كل الأحاديث والكتابات هي نكسة 67، فلماذا وحدها ولم يطوها النسيان كغيرها؟ ولماذا نشعر بمرارتها إلى هذا الحد، هل لأنها مازالت عصية على الفهم وتحمل أسرارها، التي لم تنكشف جوانب كثيرة منها بعد، عبر السطور التالية نعود 125 سنة إلى نكسة عام 1882.

ما حدث لعبد الناصر في 1967 هو نفسه ما حدث لأحمد عرابي في عام 1882، ذلك أن مصر من بين كل دول المنطقة هي دائماً المستهدفة من قبل القوى الكبرى، لموقعها الجغرافي، الذي يحسدها عليه العالم، وحينما قامت الثورة العرابية في مصر بزعامة أحمد عرابي، نجحت في تشكيل وزارة وطنية برئاسة محمود سامي البارودي، وتم تعيين أحمد عرابي وزيراً للحربية والبحرية فيها، وأخذت الوزارة الجديدة على عاتقها مطالب الجيش والشعب، ولقبت بوزارة الشعب، وأصبح عرابي زعيماً شعبياً مرموقاً.

وبينما كانت حكومة الثورة العرابية تعمل جادة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة للبلاد، عزّ على انكلترا وكانت القوة العظمى وقتها أن تنعم مصر بهذا الحكم الوطني النظيف، فأخذت في تدبير المؤامرات للقضاء على عرابي وثورته، وكان أشهر هذه المؤامرات ما عرف باسم (مؤامرة الشراكسة)، التي كانت تهدف إلى اغتيال أحمد عرابي، وتم اكتشاف المؤامرة في أبريل عام 1882، وألقي القبض على المتآمرين، وحكم عليهم المجلس العسكري بالنفي إلى أقاصي السودان، وعندما رفع الحكم إلى الخديوي توفيق رفض التصديق عليه بايعاز من انكلترا وفرنسا، فاشتد الخلاف بين الخديوي وحكومة الثورة، ووجدت انكلترا وفرنسا فرصتهما للتدخل بحجة أن الوضع أصبح خطراً على الرعايا الأجانب.

ورغم ما كان معروفاً عن العداء المتأصل بين القوتين الكبريين في ذلك الوقت، لكنهما اتفقتا ولأول مرة على أحمد عرابي، فأرسلت الدولتان أسطولاً حربياً مشتركاً وصل مياه الإسكندرية في 19 مايو عام 1882، ثم توالت الأحداث بعد ذلك عاصفة، فانسحب الأسطول الفرنسي وترك الأمر لنظيره الإنكليزي، الذي فتح نيران مدفعيته على مدينة الإسكندرية بدءاً من11 يونيو 1882، ثم نزلت قواته على أرض الإسكندرية. فاستمات أهلها في الدفاع عنها، ما أجبر الإنكليز على التقهقر جنوب المدينة عند منطقة كفر الدوار، فقابلهم عرابي بجيشه هناك وهزمهم، وردهم على أعقابهم، فتحركوا من هناك شرقاً إلى بور سعيد، في الوقت الذي عزم فيه أحمد عرابي على ردم قناة السويس، حتي لا تخترقها قطع الأسطول الإنكليزي إلا أن ديليسبس أكد له استحالة أن يدخلوا القناة، لكنه تواطأ معهم ودخلت سفنهم القناة، ونزل جنودهم بعتادهم في مدينة الإسماعيلية يوم 21 أغسطس عام 1882، ثم كانت موقعة التل الكبير، التي تجلت فيها الخيانة بأقبح صورهان، من كبار الضباط ومن أعراب البدو، فهزم أحمد عرابي، وماتت ثورتهن ودخل الإنكليز مصر، وبقوا مستعمرين لها 70 سنة، حتى جاء عبد الناصر وطردهم ودار التاريخ دورة أخرى.

 يونيو جمال عبد الناصر

 قام عبد الناصر بثورته عام 1952، ورغم ما تعرضت له من مؤامرات دبرت باتقان شديد، بدءاً من محاولة اغتياله عام 1954 (حادث المنشية)، ثم عدوان 1965، ثم حادث انفصال الوحدة مع سورية عام 1961، ثم حرب اليمن عام 1963، رغم كل ذلك استمرت الثورة تخترق مسيرتها كل الصعاب، وتنتصر على ما يواجهها من مؤامرات.

ثم جاءت المؤامرة الكبرى في يونيو عام 1976، حين اجتمعت قوى الاستعمار شرقه وغربه... قديمه وحديثه... وجنّد لمصلحته من أصدقائنا ورجالنا ما لم نعرفهم حتى الآن إلى ان انتهى الأمر بما حدث في يونيو 1967.

 حتمية التحقيق

 في حواراته عن الثورة وأحداثها التي خصني بها المرحوم حسين الشافعي عضو مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس الجمهورية الأسبق،التي كان لي شرف نشرها في عدة صحف ثم في كتاب عام 1993، طالب السيد حسين الشافعي بإجراء تحقيق في أحداث يونيو 1967، مؤكداً على أن ما جرى كان مؤامرة كبرى وخيانة عظمى، اتفقت عليها الأطراف واستدرج، وجاز الأمر على السذج.

وبنى معتقده هذا على أساس ما شاهده صباح يوم 5 يونيو 1967 في مطار فايد، حينما كان موجوداً هناك بصحبة الفريق الركن طاهر يحيى رئيس وزراء العراق وقتهان، وقال إنه شاهد وقائع المعركة من مقعد شهيد كتبت له الحياة، وما قاله لي ونشرته - في حياته - عن وقائع هذه اللحظات هو:

كنت شاهداً على وقائع أكبر عملية خيانة، فقد كنت يومها في زيارة لمطار فايد بصحبة وفد عراقي برئاسة الفريق طاهر يحيى رئيس وزراء العراق وقتها، وكان ابنه ملازم طيار في مطار فايد، وكنت في سماء فايد فوق المطار مباشرة، حينما كانت الساعة تشير إلى الثامنة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً، وقبل أن تهبط بنا الطائرة، التي كانت تقلني ومعي الفريق طاهر يحيى، فوجئت بثلاث طائرات حربية ظننت للوهلة الأولى أنها طائرات مصرية جاءت لتحيتنا، فإذا بها طائرات إسرائيلية، ونجحت في أن تضرب الطائرة التي كانت خلفنان واستشهد أغلب طاقم الحراسة الخاص بي، وبمجرد أن هبطت طائراتنا اختبأنا خلف ساتر يحمينا... كانت الطائرات الإسرائيلية تأتي في شكل مجموعات ثلاثية ورباعية تضرب طائراتنا وهي رابضة على أرض المطار من دون أن يتحرك أحد (!!) وكانت طائراتنا متراصة الجناح في الجناح جاهزة، وأفراد طاقمها جاهزون للإقلاع والرد، ولكن لم يتحرك أحد وكانت القذائف الإسرائيلية تنفجر على بعد أجزاء من المتر بجواري، وغيرت موقعي أكثر من مرة، وتمكنت ومعي طاهر يحيى من رؤية كل شيء منذ بدء العدوان، وأشد ما أذهلني أن رأيت جندياً مصرياً رفع مدفعه الرشاش وهمّ باطلاق رصاصه على الطائرات الإسرائيلية، التي كانت تحلق على ارتفاع أمتار من الأرض، فإذا بضابط برتبة رائد ينهر هذا الجندي ويمنعه من إطلاق رصاص مدفعه الصغير قائلاً له: احنا معندناش اوامر بالضرب.

ويضيف الشافعي هنا – بكل تأكيد وتركيز قائلاً: والغريب أن أنور السادات هو الذي حدد لنا موعد الزيارة بالدقيقة.

ولما سألته: لماذا لم يحقق عبد الناصر في وقائع الخيانة التي تؤكدها قال: عبد الناصر ركّز على إزالة اثار العدوان أولا، وقال لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فكان همه الأول هو إزالة اثار العدوان.

 وقائع مطلوب التحقيق فيها

 في قراءة متأينة لوقائع وملابسات يونيو 1967، بما سبقها من مقدمات نجد ملابسات ووقائع - المطلوب التحقيق فيها - تتلخص فيما يأتي:

أولاً: قام المشير عامر قبل المعركة بثلاثة أشهر بتخفيض حجم القوات المسلحة بنسبة الثلثن بدعوى توفير المرتبات (!!) رغم أن البلد كانت في حالة حرب واستنفار عسكري غير عادي، كما ألغى معظم المشروعات التدريبية والمناورات العسكرية، التي كان من المفترض القيام بها بدعوى توفير الوقود والمحافظة على المعدات (!!) و كذلك قصر التدريب على العمليات الدفاعية المحدودة، ووصل الأمر إلى أن القوات البرية لم تتدرب إطلاقاً على أي واجبات أو مهام قتالية هجومية, ولم يجهز مسرح سيناء التجهيز العسكري المطلوب، كما رفض عامر جميع طلبات القوات الجوية الخاصة بإنشاء مطارات جديدة أو إنشاء ملاجئ ودشم للطائرات لوقايتها من الهجمات الجوية، كما تم تخفيض ساعات التدريب للطيارين، ما أعاق وصولهم إلى الكفاءة القتالية المطلوبة، وتم ذلك كله تحت دعوى تخفيض النفقات، في الوقت الذي علمت فيه كل الأوساط العسكرية في العالم أن إسرائيل حصلت على صفقة سلاح من ألمانيا الغربية زادت على 500 مليون دولار، وأنها حصلت من أميركا على صفقات ضخمة من أحدث الأسلحة، من دبابات وطائرات وصواريخ ومركبات وغيرها.

ثانياً: قام المشير ظهر يوم 14 مايو 1967، برفع درجة الاستعداد الكامل للقتال، وذلك إثر معلومات وصلت إلى المسؤولين عن حشود عسكرية إسرائيلية على الحدود السورية، وهكذا عبرت القوات المتمركزة غرب قناة السويس إلى سيناء لاتخاذ أوضاعها، أما التشكيلات العسكرية التي كانت تابعة للمنطقة المركزية فقد اتبعت نظاماً غريباً عجيباً، يخالف كل النظم المألوفة في التشكيلات العسكرية، فبدلاً من إجراء هذه التحركات تحت ستار من السرية وفي الظلام - خصوصا إذا كانت متجهة إلى جبهة القتال - فإنها جرت بشكل علني وفي وضح النهار، في أهم شوارع العاصمة، حيث سارت حشود من الدبابات والمدرعات والمدافع وعربات نقل الجنود، أمام كاميرات الصحف والتلفزيون (!!) بل وبدأت الصحف- بايعاز من عامر- تدق طبول الحربن في وقت كان معلوماً فيه لأي صبي بأن مصر غير جاهزة لخوض معركة، فالجيش كان نصفه في اليمن، وما بقي تم تسريح ثلثهن والوضع الاقتصادي وقتها لم يكن يسمح بحرب، لأن مصر في ذلك الحين كانت تخوض معركة التنمية والاكتفاء الذاتي، ومع ذلك دقّ عامر طبول الحرب، وبكل قوة.

ثالثاً: كلف المشير الفريق محمد فوزي رئيس الأركان في يوم 16 مايو 1967 بإرسال خطاب إلى الجنرال الهندي «ديكي» قائد قوة الطوارئ الدولية، الذي كان مقر قيادته في مدينة غزة، يطلب منه سحب قوات الطوارئ الدولية، التي كانت ترابط على الحدود المصرية الفلسطينية، ووصل الأمر إلى المستوى الدبلوماسي، فكلّف عامر السيد محمود رياض وزير الخارجية وقتها بمخاطبة « يوثانت» السكرتير العام للأمم المتحدة وقتها ويخبره بأن مصر ترغب في إنهاء وجود القوات الدولية على أراضيها، ووافق «يوثانت» على طلب مصر فوراً، رغم يقينه بأن ذلك سيفجر أزمة بين مصر وإسرائيل، بل أنه لم يستشر مجلس الأمن في ذلك، وانفرد بهذا القرار الخطير الذي كان يعني إعلان الحرب بين مصر وإسرائيل.

رابعاً: كانت هناك خطة هجومية اسمها الكودي (فجر) معدة للهجوم على منطقة النقب الإسرائيلية وميناء إيلات لعزل جنوب إسرائيل وتدمير مفاعلها النووي ديمونة، وكان مجهزاً لتنفيذ هذه الخطة فرقة مشاة، ولواء مدفعية مستقل، ولواء مدفعية ميدان، ولواء مدرع، وكتيبة هاون، وكتيبة مضادة للطائرات، وكتيبة مضادة للدبابات، وسَرية مهندسين، وسرب من قاذفات اللهب، وسَرية كيميائية، وقوات جوية مساندة تقدر بقوة 9 طلعات سرب مقاتل قاذف، وطلعة سرب قاذف خفيف، وكان مقرراً للعملية ثلاثة أيام، كما تضمنت الخطة دوراً للبحرية، التي كان يفترض أن تقوم بقصف ساحل إيلات بلنشات الصواريخ، وتدمير مدفعية العدو الساحلية، وقصف مستودعات الوقود، ومنشآت الميناء، وكان مقرراً تنفيذ هذه الخطة يوم 27 مايو 1967، لكن عبدالحكيم عامر أكد لعبدالناصر أن الخطة قد تسربت لإسرائيل، وبالتالي أصدر عبدالناصر أمراً بإلغائها.

خامساً: في يوم المعركة (5 يونيو 1967) كان هناك 23 قيادة من أكبر قيادات الجيش مجتمعين على أرض مطار «بئر ثمادا» في سيناء ليكونوا في شرف استقبال المشير الذي هبط عليهم في الثامنة صباحاً، ووراءه طائرة الحرس الخاص به، والطائرة التي تحمل له الأطعمة الساخنة والحلوى والفواكه والمشروبات والمثلجات الطازجة(!!).

سادساً: في مقال له نشر بمجلة «الحرس الوطني» السعودية (العدد الثلاثون مايو 1985) قال الفريق مدكور أبو العز قائد سلاح الطيران وقتها، وبالحرف: استشهد الطيارون وهم مربوطون في مقاعدهم بالطائرات، انتظاراً لتلقي الأوامر بالإقلاع للتصدي لأي طائرة معادية، أو لتنفيذ مهام أخرى.

سابعاً: ما أشارت إليه أغلب المصادر عن الإشارة التي أرسلها الفريق عبدالمنعم رياض من الأردن لإخبار القيادة المصرية بأن هناك تحركات إسرائيلية على الجبهة ليلة المعركة، فهذه الإشارة كان المفروض أن تصل ليلة 4 يونيو، لكنها لم تصل إلى مصر من أصله، وقطع الطريق عليها في الأردن، فمن الذى أخفاها؟؟!!.

ما سبق عرضه هو وقائع تاريخية ثابتة، لم يتمخض عنها خيال مبدع، وإن كانت لشدة غرابتها يظن بها أنها خيال قصاص، لكنها أحداث ووقائع ثابتة بشكل يقيني قطعي الثبوت، ونطق بها لسان كل من عاصروا هذه الوقائع وعاشوا هذه الأحداث عن قرب، ونحن نطرحها ونطالب وللمرة المليون بتحقيق فيها، وفي غيرها مما خفى عليها، وهو أعظم، وبالتالي فمن حق هذه الأجيال أن تقف على حقائق ما تم، لأن الأمر هنا مرتبط بتاريخ وطن.

 

 

back to top