ريـا وسكينة القاتلتان الأكثر شهرة ضحاياهما من النساء المزيّنات بالجواهر يُستدرجن ويُقتلن في احتفالية موت

نشر في 14-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 14-09-2007 | 00:00

الجريمة خلقها البشر. وجدت مذ خلق الله آدم أبو البشر جميعا. هي سلوك عدواني يلحق ضررا بالفرد والمجتمع. لم تنجح أي وسيلة في أي زمان أو مكان لمنع وقوع الجرائم. إنها جزء لا يتجزأ من السلوك الإنساني وأحد مكونات الحياة في أي مجتمع، أياً تكن ثقافته أو مستواه الحضاري.

رغم التقدم التقني الذي شهده العالم في مجال اكتشاف الجرائم ومكافحتها فإن المجرمين يقومون في خط مواز بتطوير أساليب جرائمهم في محاولة لتضليل السلطات عن مطاردتهم وإنزال العقاب بهم.

بخلاف ما يسمى «المجرم بالصدفة» الذى يرتكب نوعا من الجرائم من دون إعداد أو تخطيط مسبق، ثمة المجرمون العتاة الذين يتميزون بتركيبة إجرامية ذات سمات خاصة وتفشل كل الطرق فى إصلاحهم وتهذيبهم كما تفشل كل أنواع العقاب، مهما بلغت قسوتها، في ردعهم.

عالم الجريمة مثير لما ينطوي عليه من رعب وتشويق. وإن كان عالماً صغيراً، إلا أنه يعكس الحياة البشرية بأكملها إذ يمثل حالة الصراع الدائم بين الخير والشر، بين العدل والظلم، بين القوة والضعف، بين الفضيلة والرزيلة.

نقدم هذا العالم الغريب في حلقات متتالية، من مصر بلد التاريخ والحضارات المختلفة، بلد الجوامع والكنائس، بلد الهرم والنيل، لكن أيضا بلد «الخط» وريا وسكينة والتوربيني.

يروح الزمان ويجيء، تتعدد الجرائم والمجرمون، لكن تبقى سيرة ريا وسكينة في ذاكرة كل مصري أثراً لا يزول، تتناقل سيرتهما الأجيال وتداعب خيال الكتاب والقصاصين. لا تزال هذه السيرة تمثل حالة فريدة لم تشهد مصر لها مثيلا ولم تشهد مثلها من قبل. إنهما الشقيقتان المجرمتان ريا وسكينة .

بداية المأساة كانت في 21 مارس 1921 حين تقدم عامل حفر ببلاغ إلى مأمور قسم اللبان في الاسكندرية يذكر فيه أنه بينما كان يقوم بعمل حفرة عثر على رأس كائن آدمي فانتقل مأمور القسم إلى موقع الحفر وطلب زيادة مساحة الحفر فاكتشفوا وجود 11 جثة في المكان نفسه.

كانت تعددت البلاغات عن اختفاء السيدات، خاصة لدى قسم اللبان، وسادت حالة من الرعب في الاسكندرية ولازمت غالبية سكان المدينة الجميلة البيوت خوفا من الاختطاف وانتشرت شائعات غريبة فى محاولة لتفسير ظاهرة الاختفاء المفاجىء لعشرات السيدات يومياً، وفسَّر البعض الظاهرة بأن للجان دوراً فيها وأن هناك مخلوقات خفية تسحبهم تحت الأرض. فشلت أجهزة الداخلية التي كانت تخضع آنذاك لإشراف بريطاني في تفسير تلك الظاهرة الغريبة والمريبة وغير المسبوقة في مصر أو في أي من دول المنطقة بأسرها .

حين تم انتشال الجثث الإحدى عشرة كان ذلك بداية الخيط نحو كشف الحقيقة، إذ سئل عن ساكن المنزل الذي وجدت الجثث أسفله فاتضح لرجال الشرطة أنه كان مسكنا للشقيقتين ريا وسكينة اللتين كانتا تقيمان فيه قبل زواجهما وبعده. واتضح لأجهزة البحث ايضا أن ريا وسكينة لا تقيمان إلا في الطبقة الأرضية ولا تمكثان في مسكن واحد أكثر من سنة. تمّ على الفور تتبع الأماكن التي أقاما فيها بدءا من حارة النجار الى حارة مالطة الى حي باب سدرة الى سوق الجمعة فدائرة اللبان، قبل انفصالهما، إذ اقامت سكينة في شارع فاكوريس وريا في شارع محمد علي الكبير.

أمر مأمور قسم اللبان، الذي كان مركزاً رئيسياً لتلقي البلاغات عن حالات الاختفاء، بأن تحفر أرضية كل تلك المنازل من غرف النوم إلى المطبخ إلى الحمام وكانت الصدمة المروعة أنه لم يخل أيٌّ منزل من هذه المنازل من جثتين على الأقل، حتى بلغ عدد الجثث التي عثر عليها 43 جثة تم ترقيمها وخلع ماعليها من بقايا ملابس لعرضها على أهالي المختفين للتعرف الى ذويهم فاحتشد المئات أمام القسم لفحص الملابس وهم في حالة من الخوف والهلع أن تكون تلك الملابس لأعزائهن المفقودات. من تلك الملابس تم التعرف الى جثة فردوس ابنة نعيمة وفاطمة زوجة محمد النجار ونبوية زوجة حسن العدوي وخضرة أم سفيان الطرابيشي والشقيقتين عزيزة وزنوبة أحمد، أما باقي الجثث فلم يتعرف اليها أحد إذ كان بعضها متحللاً ويصعب التعرف اليها.

انتقل نائب عموم مصر من القاهرة إلى الاسكندرية على رأس وفد ضم رئيس نيابة الاستئناف وعدد من رؤساء ووكلاء النيابة في القاهرة لينضموا إلى زملائهم من نيابة الاسكندرية، كما انتقل المستر سيدني سميث الطبيب الشرعي الانكليزي ومعه الدكتور عبدالحميد عمار لتشريح الجثث ومعرفة الطريقة التي قتل بها اولئك الضحايا. واتضح من خلال تشريح الجثث أن الضحايا قتلوا عن طريق كتم الأنفاس وأن كل جريمة قتل ارتكبت كانت تستغرق ما لا يقل عن ربع ساعة تقاسي فيها المرأة المقتولة أشد أنواع الآلام وأقصى العذاب، كما ثبت أن القتيلات كن يقاومن ويقاسين عذاباً مريراً .

إعترافات المتهمين

بدأت التحقيقات مع ريا وسكينة وزوجيهما بتهمة قتل أصحاب الجثث التي عثر عليها، لكنهم أنكروا كل شيء ولم يعترف أيٌّ منهم بكلمة واحدة فاتجه المحققون لسؤال بديعة ابنة ريا وكانت طفلة في العاشرة وضعتها النيابة في الملجأ العباسى بعد القبض على ذويها. استجوبت بديعة بأكثر من مائة سؤال ولم يكن في إجاباتها شيء مفيد فكل ماتعرفه أن أمها وأباها وكذا خالتها وزوج خالتها يأتون إلى المنزل بنساء لا تعرفهن ثم يسهرون حتى الفجر ويدخنون الحشيش وكانت تتركهم وتذهب لتنام ثم تستيقظ أحياناً على صوت حركات عنف أو صراخ وتعود لتنام ولما سألت أمها عن ذلك قالت لها أن ما يحدث لها كوابيس مزعجة .

إتخذت تحقيقات النيابة مسلكاً آخر فطلبت الى مشايخ الصاغة استحضار جميع دفاتر مشترى المصوغات من التجار الصغار في الاسكندرية وجمعت تلك الدفاتر التي وصل عددها الى أربعة آلاف دفتر نقلت في أجولة كبيرة وعكف على فحصها أربعة من الكتبة الحكوميين. اتضح من الفحص أن الصايغ محمد محمد حسين هو الذي كان يشتري المصوغات من ريا وسكينة أو من زوجيهما فقبض عليه، واتضح أنه كان يشتريها بثمن بخس للغاية. وبدأت اعترافات الأسرة تتوالى وكان كل فرد يلقي بالتهمة على الآخر. وقبض على شركائهم عرابي وحسان وعبد الرازق يوسف وكانوا من الفتوات ذوي القدرات البدنية ولهم دور في قتل الضحايا ودفن جثثهم وانتزاع المصوغات من الجثث.

اعترف محمد عبدالعال زوج ريا بأن ريا وشقيقتها سكينة هما صاحبتا فكرة خطف النسوة ثم قتلهن وأنهما كانتا تتوليان منفردتين خنق الضحية وقتلها. وأقرّ بأنه صاحب قلب ضعيف وغير قادر على ذلك، وأغمي عليه ذات مرة حين رأى أمام عينيه ريا وسكينة تكتمان أنفاس إحدى الضحايا.

أما سكينة فباحت في اعترافاتها بأنها لم تقصد قتل الضحايا وأن قصدها وشقيقتها كان في بادئ الأمر السرقة فحسب، وأن عرابي وحسان أحضرا لهما ذات يوم امرأة في يدها مصاغ كثير فأجلسوها وأخذوا يدخنون الحشيش حتى ظنوا أنها «انسطلت» فحاولوا نزع مصاغها لكنها قاومتهم بشكل غريب فكتمت ريا أنفاس المرأة كي لا تصرخ وزادت في الكتم حتى ماتت المرأة فدفنوها تحت أرضية المنزل. بعد ذلك بات القتل أمراً سهلاً عندهم، ثم أفاقت سكينة من غفلتها وأحست بأنها قالت ما لايجب أن يقال، فصرخت قائلة: «أنا بريئة يايبه»، فقال لها المحقق: «طبعا أنت بريئة، لكن كم عدد النساء اللاتي قتلن بالطريقة نفسها؟» فقالت: «ثلاثون. إنهن بين الثلاثين والأربعين».

اصطياد الضحايا

إهتمت التحقيقات مع ريا وسكينة بطريقة اصطياد الضحية وكشفت عن طرائق مبتكرة للإيقاع بالضحية في براثنها فكانت ريا تخرج مع شقيقتها إلى سوق الخيط المليئة بتجار القماش والخردواتية. وفي زاوية من زوايا السوق وأحيانا القهوة في وسطها، يتم تحديد الضحية بناء على مواصفات خاصة. كانتا تنظران بدقة وتمعن إلى السيدة التي تظهر أكثر مما تخفي سواء من وجهها أو من جسمها، أو تلك التي لها طريقتها الخاصة في المشية والدلع والدلال. الأهم كانت المجوهرات التي تضعها السيدة. كانتا تتبعان وسائل كثيرة للاحتيال على الضحية واصطيادها فإذا كانت المرأة تميل الى الرجال تدير ريا مع شقيقتها حواراً مسموعاً بجوار الضحية عن ذلك العمدة الثري أو ذلك الشاب الغني الذي باع محصول القطن ـ أو باع أي شيء من أطيانه، ويحمل أكثر من ألفي جنيه في جيبه ويودّ تمضية سهرة بريئة فيها ماء وحظ ووجه حسن. وعندئذٍ تقول ريا لسكينة : «والله فكرة»، فتسألها سكينة : «هي إيه؟» فتقول ريا: «ماتيجي نعزم الحلوة دي معانا ياسكينة ، دي ها تنبسط أوي وحتقضي ليلة حلوة وتاخد هدية كمان». ثم تشركان الضحية في الحوار. تسألهما الضحية : «هي السهرة دي سهرة كدا مجرد سهرة بريئة؟ فتجيب إحداهما : «ساعة ولاّ ساعتين واحنا قاعدين معاكي واللي يبصّ لك بعين نبصّ له بألف عين». وتتابع الأخرى الحديث : «ومش هيكون نصيبك منها أقل من ثلاثين جنيه. تشتري بيهم كام غويشة دهب» (كان ثمن الغويشة الذهب وقتذاك بضعة جنيهات قليلة) وإذا سألت الفتاة زيادة في التدقيق أو الممانعة: «بس أنا هعمل إيه ؟» تجيب إحداهما: «تعملي إيه؟» «ولا حاجة يا أختي. نتسلى ساعة ولاّ ساعتين وبعدين تروحي بيتك في أمان الله. ومين عارف يمكن تعجبي العمدة يخطبك ويتجوزك. وساعتها بقى ما تنسيش الحلاوة». وتذهب الحلوة معهما إلى البيت لكنها لا تخرج منه أبدا.

قد يحدث ألا تجد ريا وسكينة في طول السوق وعرضه واحدة من اللاتى يطمعن في نقود أو ذهب أو حتى زواج برجل ميسور فتتبعان طرائق مبتكرة. الأهمّ أن ينمّ مظهر الضحية عن ثراء ، حتى لو كانت بريئة المظهر ولا استعداد لديها لأي درجة من الانحراف. تنتظران حتى تجدا هدفهما، أي امرأة يوحي مظهرها بالغنى ومهتمة بشراء قماش معين فتقصدها ريا وتؤكد لها أن البضاعة التي تشتريها مغشوشة وأن زوج شقيقتها يعمل في الخارج وأرسل لها قماشاً من النوع الفاخر بنصف ثمن القماش الذي تشتريه إذ لم يدفع له جمارك، ثم تعطيها العنوان أو تصطحبها إلى البيت. إذا كانت تضع ما يكفي من المجوهرات والثياب الجميلة، تلقى مصيرها المحتوم.

كانت للشقيقتين وسائل كثيرة يتفتق عنها ذهنهما إزاء كل حالة. رُوي أنهما استطاعتا اصطحاب فتاة جميلة روت لدى أحد الباعة أن زوجها طلقها من دون سبب ويعاشر امرأة أخرى وينوي الزواج منها فأكدت لها ريا أنها تستطيع أن تعيد إليها زوجها بواسطة أحد الروحانيين الذي أعاد لها زوجها عن طريق السحر والأحجبة. هكذا تختلف طرائق الاحتيال كل مرة، لكن النتيجة واحدة فالضحية تذهب بقدميها إلى بيت ريا وسكينة ولا تخرج منه أبدا.

عبدالعال وحسب الله

تورّط عبد العال زوج سكينة وحسب الله زوج ريا في جرائم القتل فاتجها لاصطياد ضحايا بشكل مستقل. وإذا كانت ريا وسكينة تصطادان ضحاياهما من سوق الخيط فإن عبدالعال وحسب الله كانا يبتعدان قليلا عن تلك المنطقة كي لا يتعرف اليهما أحد ولم يكن لهما عمل سوى مساعدة زوجتيهما في قتل الضحايا وتقاسم الحصيلة. أثبتت التحقيقات أن عبدالعال وحسب الله أوقعا ببعض الضحايا واعترفت سكينة بأن حسب الله استدرج الى البيت صبية تدعى زنوبة التقاها في المقهى ورآها تحمل في يدها ما لا يقل عن مائتي جنيه من الحلي وتحمل عدة قطع من القماش وتبدو على وجهها أمارات الحيرة ولا تعرف كيف تتحرك بل تمعن النظر في المنازل. كان الشارع شبه خالٍ، فاقتربت من حسب الله على استحياء وسألته: «مش هنا نمرة 19؟» فرد حسب الله: «مش عارف، بس حضرتك عايزة مين؟» فقالت: «أصلهم دلوني على ترزي في نمرة 19 وعايزة أعمل فساتين عنده». فالتقط حسب الله الخيط وقال لها: «أعرف واحدة خياطة وكويسة وبنت ناس وتعملك أحسن فساتين في العالم»، فسألته : «وهي فين دي؟» فقال: «أبدا في الشارع اللي جنبينا وهي مراتي وحتعملك أرخص من الترزي» اصطحبها حسب الله بمصاغها وقماشها الى البيت المقبرة فدخلت ولم تخرج.

أما عبد العال فكانت له جولاته الخاصة أيضا. ذات يوم كان يزور بيت عمه فشاهد امرأة ريفية تدخل عليهم واضعة ما يساوي وزنها ذهبا وكانت في رجليها خلاخيل يزيد ثمن الخلخال الواحد عن ثلاثين جنيها. فتحت سيرة هذه المرأة في منزل مضيفيه وأخبروه بأنها سيدة غنية تملك مئات الأفدنة التي ورثتها عن زوجها وأنها على استعداد لأن تبيعها كلها وتعطيها لمن يشفي ابنها المصاب بالشلل وما زال طفلاً وحيداً وليس لها في الدنيا سواه. بيّت عبد العال النية لها ثم استأذن في المغادرة ووقف خارجاً يترصد تلك السيدة حتى نزلت فاتجه نحوها وهو يقول : «جئت لأحدثك في أمر مهم يتعلق بابنك المريض...» كان لوقع تلك الكلمة ما يشبه فعل السحر ففتحت له الأبواب المغلقة وسألته في لهفة عن التفاصيل فقال لها: «في الاسكندرية، منطقة اللبان، ثمة شيخة متخصصة في الطب العربي ومتصلة بالأسياد وشفت أكثر من مشلول ولها كرامات كثيرة»، فقالت السيدة ونفسها يكاد ينقطع : «المهم هي بتاخد كام؟» فرد عبدالعال: «اللي تجيبيه، كله عالبركة، أهم حاجة تجيبي معاكي ديك كبير عشان تعشي به الأسياد». أعطاها العنوان وذهبت السيدة ذات الثراء الفاحش الى البيت الملعون تاركة ابنها المشلول وحيداً ولم تخرج منه إلا جثة من 43 جثة مستخرجة.

كشفت التحقيقات أيضا أن ريا وسكينة لم تكونا تعملان بمعاونة زوجيهما فحسب بل كان استمرار أعمال الخطف والقتل يتم عن طريق عصابة منظمة بالفعل تضم عرابي وحسان وعبد الرازق يوسف، لكن هؤلاء رغم شهرتهم كفتوات في الاسكندرية وقدرتهم على البطش، لم يثبت أنهم استدرجوا أي ضحية لقد كان دورهم منحصراً فى إحضار الكحول وتجهيز الجوزة (النارجيلة) ومخدر الحشيش، كما كانوا يشتركون في أعمال القتل والدفن.

حفــلات المـوت

أما قتل الضحية بعد دخولها المنزل فكان يتم بما يشبه الحفلة، حفلة موت يتم فيها إزهاق روح آدمية بأسلوب بطيء يؤدي الى تعذيب الضحية وإيلامها. تبدأ فقرات هذه الحفلة بتجهيز شراب كحولي قوي عبارة عن مزيج من عدة خمور قوية المفعول فيوضع على المائدة ثم يتم تجهيز الجوزة وأحجار المعسل المخلوط بالحشيش أو الأفيون. إذا كانت الضحية لا تتناول الكحوليات فإن البديل الجاهز يكون القهوة الممزوجة بالأفيون أيضا. تقدّم المشروبات ويدخّن الحشيش لمدة لا تقل عن ساعة، ثم حين تبدأ الضحية فى الترنح تشير سكينة إشارة متفق عليها فينهض الجميع ويهجمون على الضحية في وقت واحد كالذئاب الجائعة ولكلّ منهم عمله المرسوم سلفاً، فدور ريا هو القبض على رقبة الضحية بيدين من حديد، وتقوم سكينة بكتم فمها لتمنعها من الصراخ، أما عبدالعال فيقبض على يديها من خلف ظهرها ويضغط عليها بكل قوة كي لا تتمكن من الحركة، وكان دور حسب الله تقييد قدميها بيديه لشلّها تماما حتى تخور قواها وفي الوقت نفسه تكون سكينة مستمرة فى الإطباق على فمها سواء بيديها أو بقماشة مبللة أو وسادة لتختنق نهائيا وتزهق روحها من دون أن تنزف قطرة دم واحدة ومن غير أن تطلق صرخة واحدة ، إلا في أحوال نادرة .

يبدأ بعد ذلك دور عرابي وحسان وعبد الرازق فيحفرون القبر في المكان الذي حددوه من قبل وكانت عملية حفر القبر تستغرق نحو 20 دقيقة ومكان القبر ربما المطبخ أو الصالون أو أي مكان آخر حيث يسكنون. وبعد قيام القتلة بنزع المصاغ من الضحية ثم تقسيمه تلقى الجثة في القبر ويهال عليها قليل من التراب، ثم ينام الجميع فوق الجثة. فيا لها من بشاعة غير مسبوقة.

كانت الأفعال الوحشية التي قامت بها عصابة ريا وسكينة تشيب شعر الوليد حتى أطلق عليها «الوحوش الآدمية» وانتشر ما يشبه رأي عام يوصي بوضع أفرادها في أقفاص بجوار الحيوانات المفترسة في حديقة الحيوانات ليمضوا بقية عمرهم فيها وقضت محكمة جنايات الاسكندرية برئاسة أحمد مرسي باشا يوم 21 ديسمبر 1921 بإعدامهما لتسدل الستار على سيرة أبشع امرأتين أنجبتهما مصر.

الغريب أن حكايات ريا وسكينة انتشرت خارج القطر المصري ووضعت عنها أناشيد وأغنيات وحوّلت قصتهما إلى أعمال فنية في السينما والمسرح والتلفزيون. لا ينسى أحد الفيلم المشهور الذى تقاسمت بطولته الفنانتان القديرتان نجمة ابراهيم وزوزو حمدي الحكيم مع الفنان أنور وجدي ، ثم أنجز نجم الكوميديا اسماعيل ياسين فيلماً مستوحى من قصتهما، كما قدمت شريهان مع يونس شلبي فيلماً مقتبساً من القصة نفسها وقدمت مسرحياً عام 1982 مع شادية وسهير البابلي، وأخيرا قدمها التلفزيون فى مسلسل أدت بطولته عبلة كامل مع سمية الخشاب. وسوف تبقى سيرة ريا وسكينة حكاية رهيبة تتوارثها الأجيال المقبلة.

back to top