الأغاني والإيقاع في مركب التراث

نشر في 10-06-2007
آخر تحديث 10-06-2007 | 00:00
فرقة ابن حسين الكويتية للفنون البحرية

منذ بداية الثلاثينات، أبصرت فرقة ابن حسين النور إثر تكوكب رجال البحر حول جوهر اللنقاوي في ديوانه «مجلس الرجال الملحق بالبيت»، لأجل السمر وأداء بعض الفنون البحريّة، ترويحاً عن النفس ومن غير تقصّد تكوين فرقة.

كان جوهر اللنقاوي وأصدقاؤه المجتمعون في ديوانه عشّاق فنّ بحريّ بامتياز، حفظوا أشعاراً تردّدت في أغانٍ متوارثة من أهل البحر. أمّا حمد بن حسين فكان أحد أصدقاء اللنقاوي، حفظ عنه وعمّن واكبوه... كذلك فعل أخواه فهد وحسين، أمّا شقيقهما إبراهيم فكان أيضاً شاعراً ينظم أبياتاً شعرية لأخويه: حمد «النهام» وفهد المتميّز بصوت يحمل وتيرة حادة مرتفعة. وهذا النوع من الأصوات يتلاءم والغناء البحري، أما سبب ذلك فيهدف الى أداء هذه الأبيات في العرضة والفنون الأخرى...

في أواخر الثلاثينات توفي جوهر اللنقاوي، فتفرق رجال البحر المحبون للفن البحري والذين كانوا التفوا حوله ولن يضمهم بعد ذلك التاريخ مجلس آخر الا في بداية الأربعينات، لمّا حاول حمد بن حسين جمعهم في منزل والده في شارع الميدان من الحي الشرقي في مدينة الكويت بعد فترة ليست بقصيرة، ليصبح ديوان ابن حسين عامراً ببعض أولئك الذين صحبوا جوهر اللنقاوي.

ظل اصدقاء حمد بن حسين وأشقاؤه يؤدون الفنون البحرية، عادة متوارثة، للترويح عن النفس في بعض المناسبات، كما قاموا بمهمات غنائية على ظهر السفينة الخشبية، في موسم صيد المحار، لمّا كان بعض الكويتيين يتكّسبون قديماً من بيع اللؤلؤ، أو في سفن التجارة، وقد عاصرهم من الفرق الشعبية، عدد كبير أُطلق عليه اصطلاحا لفظ «عدة» كعدّة سالمين وعدة سالم الخترش.

بدايات فرقة ابن حسين رسمياً عام 1958 من دون أن تحدث التسمية أي فرق في ممارسة نشاطها، سوى في الدعم الحكومي المالي والمعنوي، والعمل سنوّي، تماماً كما 27 فرقة شعبية أخرى في الوقت الحالي، غير أن الوجود الفعلي والملحوظ لا يسجل الا لعدد محدود منها، كفرقة العميري ومعيوف، وكلتاهما تهتمان بالفن البحري، اضافة الى فرق قليلة، تقدّم بين وقت وآخر بعض الفنون الشعبية الأخرى كفرقة الرندي.

في العام الذي نشأت فيه الفرقة رسمياً، نشط الفنان الكويتي حمد الرجيب الذي أصبح سفيراً في ما بعد ــ محاولاً تسجيل هذا التراث البحري وحفظه في مرحلة التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تشهده الامارة الصغيرة في شمال الخليج «الكويت»، فاستعان بفرقة ابن حسين، لانجاز المهمة، في حين كان عدد كبير من «النهامة».

ــ لقب يطلق على مطربي البحر ــ قد رحلوا عن هذه الدنيا، فاستضاف الفرقة في احد القصور الموجودة في المدينة، قصر «طروب»» في الحي الشرقي، فسجلت الفرقة كل ما تحفظ من أغانٍ بحرية (فصول بحرية) خلال أسبوع كامل، وكانت هي المرة الأولى التي يقف فيها أعضاء الفرقة أمام الميكروفونات.

بعد ذلك انتقل مقر الفرقة من الحي الشرقي الذي انطلقت منه، الى ضاحية الرعية القريبة من مدينة الكويت، حيث يتبع المقر منزل صاحب الفرقة حمد بن حسين، ثم ما لبثت أن انتقلت الى ضاحية الرميثية للسبب نفسه.

تؤدي الفرقة وصلاتها الغنائية في المقر. أمّا في المناسبات فالعروض تؤّدى في الساحات القريبة من المقر كبراحة مبارك في شرق، حيث المقر الأول، وفي ساحة قريبة في ضاحية الدعية، لدى انتقال الفرقة الى هناك، وكذلك الحال في الرميثية. وفي أحيان تؤّدي العروض في المناسبات كما في استقبال الأمير حين عودته من سفر طويل، حيث العرض في ساحة المطار أو في مواقع الاحتفالات الوطنية.

منذ بداية تأسيس الفرقة، عرفت بعض الأصوات المميزة لنهامين مشهورين من محبي الفن البحري مثل «بوزايد العميري» (توفيّ عام 1968) وهو بحريني قدم الى الكويت برفقة صديقه سعد بن حسين، وهو شقيق مؤسس الفرقة، فاستضافه في منزله (ديوانه) واستقر في الكويت، فأصبح أحد مواطنيها في ما بعد، وكان وصوله الى الكويت في بداية الأربعينات، ومعه تطوّر الفن البحري. ففضلاً عن أنّ «بو زايد» كان صاحب صوت قوي ويحفظ كثيراً من الأشعار و»الزهيريات»، الا انه أدخل آلة «الجحلة»، وهي آلة ايقاعية خزفية، كانت تستخدم في الأغاني البحرية في البحرين، وكان «بوزايد» يستخدم الجحلة وهو يغني، وهذا أمر في غاية الصعوبة، لما يتطلبه الغناء البحري من قوة أداء في الصوت والحضور.

أما حمد بن حسين فكان أيضاً نهّاماً، واستبدل آلة خشبية ايقاعية بالهاون (الآلة الخشبية كانت تدق بعودي خشب) وذلك في الخمسينات ومن نهامي الفرقة أيضاً ابن عبكل. تمتع بنهمة جميلة، وكان يمتهن عملاً يدوياً على ظهر السفينة من دون أن يقلل ذلك من مقدرته في الغناء. كان قوي البنية (توفي في 18/1/1990 م) أثناء الاحتلال العراقي لدولة الكويت في ثاني أيام القصف الجوي.

ومن النهامين المميزين، سعود الغرير، وكان يملك صوتاً حاداً ويؤدي النهمة مع التركيز والانفعال، مما أدى الأمر الى كسر فكه، ولم يمنعه ذلك من أداء الوصلات الغنائية بفكّ مكسور متخلخل (توفي في الثمانينات).

ثمّ برز سعيد بو غيث بعد وفاة كبار النهامة ليكمل الطريق، والنهام «طه ياسين» وهو الآن من نهامي فرقة معيوف للفنون البحرية، التي تشترك مع فرقة ابن حسين والعميري من حيث المنشأ (الراحل جوهر اللنقاوي).

ومن النهامة المشهورين عيسى بو غيث، ورغم رحيل معظم النهامة الكبار، ومنهم صاحب الفرقة حمد بن حسين وإخوته فإن أحد أبناء حمد، سار على الدرب نفسه، ليصبح في الفرقة نهام شاب حديث السن وهو خالد حمد بن حسين، الذي تأثر بأبيه وعمه الراحلين وكذلك ببعض نهامة البحرين.

ومن الشباب نذكر النهّام عبد الرزاق الدخيل وهو أول شاب مارس النهمة مع كبار النهامين في بداية الثمانينات، فتعلّم على أيديهم مبادئ الغناء البحري كما ورّثه الاجداد للأحفاد اضافة الى ناصر العوض ووليد ليلي من جيل الشباب، المؤدي لهذا النوع من الغناء الذي يوشك أن ينقرض ولا يبقى منه الا الصورة والصوت في أرشيف التلفزيون.

بقي أن نعرف أنّ دور الفرقة لم يقتصر منذ نشأتها في الأربعينات على النشاط الفني البحري، بل تداخل معه النشاط الاجتماعي كالزيارات اليومية والأسبوعية لبعض أعضاء الفرقة من كبار السن وولائم الغداء والعشاء الدورية، كتقليد اجتماعي لم يتغير منذ النشأة؛ فالفرقة تقدّم فنّا اجتماعياً فرضته ظروف الحياة القديمة في امارة الكويت، واستمر الى عصر الدولة الحديثة بعلاقاتها الاجتماعية المعقّدة.

back to top