عادل إمام... من الحارة إلى السفارة 11 عم شرفنطح لم ياخد حقه.. ولما مات أنا أكتر واحد عيّط عليه

نشر في 25-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 25-09-2007 | 00:00
من الحارة إلى السفارة مشوار كفاح طويل لم يكتبه عادل إمام بعد.. صخرة أشبه بصخرة سيزيف حملها الفتى الفقير بدأب من السفح إلى القمة، لقد صار ابن الحارة الشعبية نجما لامعا وسفيرا لأشهر منظمة دولية في التاريخ الحديث.. الطفل المشاغب المولود في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي وسط أجواء الحرب والفقر والقمع العائلي صار زعيما، ثريا، صانعا للأخبار، زادا للشاشات وهدفا للعدسات.

لم تكن الرحلة سهلة، ولم تكن قدرا عبثيا، كان عادل يعرف أن صخرته من الممكن أن تتدحرج إلى أسفل في لحظة ليبدأ الرحلة من جديد إذا استطاع، لذا كان يحسب خطواته ولايضع قدمه إلا على أرض صلبة، ومع كل هجوم يتعرض له، لم يكن يرتكن أبدا إلى ماحققه من نجومية أو ثروة أو شهرة او علاقات، كان يفكر بنفس البساطة التي بدأ بها مشوار الحفر في صخر الواقع.. كان يستعيد عزيمة البدايات، ويفكر في الاحتماء بالناس قبل أن يفكر في التوسل لـ»زيوس»

في هذه الحلقات نتعرف على التفاصيل الأسطورية لرحلة عادل إمام، ليس باعتبارها حكايات مسلية عن حياة نجم كوميدي مشهور، ولكن باعتبارها ملحمة تحكي عن حياتنا نحن أكثر مما تحكي حياة عادل وحده.. إنه قصة مجتمع بالكامل، مرآة نرى فيها أنفسنا ونتابع صورة الأب المتسلط والأم الحنون الحامية في صمت، والواقع القاسي، والقدر الذي يضن ويعطي وفق معادلات ولوغاريتمات غامضة، وشيفرات القوة التي نستهين بها قبل ان تفاجئنا بالكثير والكثير وفي مقدمتها الصبر والدأب والأمل..

ومن دون تبجيل أو تقليل تعالوا نتعرف مع عادل إمام على مشاهد وخبرات من حياته نعتقد أنها أعمق كثيرا مما قدمه من شخصيات فوق خشبة المسرح وعلى الشاشة

في الحلقات السابقة تعرفنا على جوانب من شخصية الزعيم كما تعرفنا على عوامل التكوين الأولى، وجانب من المعارك التي خاضها سفيرا وزعيما ونجما، وفي هذه الحلقة نعود إلى الينابيع لنتابع بذور وجذور التكوين الفني لنجم الكوميديا المزمن طوال الربع الأخير من القرن الماضي وحتى الآن

خلف الحبايب

ولد الطفل عادل في لحظة مفصلية بين الربيع والصيف، وسط زوابع الخماسين وأجواء الحرب، فيما كانت سينما كوزموس لا تزال تعرض فيلم «خلف الحبايب» أول ظهور للممثل الجديد إسماعيل يس أمام نجوم الكوميديا فوزي الجزائرلي الذي اشتهر بشخصية «المعلم بحبح»، وإحسان الجزائرلي المشهورة بشخصية «أم أحمد»، بالإضافة إلى عباس فارس وتحية كاريوكا وأنور وجدي وعقيلة راتب وآخرين.

الفيلم الذي قدم توليفة كوميدية بسيطة الحبكة، كان أشبه بفيلم عائلي أنتجه وأخرجه وكتب له السيناريو فؤاد الجزائرلي عن قصة للكاتب الضاحك الباكي فكري أباظة كتب لها الحوار العم بديع خيري

وفي العام الذي ولد فيه عادل بيولوجيا، ولدت أيضا فاتن حمامة فنيا في أول ظهور لها على الشاشة كطفلة صغيرة في دور أنيسة أمام النجم محمد عبد الوهاب في فيلم «يوم سعيد»، وبين اسماعيل يس وفاتن حمامة تأرجحت أحلام عادل إمام طويلا، وحتى الآن لا يزال يبالغ في التعبير عن أمنيته في التمثيل مع سيدة الشاشة العربية، فيما تبدو آراءه فاترة ومحيرة تجاه «سمعة»، حيث وصفه أكثر من مرة بأنه مجرد «مهرج أطفال»، قبل أن يخفف من تصريحاته بعد ذلك بكلمات دبلوماسية سرعان مايرتد عليها، وهو نفس ماحدث تجاه نجيب الريحاني حيث قال عادل: أنا مشفتش نجيب الريحانى كتير.. ومادخلش دماغي كممثل.. لكن هذا لايمنع انه فنان، وكله فن.. لكن انا لم اتأثر به، أو بأي حد غيره.. أنا ممثل شيطاني، تاثرت بالشارع والناس والحياة التي عشتها وفقط... أنا عمري ماشفت أفلام عربي كانت السينما الأجنبية تستهويني أحيانا كنت أروح مع واحد صاحبي فيلم عربي، ومن أول عشر دقائق أراهن صاحبي على المشاهد اللي هتحصل، وعلى نهاية الفيلم، وكنت اكسب الرهان

تصريح عادل هذا، دارت حوله حوارات عديدة، عاند في بعضها وأكد كلامه، وهادن في بعضها الآخر محاولا تخفيف رأيه الحاد، لكنها على كل حال تصريحات مهمة تأخذنا إلى دراسة الأصول التي أعلن عن تأثره بها وهي الشارع، والحياة التي عاشها.. إنه ابن تجربته كما يؤكد، وليس امتدادا لأحد، حتى محمد كمال المصري الشهير بـ»شرفنطح».. جار عادل النحيف البائس الذي يقول عنه بنوع من الشفقة: عم شرفنطح كان ساكن في نفس البيت الذي اسكنه في الحلمية، وكان بيعجبنى جدا لما شوفته في السينما بعد كده، كنت أحس أنه ممثل طبيعي لا بيحزق وهو بيمثل.. ولا بيرفع حاجب وينزل حاجب، ولابيزعق.. كنت أقابله وهو طالع شقته وأقوله: إزيك ياعم شرفنطح.. يبص لى ويسكت، وبعدين يقول «أهي ماشية».. كنت حاسس أن عم شرفنطح مش واخد حقه ولما مات أنا اكتر واحد عيط عليه.. وخرجت مشيت في جنازته، كنت في تلك الفترة بدأت أتعلق بالتمثيل، وقدمت بعد الأدوار الصغيرة، وكنا قبل نكسة 67 بسنة تقريبا.

وعم شرفنطح لمن لايعرفه من أبناء هذه الأجيال هو الممثل النحيف بشواربه المبرومة المميزة الذي اعب دور المحاسب عم يعقوب في فيلم ابو حلموس، واشتهر بعبارة روح يانوفمبر.. تعالى يادديسمبر، كما لعب العديد من الأدوار المميزة أمام نجيب الريحاني مثل دور المأمور المتآمر في فيلم «سي عمر»، ثم دور الجار المناكف في فيلم «سلامة في خير»، وهو ممثل صاحب نكهة مميزة في الأداء اشتهر باسم شرفنطح بعد ان قام بدور يحمل هذا الإسم في إحدى المسرحيات، ثم قدم أعمالا كثيرة بدأت في 1928 بفيلم «سعاد الغجرية»، واستمرت حتى منتصف الخمسينات حيث شارك في «حسن ومرقص وكوهين»، و»عفريته إسماعيل يس»

من هذه المعلومات نستنتج أن عادل إمام كان قد أنهى الربع الأول من عمره قبل أن يودع عم شرفنطح في حدود العام 1966، وحسب أكثر التواريخ انتشارا فإن عادل في ذلك الوقت كان قد تجاوز السادسة والعشرين من عمره، لأنه ليس من المعقول ان يكون دون العشرين، وقدم بعض الأعمال الفنية، لأن الثابت أنه قدم دور دسوقي أفندي وعمره تقريبا 23 سنة، وهذا يعني أن عادل لايمكن أن يكون من مواليد 1946 كما تشير بعض المصادر، وكذلك فإنه ليس من مواليد 1942، ولا 1941، كما تشير مصادر أخرى، لكن الأرجح أنه من مواليد 17 مايو 1940، كما قالت المصادر المبكرة أيام كان من السهل أن يذكر الشاب عمره الحقيقي، وعلى الرغم من عدم وجود خلاف على يوم الميلاد، فإن الخلاف على سنة الميلاد، ليس خلافا نادرا يخص عادل إمام وحده، بل أنه يمثل ظاهرة لدى كل الفنانات، ولدى عدد لابأس به من الفنانين أيضا، كان أشهرهم الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي غالط الجميع في عشر سنوات على الأقل، فيما يساوم عادل في 6 سنوات فقط.

والطريف إن إحدى الصحف أرادت الاحتفال بعيد ميلاد عادل إمام في مايو من العام 2001، على اعتبار انه العيد الـ55 بما يؤكد ان عادل ولد في العام 1946، وبعد مناقشات تجاهلت الصحيفة ذكر الرقم، ووجهت دعوتها لعدد من الفنانين والمثقفين، كان من بينهم الناقد الكبير رجاء النقاش، الذي يتجنب مثل هذه الحفلات في العادة لخجل طبيعي يشعر به، وبعد أيام من الحفل نشر رجاء ما أسماه «تهريجة»، على وزن كلمة قصيدة، ومقالة، إذ أنه لم ير فيما كتبه سوى «تهريجة» ترك القلم ينساب في كتابته مستلهما أجواء عادل الفاكاهية، ومايعنينا من تهريجة رجاء، هي المقدمة المتشعبة التي قدم بها تهريجته وضمنها فقرة عن تاريخ ميلاد عادل، والتي قال فيها: «عادل إمام مولود يوم السبت 17 مايو في سنة من سنوات القرن العشرين، وقد حرصت ان أكتب تاريخ عادل إمام مع تحديد يوم السبت الذي كان فيه هذا الميلاد، ولكنني نسيت سنة الميلاد تماما مع سبق الإصرار والترصد، لأنني لاأرى في عادل إمام إلا أنه شباب على طول.. فلا داعي إذن لأن أتذكر سنة ميلاده، وأترك هذه المهمة للصديق الفنان سمير خفاجى، فسمير يوحي إلى كل من يعرفه أنه لايتذكر أي شئ، وعندما يتكلم بطريقته الظريفة التي هي مجموعة من الكلمات.. بين كل كلمة والأخرى عشرة نقاط، فهو يبدو وكأنه يعتصر ذهنه لكي يتذكر... بينما هو في الحقيقة من أصحاب الذاكرة الحديدية، ولكنه تعود على التمثيل في الحياة بدلا من التمثيل على خشبة المسرح، وتمثيله في الحياة ليس من باب المكر والدهاء، ولكنه من باب القلب الطيب والرغبة الصادقة في تجنب أي عداوات مع أي انسان، ولذلك كله فأنا أعتقد أن سمير خفاجى هو الذي يعرف سنة ميلاد عادل بدقة، خاصة وأنه يحتفل بعيد ميلاد عادل إمام كل عام، وعلى الذين يريدون أن يعرفوا تاريخ ميلاد عادل إمام أن يسألوا سمير خفاجى، أما أنا فقد عرفت ونسيت.... و»ماحدش يسألني»!!

ونحن من جانبنا سنعمل بنصيحة الأستاذ رجاء ولن نساله، ولن نسال ايضا المنتج المسرحي الكبير سمير خفاجى، لكننا سنصدق المنطق والوقائع التاريخية التي بنينا عليها هذه الحلقات مؤكدين أن عادل من مواليد عام 1940 وليس بعد، وأنه ولد في حي السيدة عائشة الشعبي، لأب بسيط من العاملين في مصلحة السجون بوزارة الداخلية، وأم من ريف مصر، وفي سنوات طفولته المبكرة انتقلت الأسرة من مسكن السيدة عائشة إلى بيت متواضع في «عطفة الماس» بحي الحلمية المجاور، وهو حي ملئ بالحياة المتدفقة، وثري بشخصياته و يحمل تقاليد تمتد من عراقة القصور القديمة إلى تواضع البيوت الشعبية الضيقة، وعظمة المساجد العتيقة بكل ماتحمله من عبق التاريخ، ومن حيث لا يدري كان عادل يعيش في هذا المناخ بكل حواسه ومشاعره، تسكن وجدانه صور الناس البسطاء في برامجهم اليومية الرتيبة، وأصوات نداءات الباعة، ورائحة البخور والألوان الرمادية والبنية المشبعة بالرطوبة وآثار الزمن في كثير من الأحيان والزوايا،

يقول عادل: كانت فترة خصبة في حي ثري ودافئ، كنت عايش وسط الناس لما ست حامل تكون على وشك الولادة نجري نجيب الداية، لما تحصل حريقة نقوم بسرعة ونطفي النار قبل حضور عربية المطافي، لما حد يعاكس بنت من بنات الحتة، كنا نشبعه ضرب وبهدلة عشان يعرف قيمة بناتنا ويحرم يعمل كده تاني، لما حد يموت ومعندوش مصاريف جنازة نجمع قرشين ونتكفل بكل حاجة.. كنت عايش تفاصيل حياة الناس اليومية وحاسس ان مفيش حاجة ناقصة، كل شئ موجود لأن الناس بتحب بعض وتساعد بعض.

وبعد طفولة مليانة شقاوة، وانغماس في تفاصيل الحياة، بدأت أشعر بشئ مختلف، كنت زمان بشوف كتير، وبسمع كتير، وحسيت فجأة اني كبرت وعاوز أقول، وكنت طبعا اشتهرت بتقليد الناس والشخصيات المعروفة في الحتة وفي المدرسة، لكن أذكر مرة اني كنت في مدرسة بنبا قادن الثانوية، وكان المطلوب أن نقوم بتمثيل بعض المسرحيات من غير حوار ولا كلام، يعني بطريقة البانتوميم، والاعتماد على التعبير بالوجه وحركة اليدين، وكانت حاجات بسيطة وساذجة في حفلات المدرسة، لكنها كانت أول تجربة حقيقية في مواجهة الجمهور بمسؤولية بعيدا عن تهريج قهوة عكاشة، ومقالب الشارع.

كنت تلميذ مش متفوق، لكن معقول، في خدود المستوى المتوسط الذي يضمن النجاح، وكنت أتعامل مع المواد الدراسية بمزاجي، أذاكر ما أحب وأهمل مايضايقني، ومثلا كنت أحب التاريخ، وأول ما نستلم الكتب، كنت أتفرج عليها واتصفحها بسرعة، ولاحظت اني كنت أستغرق دائما في قراءة كتاب التاريخ، وتقريبا كنت أنتهي من قراءة معظم مافيه فى أول ليلة استلم فيها الكتب، لكنني كنت أكره الرياضيات عموما.. الجبر والحساب والهندسة، كما كانت عباراتي في التعبير والانشاء ركيكة.. كان فيه عيال أساليبهم حلوة.. معرفش بيجيبو الكلام ده منين، كما أنني كنت اكره الجغرافيا، ولا أميل لها، وكنت اتعذب فى رسم الخرائط.

يوضح عادل العلاقة بين كراهيته للجغرافيا وبين حبه للحلمية فيقول كنت أتصور ان الحياة تنتهي خارج حي الحلمية.. عمري ما حبيت السفر زي ناس كتير، كنت مرتبط بالحلمية جدا، ولا أتصور أن هناك حياة خارجها، على وجه التحديد الحلمية كانت المكان الوحيد الذي أحببته بهذه الطريقة.

يقول عادل: تقريبا كنت أكره معظم المواد، ماعدا كام حاجة كده بحبها واندمج فيها، وأتذكر ان قواعد النحو والصرف كانت في مقدمة المواد التي أكرهها ، وأتذكر ايضا أنني كنت مغرما بأي شئ يمس الحياة ويقربني من الناس، لذلك كنت أشارك في الحفلات والأنشطة وأحب التمثيل، وكان لي زميل في المدرسة اسمه نبيه صادق وكان في منتهى النباهة اسما وواقعا، وكان نبيه هو أول من طلب مني المشاركة في التمثيل، وقال لي إن جرأتي وموهبتي ممكن استخدامها في الفن وليس الشقاوة وفقط، وقد هاجر نبيه من مصر بعد ذلك، والغريب أنني عندما استرجع مراحل حياتي أكتشف أن معظم اصحابى مهاجرين.. مش فاهم ليه؟!

شهادة رمضان

اللص الشريف

لم تكن حياة عادل في الحلمية فقيرة بشكل كامل، لكنها كانت جميلة، وثرية ومبشرة بمستقبل أفضل، رغم الحزم الشديد الذي يعامله به والده، وبرغم المستوى الدراسي العادي الذي لم يكن يبشر بأنه سيكون مهندسا أو طبيبا، كان عادل يسكن في شقة متواضعة، ولكن والده خصص له غرفة مستقلة، كانت هي محور عالمه الخاص، والمكان الذي يعرف نفسه فيه على حقيقتها بعيدا عن صخب الشارع.

يقول عادل: كانت هذه الغرفة أهم مكان ساهم في تكويني الثقافي، ربما بنفس الدرجة التي ساهم بها الشارع في تكويني الإنساني، وكان أجمل وقت في حياتي هو الذي اقضيه في القراءة داخل غرفتي، وبدأت بقراءة عدد كبير من الروايات البوليسية، خاصة للص الشريف أرسين لوبين، ولكني لم أكن سعيدا بتصرفات أرسين لوبين، لأنها كانت تتعارض مع المفاهيم الأخلاقية التي تربيت عليها، ولم يكن هناك أي شخص يستطيع أن يبرر لي أن السرقة عبقرية وجميلة، لأنها من حرام حرام كما تعلمت واسمع كل يوم.

كانت الغرفة ملجأ يريحني من المناظر المستفزة والفروق الطبقية في الحي، فكنت انغمس في سماع الإذاعة وقراءة القصص الغرامية، وأعمال مصطفى لطفي المنفلوطي، وسلامة موسى، وعباس العقاد برغم صعوبته لأنني ظللت اقرأه طويلا من دون ان افهمه، حتى كبرت قليلا وشعرت بمتعة وانا أقرأ العبقريات.

اعتراف

** عمري مافكرت أكون ممثل ومرة أبويا سمع انى بمثل، وقبل مايسألني لحقت نفسي وقلت له أنا كنت بتفرج النهارده على حفلة تمثيل في المدرسة، وأنقذت نفسي من علقة ساخنة

back to top