المديونية... و«نادي باريس» الكويتي 1/2

نشر في 14-07-2007
آخر تحديث 14-07-2007 | 00:00
 فهد العتيبي غالبية الناس في الكويت «مديونة»، ولكن لمن؟ هل هي قروض وطنية أم عالمية لبناء مشاريع تنموية اجتماعية، أم مساهمات في منظمات دولية، أم ماذا؟

سألت أحد الناس: لماذا أنت مديون ومطلوب، فأجابني: يعني فلان بيته أحسن من بيتي، وهل يجوز أن تكون سيارته أفضل من سيارتي؟ ولماذا يقضي عطلة الربيع في بلد وعطلة الصيف في آخر، هذا غير عطل الأعياد؟ الأخ أضحى أفضل وأسرع من المرحوم «ابن بطوطة» ووضع قريش خلفه في رحلات الشتاء والصيف.

فقلت له: كفى أرجوك، كل المسألة أمران: سوء تقدير من الحكومة عندما أعطتك قرضا للبناء، الكل يعلم أنه غير كاف، هذا غير التأثيث. والأمر الثاني لك عين لا تمتلئ، وقلب لا يخضع وعقل لا يقنع وبطن لا يشبع، فرد عليّ قائلاً: «العين ما تحب الأعلى منها»، فرددت على الفور قائلاً: «مد رجولك على قد لحافك».

ودخلنا في نقاش سفسطائي لا نهاية له، سقطت بيزنطة

ومازلنا نتناقش ...

الدين، بفتح الدال المشددة في اللغة، هو التزام شخص تجاه شخص آخر أو جماعة، وإما أن يكون موعداً أو موقفاً أو كلمة أو أمراً مادياً ومصدره من «دان» أي أقر له و«دان» من الدنو أي أصبح قريباً جداً، وعندما يكون الدنو في الالتزام، أي الدائن يمتلك رقبة المديون، فيصبح من يعطي الدين له يدا على ذاك المديون بشكل مباشر.

الدَّين مشكلة على الإنسان ثقيلة، حيث حمل الصخور من الجبال أهون من منن الرجال، كما أوجز الشاعر هذا المعنى في أبياته.

ودخلت في نقاش آخر مع زميل في هذه الديوانية من رافعي أعلام المحافظة على مال الأجيال القادمة، وقال لي إن هناك فئة من الناس ليس همها إلا مراقبة ما يرد الى خزينة الدولة من إيرادات، ليس للحفاظ عليها واستثمارها، وإنما يجهز الخطط لكيفية الاستفاده القصوى منها... فالأخ مثل « الإسفنجة»؛ ماصة حافظة لا تخرج ما في بطنها إلا أن تُعصر عصراً شديداً، وتبقى تحمل المزيد، فهناك حملة شعواء لامتصاص الأموال بطرق مختلفة. وقلت له: هؤلاء أبناء البلد أوقعتهم ظروف ليست على البال أو في الحسبان، وجعلتهم في «نادي باريس الكويتي» للمدينين وضعاف الحال، وليس لهم علاقة بامتصاص وشفط الأموال، وبادرني قائلاً: إن من يدفع ويساند هذه الاقتراحات، هدفه امتصاص هذه الأموال بشكل غير مباشر. وأيضا دخلت في نقاش سفسطائي آخر، ودخل حصان طروادة واحتل ما استطاع احتلاله ونحن نتناقش ونتناكف فيما بيننا.

رأيت القوم في نزاع، فهناك معسكر أول رفع لواء المطالبة بإسقاط ديون الكويتيين كلها، حكومية وغير حكومية، (وهي وفق تقديرات غير رسمية تصل إلى ملياري دينار كويتي)، وأعد ما استطاع من قوة ووسائل اقناع وحجج ومحاضرات وندوات. أما المعسكر الثاني، فحفر الخنادق وكهرب الأسلاك ورفع لواء المحافظة على المال العام ومال الأجيال القادمة وقال «ماحد قال لهم استدينوا... وما ذنبنا نحن الذين لم نستدن وليس علينا دين، مثلما ستعطون أعلاهم ديناً ينبغي عليكم أن تعطونا ، وإلا ستكون مناكفة شعواء بلا هوادة».

حاولت أن أكون قريباً من ميدان الحقيقة، رأيت أن المعسكر الأول محق فيما ذهب إليه، لأن الدين حمل ثقيل عليه ويعيق تقدمه، وبالتالي سعادته، وبالتالي يؤثر على نفسيته وعلاقته بالمجتمع، وكيفية وكم عطائه، ويقول لماذا أنا الوحيد الذي أحاسب على أخطائي، حتى الحكومات والمجالس النيابية في العالم وفي الكويت تخطئ، ومحاسبتهم تكون شكلية فقط، لماذا... ؟ لأني فقير لا ظهر لي .

ونأتي للمعسكر الثاني، فهو محق أيضاً، يقول لماذا يدفع لغيري تسديداً لأخطائه، ونزواته وأحلامه التي لا تنتهي، وماذا سيبقى في خزينة الدولة العامة لأولادي وأحفادي وأولاد غيري، خصوصا أننا بمواجهة مصدر رزق سينضب يوماً من الأيام، إذا تعودنا كل يوم على تحميل الميزانية مشقه من مشاقنا المختلفة، فحتما سينكسر ظهرها، وأيضا كم ستعطيني، ولماذا عطائي قليل وعطاء غيري كثير، وحتى «المديون» بمبلغ بسيط سيطلب مساواته بأصحاب المديونيات الكبيرة، وسوف ندخل بتأسيس إدارة عامة للمطالبات التي لا تنتهي بهدف تحقيق العدالة.

back to top