صور وسوانح أوراق أحمد مشاري العدواني وقصائده المبعثرة

نشر في 30-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 30-08-2007 | 00:00

صدر لدى مركز البحوث والدراسات الكويتية كتاب جديد يضم قصائد للشاعر الراحل أحمد مشاري العدواني، هو الثالث بعد السابقين «أجنحة العاصفة» و{أوشال». يُعدُّ الراحل أحمد مشاري العدواني رجل التنوير الأبرز في الكويت. مفكر ورجل مؤسسة وشاعر جادت قريحته بالنشيد الوطني للبلاد، لذا فإن الكتابة عنه تحمل خصوصيتها، ووهجها الوضاء. ومناقشة أعماله الإبداعية مسؤولية كبيرة تستلزم منا مزيداً من الصدق والتجرد ونكران الذات، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تلك القصاصات والقصائد الموزعة على منثور الورق. شاعر جامح الخيال يكتب حين تتلبسه الكتابة ويلقي بأوراقه غير عابئ بترتيبها أو نشرها في أي مكان.

بذل الباحثان د. خليفة الوقيان ود. سالم عباس خدادة جهداً كبيراً حين قاما بتنقيح أوراق الشاعر الراحل وترتيب قصاصاتها وجمعها في ديوان عنوانه «صور وسوانح» وكان للباحثين دور في إخراج كتاب « أوشال» إلى النور وهو الديوان الثاني للشاعر العدواني وصدر بعد وفاته. يقول الباحثان في مقدمة الكتاب :» إننا مؤتمنان على التصرف في الأوراق الخاصة بعلم له مكانته الثقافية العالية ومنزلته الاجتماعية الرفيعة. وإذا كانت الأقدار حالت دون استشارته في ما ينشر وما يحفظ فالمسؤولية والأمانة تقتضيان منا أن نستحضر فكره ونفسيته ونجتهد قدر الطاقة في استنباط حكمه في ما يتصل بمبدأ النشر». ويقولان عن الأوراق التي عثرا عليها : « إننا وجدناها في حال سيئة فهي، في غالبها، مسودات غير مرتبة وغير مرقمة وغير مشكولة ولا يحمل قسط منها عناوين القصائد، فضلاً عن عدم وضوح الخط وغياب التواريخ التي ترشد إلى زمان كتابتها. وقد احتجنا إلى صرف وقت طويل وبذل جهد شاق حتى نتمكن من ترتيب ذلك القدر الكبير من الأوراق والسعي إلى قراءتها قراءة صحيحة، إذ كان الخط مبهماً والشطب والتعديلات كثيرة ولم تكن هناك صورة نهائية لكثير من القصائد التي كتبها الشاعر بصور متعددة ومقاطع متداخلة. وكان علينا أن نجتهد في ترجيح ما نعتقد أنه الصورة الفضلى النهائية أو شبه النهائية لكل نص».

أقسام الكتاب

يحتوي الكتاب على ثلاثة أقسام، يضم الأول القصائد التامة والمقاطع التي وضع الشاعر لها عناوين، ويضم القسم الثاني القصائد والمقاطع الطويلة التي لم يضع الشاعر لها عناوين، واقترح الباحثان عناوين لها ووضعاها بين قوسين، أما القسم الثالث فيضم مقاطع وقصائد قصيرة جداً لم يضع الشاعر لها عناوين، وآثر الباحثان إبقاءها كما هي من دون تعديل. وتحتوي المجموعة في نهايتها على ملحق يضم تجارب بعض القصائد والمقاطع بخط الشعر تمثل مراحل تكوين تلك القصائد.

تبقى مشكلة وضع اسم لهذه المجموعة، علماً أن الباحثين لم يترددا طويلاً، فضلا عن أن الاسم من اختيار الشاعرنفسه، لذا اختارا أحد العناوين التي وضعها الشاعر لإحدى قصائده « صور وسوانح }.

قلق وحيرة

إن قراءة سريعة أو بطيئة في قصائد الكتاب تتكشف لنا عن أن العدواني شاعر رجل تنام جفونه على الهم والحيرة ويصحو على مزيد من القلق والتأمل المر المستدام. شعره صورة عن وجدانه النابض بهاجس التنوير وإشعاع نور العلم والمعرفة. ورغم أن الباحثين أشارا في مقدمة الكتاب إلى أن القصائد الواردة تعود إلى أزمنة متعددة يعود بعضها إلى بداياته الأولى وربما إلى ما قبل نضجه الفني، إلا أن مضمون القصائد يحفل بقاسم مشترك يسهل اكتشافه. ربما يكون اختلاف أزمنة القصائد سبباً وجيهاً لمناقشة التفاوت الكبير بينها من الناحيتين الفنية والشكلية، كأنما القراءة المضمونية تعود بنا إلى سمات مشتركة وإلى الهاجس الوجداني ذاته منذ البدء إلى يومنا هذا. لننظر مثلاً إلى عناوين مثل» تساؤل، لا تسألوني، أقلقتني، قلق، بنات صدري، لا جواب، شكوى، قلت لكم». ماذا يمكن أن تحمل غير الحيرة والهم الإنساني الكبير. يقول في قصيدة « قلق}:

أظل أسري والطريق موبق

راحلتي الهم وزادي القلق

يعصف بي اليأس ولكن المنى

خداعها لي البارق المصدق

لا أنتهي من مأزق إلا على

حبائل شتى حواها مأزق

درب حياتي شجرات للأسى

تورق بالأشواك حين تورق

العناوين بمثابة مفتاح أومدخل لدراسة أي نص إبداعي وهي المبشر الأول وفاضحة أسرار الشاعر والكلمات الجامعة التي تختزل مراد الشاعر ومقصده. وإن تكن خداعة ومراوغة في بعض الأحيان إلا أنها مرآة صادقة في كثير من الأحيان. اعتبر بعض الباحثين العناوين أغلفة الكتب وهوامشها بمثابة نص مواز للنص الأصلي. يمكن قراءته بصورة أفقية أوعمودية ويساعد في فتح مغاليق العمل الإبداعي. لا ريب في أن قراءة كهذه تعود بنا إلى المدرسة النفسية للأدب. نحاول بوجه أو آخر الوصول إلى أعماق الشاعر العدواني علنا نستجلي سبب حيرته وهمه الإبداعي الذي رافقه طوال حياته. بل إن بعض الباحثين ومنهم د. مرسل العجمي وضعوا قصائد الشاعر العدواني في منزلة يقتسمها شعراء الصوفية بقلقهم وتجليات أشواقهم، لاسيما حين تكتنفهم حالات التوحد والتضحية الدائمة وشطحات الحيرة والذهول. إن قراءة متأنية تفضي بنا إلى سؤال واحد: «ماتراه ذاك الهاجس الذي شغل العدواني طوال حياته وبقي عالقاً في أذهاننا بعد رحيله». السؤال يتكشف عن مزيد من الأسئلة ويفتح آفاقاً واسعة للباحثين .

back to top