الفتاة بعد فراق الحبيب في مهبّ الريح

نشر في 30-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 30-08-2007 | 00:00

الحب! ما أروع هذه الكلمة وما أقساها. انها الهدف الذي يصبو اليه أي حالم والقضية التي يناضل من أجلها أي عاقل والغاية التي يتمسّك بها كل مغرم. نعيش العمر بحثاً عن هذا الشعور الوردي الذي يُعمي بصيرتنا ليجعل من قلبنا الرقيق مسكناً دائماً له. لو عجزنا عن العثور عليه نمضي العمر في فراغ تامّ ووحدة موحشة. انه حلو الحياة ومرها.

ما أبشع الحصول على الحب لفترة وجيزة لنستفيق في اليوم التالي على وقع المأساة التي ألمّت بنا فسلبتنا متعة الوجود وتركتنا في دوّامة من الألم والأسف على حالنا. لا نجد مخرجاً الا بالتشبث بالذكريات التي أصبحت مجرد أشباح تزورنا من وقت إلى آخر فتشعرنا بالشوق إلى الماضي والحسرة على الحاضر والخشية من المستقبل.

ليت العلاقات الغرامية كلها تنال المصير نفسه فتتنهي بعقد مقدس يجمع الشملين ويبحرهما معاً في رحلة شائقة يكون الحب مركبها والرغبة شراعها والزواج وجهتها. لكن الرياح غالباً ما تجري بما لا تشتهي السفن فتُدمَّر الآمال وتتحطم المركبة على الصخور وتنتهي الرحلة بمأساة تفرّق العاشقين ليسلك كلّ طريقه مخلّفاً وراءه ذكريات ماضٍ يتناساها الهاجر ويسترجعها المهجور.

نهاية تعيسة

إنها حال الدنيا، لكل بداية نهاية ولكل علاقة نصيب من البهجة والتعاسة. بعضها يتوّج بالنجاح والبعض الآخر بالفشل المحبط. الخيار صعب، لا سيمّا إن تعلق العاشق بعشيقه ليتلقى في نهاية المطاف صفعة تنذره بالفراق المحتّم والضياع الشامل.

ان يتفاهم الحبيبان على فسخ العلاقة أمر مستبعد لكنه يجنبهما العناء والمعاناة، اما ان يقرر احدهما هجر الآخر من دون انذاره أو من دون تقبل الطرف الآخر هذا البعاد فأمر دراماتيكي يدخل العاشق، لا سيما الفتاة، في عالم من الضياع والعذاب.

أسباب كثيرة تدفع أحد الطرفين الى اتخاذ هذا القرار القاسي، منها الصعوبات المادية، اختلاف الميول والطباع، طول فترة العلاقة، عدم وضوح الرؤيا، تدخلات الأهل... وغيرها الكثير من الأسباب الأليمة. لكن العواقب ما بعد العاصفة أشد ألماً، تترك في النفوس جروحاً بليغة.

العذاب

قد يسهل على الشاب تقبل هجر حبيبته فالمجتمع يعلّم الرجل كبت أحاسيسه وتقبل المواقف الصعبة بشجاعة، أما الفتاة فتجد نفسها ضعيفة أمام قوة الموقف الذي وضعت فيه رغماً عنها فتسقط كالريشة في مهب الريح، حائرة لا تدري ما العمل.

تصيبها مرحلة ما بعد الفراق كالمرض المزمن فيتملّكها الحزن ويسكنها الحقد والرغبة في الانتقام من الحبيب أو من نفسها. تفضل العزلة على مشاركة الآخرين حزنها اذ تشعر بأنه مسّ بكرامتها فيسيطر عليها الخجل وخيبة الأمل. يكسر الحبيب قلبها بقراره المؤلم ويتركها كئيبة تلملم فتات الزجاج، يدوس على كرامتها ويكمل طريقه رافعاً الرأس كأن شيئاً لم يكن وتتمنى لو تملكتها الشجاعة نفسها للنهوض من مأساتها وقلب صفحات الماضي التي حملت اسمه. لكن ضعفها عدوّها اللدود، يتغلغل الى جذور روحها، يفرح لمأساتها، يجعل منها بيته الدائم ويسعى جاهداً إلى إضعاف عزيمتها وغالباً ما يفلح.

يعتريها الحزن الشديد وتتزعزع ثقتها بنفسها. قد تطول مدة اكتئابها اذا رفضت الخروج من عزلتها والانخراط مجدداً بالأصدقاء والتعرف إلى شبان جدد ينسونها علاقتها المريرة.

اذا تمكنت من السيطرة على أعصابها وتقبل الفراق بعقلانية تنجح حينئذ في تجاوز المرحلة الصعبة، أما اذا تغلب عليها الشعور بالذنب والخيبة فإنه يصعب عليها الخروج من ورطتها الا بمساعدة عائلتها أو أصدقائها أو في بعض الحالات اختصاصيي علم نفس.

ريما فتاة في الثالثة والعشرين مرّت في حالة احباط شديد استمرت عامين اثر هجر حبيبها لها بعد مضيّ أربعة أعوام على علاقتهما.

كانت المرة الأولى تغرم ريما بشاب. التقت رواد على مقاعد الدراسة واستمرت علاقتهما أعواماً طويلة سادت فيها البهجة والشغف ومشاعر الحب المتبادلة الى أن قرر رواد ترك حبييته بعدما شعر بالخوف من الالتزام الرسمي بها ولم يجهّز نفسه نفسياً ومادياً بعد للارتباط. جاء قرار الفراق أشبه بصفعة قوية هزّت كيانها وقلبت حياتها رأساً على عقب فكانت المعاناة أشبه بجحيم لم تتمكن الشابة من تجاوزه طوال عامين.

تروي ريما علاقتها مسترجعةً ذكريات الماضي. تركّز على الحلوة منها كأنها تتمنى لو توقف الزمن عند تلك الأوقات الجميلة التي شهدت وحدة الحبيبين وتمرّ في المقابل مرور الكرام عند المؤلمة منها، عساها تنسى الألم الذي عانته فيغدو مجرّد غيمة سوداء أفسدت نهارها المشمس. الا ان الغيمة لم تمضِ بل صُحبت برياح عاتية قضت على الآمال كلها وتركتها وحيدة في قلب العاصفة تمزج دموعها بقطرات المطر. تستعيد فترة الاكتئاب كأنها لم تشفَ بعد من عوارضها رغم مرور أعوام على إنهاء العلاقة. تعترف ريما بأن حبها الأول حملها الى عالم من الخيال لم تحلم يوماً بأن يتحقق ثم رماها في عالم من الضياع تتمنى من قلبها لو لم يتحقق. تتعجب من قدرة الحب على تملك الحبيب والتلاعب بمشاعره كمن يتلاعب بالدمى وتستغرب كيف استطاع رواد نقل حالها من النعيم الى الجحيم بين ليلة وضحاها.

اعتادت وجوده قربها. ربّعته على عرش قلبها فتحّكم في أحاسيسها. سرق عقلها ولم تسأل عنه ثم هجرها ورمى فؤادها كما لو كان حملاً ثقيلاً أراد التخلّص منه. جاد عليها بالأوجاع وأبخل عليها بطلب المسامحة كأن قراره أمر طبيعي لا يستدعي الخجل وطلب الغفران من الحبيبة. ذاقت طعم الحرمان من الحب ببعده عنها ورفضت التعرف إلى شبان جدد. أمضت عامين منغلقة على نفسها تواسي حالها البائسة بالعودة الى الماضي الذي أرادته حاضرا ومستقبلا. تستنجد بالنسيان من دون جدوى فكل أغنية تذكّرها بلحظة معه وكل فيلم ترى في بطله صورة عنه حتى بات وجهه يظهر في صفحات الكتب بين يديها. معاناة تمنّت لو تصيبه كما أصابتها رغم اقتناعها بأنه بعيد تماماً عن حالها التعيسة.

الابتعاد عن الحبيب مأساة لا بدّ منها لكن الاستسلام لليأس شرّ من الأفضل تجنّبه والعمل على قهره بأي طريقة.

مر الحب

الحياة مغامرة ونحن حقل تجارب فيها، ترمينا وسط الصعوبات والمواقف الشديدة، تختبر قدرتنا على التحمّل. إن رمينا السلاح ورفعنا العلم الأبيض تحوّل مصيرنا الى سواد مهيب أما اذا قاومنا ببسالة وعزم نكمل العمر مرفوعي الرأس قادرين على مواجهة الحياة والمضي في المغامرة حتى النهاية.

منال مثال الشابة الشجاعة التي قهرت العذاب وحوّلت الفراق الى تجربة علّمتها الكثير فكانت درساً لن تنساه. أحبّت شابّاً من كل قلبها. لم ترفض له طلباً لكنه لم يكن جديراً بحبهّا. أعماها الهوى فلم ترَ عيوبه وكانت تجد مبرراً دائماً لتصرّفاته غير المسؤولة. تعترف منال بأنه أحبها يوماً فأحبته أعواماً. قدّم لها باقة ورود حمراء بينما أفاضت عليه بجنّة من الورود. أحبّته بجنون فجنّنها وتركها في بؤسها تتساءل عن سبب يفسّر هجره المفاجئ. جاءها الردّ أقسى من الفراق بذاته فالحقيقة انه لم يعد يحبّها. لا تلوم منال نفسها رغم اعتقادها أن حبها المفرط له أضاعه من بين يديها. ومع أنها تعذبت لفراقه وبكت ليالي موحشة لفقدانه الا انها سرعان ما تغلبت على حزنها وخرجت مع شاب آخر أنساها حبّها السابق. ترى الشابة أن علاقتها الفاشلة كانت سبباً لنجاح علاقتها الحالية اذ اكتشفت ان للعطاء حدوداً. لا تندم على اللحظات البشعة التي مرّت فيها عقب الفراق عن حبيبها «انها مرحلة على كل فتاة أن تعيشها لتنمّي شخصية قوية تقوى على الصمود في وجه المشاكل».

الفراق صعب وما بعد الفراق جحيم لا يطاق، مرحلة أليمة تنثر الأوجاع لكنها أساسية تسلّح الفتاة بمعرفة دقيقة للمضي قدماً نحو علاقة أفضل. ان ذاقت مرّ الحب تمتّّعت بحلوه وان ذرفت الدموع على الحبيب حصدت الخبرة على المدى البعيد. لا بدّ من الألم وهو لا يستدعي الخجل إذا تمكّنت الفتاة من تجاوزه واستخلاص العبر من فشل حبها الضائع.

back to top