القوانين المسكينة

نشر في 11-06-2007
آخر تحديث 11-06-2007 | 00:00
 فهد العتيبي كل ما نتحسر عليه وعلى حاله في الكويت، نقول عنه «مسكين»، والمسكين في اللغة، هو من لا حول له ولا قوة، وهو الذي يستهين به الناس ويستضعفونه، حتى إذا كان يوماً ما قوياً وعزيزاً بين أقرانه، فإن الدنيا تتقاذفه من يد قاسية إلى يد أقسى منها.

هذا المسكين دائما يحتاج إلى الرعاية والعطف والترحم، ونحن البشر عموماً سلبيون تجاهه، لا نشجعه ولا نوفر له مقومات الحياة الكريمة، ليقوم وينهض بنفسه، بل نزيد الحسرة عليه و «نمسكنه» أكثر.

سمعنا بامرأة، برجل، بأسد هرم، بحيوان ضعيف، بشجرة متهالكة، كلهم أخذوا وسام المسكنة، ولكن هل سمعتم بقانون مسكين ... هذا أمر عجيب !!!

ما القانون .. في اللغة: قنن من قناة، والقناة هي المسار، ويقال قنن الشيء أي وضع له ممرات وخطوطا وقنوات يسير فيها بشكل ثابت ومنتظم ومستمر.

لذلك تمتاز القوانين بالثبات والاستمرارية، ناهيك عن التنظيم الدقيق لها، القوانين تساعد الناس على الالتزام بحدود نظّمها من هو مسؤول أو راع عن مجموعة، سواء بشرية أو حيوانية وغيرها، والقانون أمر متلازم لكل ما هو حي، حتى النبات لديه قوانين، وهذا ليس موضوع حديثنا .

إن سبب الالتزام بتلك الحدود، هو حتى لا يتعدى أحد على أحد، وعندما يقع المحذور، لانلجأ إلى الارتجال والابتداع، فكل شيء منظم، سمعنا عن قوانين معززة مكرمة محترمة ومقدرة في العالم، لكن مع شديد الأسف في بلاد مكتفية مادياً، ذات تعليم عال، وسبقت غيرها في تحقيق تقدم حضاري ملموس مثل الكويت، يصبح القانون لديها مسكينا، تجوز عليه الرحمة والعطف.

نحن في الكويت وضعنا قوانين رائعة على مستوى العالمين العربي والإسلامي على الأقل، واستمدت من مصادر كثيرة وجعلناها تلائم بلادنا وعاداتنا وأخلاقنا وأولوياتنا وجميع ظروفنا الحالية والمتوقعة، ولكننا خالفناها، ولم نحترمها، ولم نعطها الهيبة والوقار اللازمتين لتطبيقها، فأصبحت سجلات تاريخية، وسيأتي من أجيالنا المقبلة أناس يقومون بالتنقيب في الحفريات والبحث عن الآثار، ليجدوا أنها لوائح بابلية وقراطيس بردي فرعونية.

كم مخالف منا للقوانين التجارية، وكم متجاوز لها، وأيضا الجمركية والإعلامية وتنظيم التراخيص الفنية، كم مخالف لقوانين المرور، ومثله لقانون النظافة، وغيرها، بعد ان تأبطنا فأس هدم هيبتها، نحن الكويتيين، شجعنا غيرنا ممن يشاركنا السكن في هذه الأرض على سحق تلك القوانين، كم من مخالف يقود سيارته على خطوط الطوارئ، وكم متجاوز للإشارة الحمراء، وقليل منهم يرى العقاب، وتصعب عليك حالك أنت الإنسان الشريف الذي يضع القوانين نصب عينيه ويحترمها، وأنت تقف ضمن خطوط السير القانونية، كم قضية لك حفظت في المخافر وحتى النيابة العامة، بسبب «الواسطات التي تخرق هيكلنا القانوني وننصر أخانا ظالماً بأن ساعدناه على ارتكاب المزيد من الظلم والمآسي ولم نردعه، كم من موضوع تم حفظه لعدم استدلال العنوان وكفاية الأدلة، كم معاملة لك تستلمها بعد شهرين وغيرك يستلمها بعد ساعتين إن لم يكن أقل.

اخترقنا كل القوانين والتنظيمات واللوائح، حتى نظام الحضور والانصراف، سواء توقيع، أو بصمة الموظف الذي لايداوم بسبب واسطة، يستلم راتبه كاملا، والموظف الذي يلتزم بعمله ويقوم بإثبات حضوره وانصرافه إذا تأخر ساعة يخصم من راتبه، في أي مكان في العالم تحدث مثل هذه الأمور؟ وهنا تنطلق أصوات المتوسطين والعاملين بالواسطة ويكثر حديثهم عن الفساد الإداري، والفوضى وغيرها من مصطلحات الردح والزعيق النشاز.

عندما يقوم قائم بالإصلاح ومناد لاحترام القوانين يصبح الكل أعداءه لأن خططه الإصلاحية تتضارب مع مصالح هذه الجماعة أو تلك الفئة، ومع الأسف هؤلاء أصبح لهم نفوذ وسلطة وقوة، وأصبح لهم حق تشريع وإصدار قرارات تحاول هدم القوانين، كأن هناك من يريد العودة بنا إلى شريعة الغاب، ويتفرد بالبلاد والعباد، ونسي أننا مجتمع دستوري.

القوانين أيها المواطنون كأعمدة في سد عظيم عالي البنيان، في وجه سيل الفوضى العرم، كلما هدمنا عمودا في هذا السد تهاوت فوقه غرف الحماية لبقية السدود الصغيرة والأقنية المتواضعة حتى تغرق البلاد في الفوضى والفساد ويميل ميزان خادمة العدالة العمياء إلى كفة على حساب الأخرى، ونبدأ بتشغيل «الأسطوانة المشروخة» ونتحدث عن الإصلاح، وما نحن بمصلحين، هذه هي حقيقة بعض الناس هذه الأيام .. إن لم تتوسطهم فلن تنقل حقيقة وضعهم.

back to top