بيت نجيب الريحاني... لم يسكنه أحد منذ ستين عاماً

نشر في 25-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 25-09-2007 | 00:00

ما زالت صورة نجيب الريحاني ماثلة في عقول محبيه. الفقير دائماً، تثق لدى رؤيته على الشاشة أنّ بينه والفقر نسباً أو وداً قديماً ما كان لأحدهما أن يفارق الآخر إلا بالموت. ما دام الفقر لا يموت فلتمتد يد الموت إلى نجيب الريحاني الذي يجهل كثر أو ربما لا يصدقون أن النجم الذي عشقناه بملابسه القديمة محاوراً الباشا في «غزل البنات» كان صديقاً للباشوات وعلية القوم في النصف الأول من القرن العشرين. ربما لو سألت أحدهم: أين بيت الريحاني؟ لكان جوابه: هو الريحاني كان له بيت؟ هكذا كانت موهبة الريحاني الذي أبدع في أدوار الفقير حتى صدق مشاهدوه أنه لا يملك من حطام الدنيا جدراناً أربعة وبابا يغلق فنسميه بيتاً!

يشوب هذا الاعتقاد شيء من الحقيقة. رغم أنه كان يسكن بيتاً فخماً مثل أثرياء تلك المرحلة إلا أنه لم يسكن بيته الحقيقي. بناه الريحاني وحدد موعداً للانتهاء منه لكن موعده مع الموت كان أسبق فرحل قبل أن يبيت ليلة واحدة فيه وقبل أن يتم المشاهد في آخر أفلامه «غزل البنات».

لم تتوقف قصة هذا المنزل بوفاة صاحبه وانتقاله إلى ملكية ابن أخيه وديع الريحاني، بل أغلق منذ وفاة الريحاني سنة 1949 حتى 1971 . اختلف شكل بيت الريحاني كثيراً عن أول صورة فوتوغرافية التقطت له في 1949، بعدما انتهى المهندس الإيطالي شارل عيروط من تصميمه وبنائه على الطراز الإيطالي ويتألف من ثلاث طبقات فيها قاعة مسرح وقاعة سينما، تحيط به حديقة كبيرة حولها أرض فضاء تحولت إلى كتل أسمنتية بناها سكان الحي بعدما اشتروها من بديع الريحاني بالتقسيط، لكنهم توقفوا عن دفع الأقساط بعد القسط الثاني وأنكروا وجود ديون عليهم لوارث نجيب الريحاني، بل وصل بهم الأمر حدّ أنهم اعتدوا عليه بالضرب، ما دفعه إلى إغلاق المنزل أكثر من عشرين عاماً حتى استأجرته وزارة الثقافة في 1970 وحولته إلى قصر ثقافة الريحاني.

اهمال

لم يكن نجيب الريحاني يعلم أن بيته سيعاني الإهمال الذي يصيب الكثير من مباني وزارة الثقافة ولم يرد في باله أن حمامه الخاص الملحق بغرفة نومه والمصمّم على الطراز الإيطالي وجدرانه من الفسيفساء والموزاييك سوف يتم تدميره وتحطم جدرانه. وصلت أيدي العابثين إلى قاعة المسرح، المغلقة لدواعٍ امنيّة والتي لم يبق فيها شيء على حاله إلا النقوش التي تزين سقفها ربما لأن أيديهم لم تستطع الوصول إليها بينما أصبحت المقاعد مهترئة. لم يقف الريحاني ولا أحد من أعضاء فرقته على خشبة هذا المسرح الذي حرص على أن يتصدّر غرف منزله كي يجري فيه البروفات على مسرحيّاته مع فرقته. اليوم بعدما تحوّل البيت إلى قصر للثقافة يفتح المسرح أبوابه أمام مسرحيات تلقى إقبالاً من أبناء الحي المحيط بالقصر والمتعطش إلى الدور الثقافي والفني للمسرح.

ربما لو خرج الريحاني من قبره قاصداً منزله لما عرفه بعدما تغيرت معالم المنطقة ومعالم البيت الذي أحيط بسور وتحول محيطه إلى كتل أسمنتية. رغم الإهمال الذي شوه معالمه إلا أن جدرانه التي تحمل صور الريحاني تتحدث عن أيامه وما زال مسرحه الذي عانى الإهمال أيضاً ينطق بإبداعاته المسرحية التي يعاد تقديمها على مسرح بيت الريحاني. وما زالت أرضه تحكي آثار وقع خطى الريحاني عليها. تحاول وزارة الثقافة المصرية والمركز القومي للمسرح وجمعية محبي الريحاني إحياء تراث الريحاني لكنها لا ترقى إلى مستوى الاحتفاء بشخص كنجيب الريحاني.

تفرقت مقتنيات الريحاني الخاصة وأثاث منزله بين عدة جهات. حصل الفنان فريد شوقي على بعضها حين أعاد تمثيل مسرحيات الريحاني وأفلامه ولا يعلم أحد اليوم بعد رحيل فريد شوقي هل كان أولاده يحتفظون بها أم لا. هناك مقتنيات أخرى ذهبت إلى المركز القومي للمسرح ووزارة الثقافة وجمعية محبي نجيب الريحاني التي حصلت على كرسيه المفضل الذي كان يتناول كأس الليمون جالساً فيه قبل الصعود إلى المسرح. لعل السبب في تبديد تلك المقتنيات يكمن في عدم وجود أبناء للريحاني الذي تزوج من الراقصة بديعة مصابني بعدما أتى بها من الشام لتعمل في فرقته مقابل 40 جنيهاً شهرياً. استطاعت أن تكون نجمة المسارح في مصر وشاركته في عدة مسرحيات منها «الشاطر حسن» و{أيام السفر» و{ريا وسكينة». تزوجها الريحاني في 11 سبتمبر 1924 في القاهرة وسافرا معاً في رحلة فنية إلى أميركا اللاتينية عاماً كاملاً وعادا إلى مصر. ثمّ ما لبثا أن اختلفا بعدما اتهمته بالإهمال وتم الطلاق. وفي 1928 تم الصلح بينهما وقدما معاً رواية «ياسمينة» ثم اختلفا مرة أخرى وانفصلا.

back to top