مقتل شقيق كرزاي يعني أن وضع أفغانستان أسوأ مما تصورنا!

نشر في 15-04-2016
آخر تحديث 15-04-2016 | 18:20
 ناشيونال بوست أدرك الأفغان واقعاً مهماً: إذا كان كرزاي والجيش الأميركي لا يستطيعان حماية الأشخاص النافذين، فهما يعجزان حتماً عن حماية الشعب. في حال ترسخت هذه الفكرة في المجتمع، فقد تنتهي اللعبة بالنسبة إلى نظام كرزاي وجهود الحرب التي تبذلها واشنطن وقوات «الناتو».

تنحى الجنرال ديفيد بتريوس من منصبه كقائد لقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، يوم الاثنين، بينما بدأت "طالبان" تستعيد قوتها على ما يبدو. لا تنجم قوة المقاتلين المستجدة عن الانتصارات العسكرية التقليدية- فقد حقق بتريوس، في السنة الماضية، تقدماً ملحوظاً في هذا المجال- بل إنها نتيجة التحول الذي طرأ على مفهوم الحرب الحقيقية: الحرب لمصلحة الشعب الأفغاني (أو على الأقل بدعمٍ منه).

بعد الاغتيالات العالية المستوى التي حصلت في الأسبوع الماضي بحق شقيق الرئيس حامد كرزاي وأحد أقرب مساعديه، أدرك الشعب الأفغاني واقعاً مهماً: إذا كان كرزاي والجيش الأميركي لا يستطيعان حماية الأشخاص النافذين، فهما يعجزان حتماً عن حماية الشعب. في حال ترسخت هذه الفكرة في المجتمع، فقد تنتهي اللعبة بالنسبة إلى نظام كرزاي وجهود الحرب التي تبذلها الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي.

تكون معظم حروب مكافحة التمرد عبارة عن صراعات لكسب الولاءات أو السيطرة على الشعب، وغالباً ما تتخذ هذه الحروب منحىً مألوفاً، فيحاول المقاتلون من الجهتين قتل بعضهم بعضا، لكن تختلف معايير النجاح في هذا المجال، فلا تتعلق هذه الحروب في نهاية المطاف بالاستيلاء على الأراضي (فالمتمردون لا يسيطرون على أي أرض) أو الفوز بالمعارك (المتمردون يخوضون معارك من اختيارهم ويمكنهم أن يندسّوا ببساطة وسط الشعب إذا شعروا بأن الأوضاع تنقلب ضدهم). بحسب رأي الخبراء الاستراتيجيين، يشكل الشعب "مركز الجاذبية".

عادةً ما يتولى المتمردون المهمة الأسهل. فهم يحرزون التقدم عبر نشر الفوضى، وبالتالي إضعاف شرعية الحكم. عندها يضطر النظام ومكافحو التمرد (أي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وقوى الأمن الأفغانية الناشئة في هذه الحالة) إلى إعادة إرساء النظام أو الحفاظ عليه- فضلاً عن السعي إلى كسب الشرعية أو استرجاعها. تتعدد معايير الشرعية، بحسب طبيعة المجتمع أو الثقافة السياسية، لكن ثمة معيار عالمي لا يتغير: يجب أن يشعر الشعب بالأمان!

لكن الاغتيالات الأخيرة تهدد بإضعاف هذا الشعور بالأمان. ولا تقتصر المشكلة على الاغتيالات، بل حصلت اعتداءات حديثة في مطار كابول وفندق إنتركونتينانتال، فضلاً عن سلسلة من عمليات القتل بحق قوى الأمن الأميركية والأفغانية على يد متمردين كانوا قد تسللوا إلى الجيش أو الشرطة في أفغانستان، ولا ننسى حصول عدد من الاغتيالات السابقة بحق مسؤولين محليين ورؤساء في سلك الشرطة، كانت هذه الشخصيات أقل رتبة من الأشخاص الذين اغتيلوا في الأيام الأخيرة، ولكنها كانت معروفة جداً في القرى التي عملت فيها.

لا تُعتبر هذه الأعمال الإرهابية عشوائية، بل إنها عالية الدقة ولها أهداف محددة. كانت الاعتداءات على الفندق والمطار تهدف إلى منع الناشطين في مجال المساعدات الدولية والمستثمرين المحتملين من المجيء إلى أفغانستان لتعزيز قوة النظام. وكان اختراق الشرطة والجيش يهدف إلى تعزيز انعدام الثقة بين حلف شمال الأطلسي وقوى الأمن الأفغانية، بينما تسارعت وتيرة تطبيق برامج التدريب والعمليات الانتقالية. يرمي اغتيال الشخصيات الأقل مستوى إلى إقناع الشعب بأن النظام لا يستطيع حمايته، وبالتالي يجب ألا يتعاون معه أو مع حلفائه الخارجيين.

خلال احتفال التسليم يوم الاثنين، تعهد الجنرال والقائد الجديد جون ألن بالحفاظ على "الزخم" الذي بناه بتريوس، فهذا الزخم حقيقي فعلاً، فقد أُعيد تجنيد عدد إضافي من قوى الأمن الأفغانية، فضلاً عن تدريبها وتزويدها بالمعدات اللازمة، وتم تمشيط عدد إضافي من المحافظات وإخلاؤها من سيطرة "طالبان"، وقُتل عدد إضافي من قادة "طالبان" المتوسطي الرتبة (وعدد أقل من كبار قادة الحركة) أو اعتُقلوا خلال غارات وعمليات بطائرات بلا طيار.

لكن من المعروف أن هذا الزخم يبقى عاملاً عشوائياً ومتقلباً في أي حرب ضد المتمردين، فقد يتحول الوضع فجأةً. في مطلق الأحوال، لا قيمة كبرى للمكاسب العسكرية التكتيكية إذا لم تتبعها إنجازات سياسية. وتكمن المشكلة الأكبر مع هذه الحرب في واقع أن نظام كرزاي – المعروف بفساده وعدم كفاءته وعدم استعداده لتفويض السلطة إلى قادة محليين مستقلين- كان بطيئاً في مواكبة النتائج المحقّقة.

اكتسبت استراتيجية مكافحة التمرد مفهوماً حديثاً يعني إخلاء منطقة معينة من المتمردين والسيطرة على المنطقة للحفاظ على أمنها، ثم حشد الدعم للنظام عبر توفير الخدمات الأساسية (الماء والكهرباء والطرقات والعدالة وأي شيء مما يريده الشعب أو يحتاج إليه بشكل أكبر)، وفق هذه الفكرة، سيؤدي توفير هذه العوامل إلى إضعاف حجم التأييد الشعبي للمتمردين.

لقد كان أداء بتريوس جيداً جداً في مجال تمشيط المناطق والسيطرة عليها، لكن يجب أن يستثمر النظام المضيف هذه النتائج- أو على الأقل أن يثبت أنه يستحق دعم الشعب- وقد فشل كرزاي بفعل ذلك. في نهاية المطاف، لا أهمية كبرى لعمليات التمشيط والسيطرة على المناطق من دون تفعيل النتائج المُنجزة.

شكّل هذا الفشل عائقاً في الحرب- ولعله كان العائق الأكبر- قبل بدء سلسلة الاعتداءات والاغتيالات الأخيرة، فقد أصبح هذا الوضع يطرح مشكلة أكبر الآن.

لا تتمتع حركة "طالبان" بشعبية كبيرة، ولكنها لا تحتاج إلى الشعبية. يتذكر عدد كبير من الأفغان مدى قساوة الحكم في عهد طالبا، فربما يدرك البعض أن ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين بشكل دراماتيكي في الأشهر الستة الأخيرة ينجم عن نشاطات "طالبان" في المقام الأول. (يشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن "طالبان"- لا الولايات المتحدة ولا حلف شمال الأطلسي ولا قوى الأمن الأفغانية- هي المسؤولة عن سقوط 80% من الضحايا).

لكن لا أهمية لهذا الأمر الآن، فلن يجازف الشعب الأفغاني المحاصر بحياته من أجل النظام إذا كان هذا النظام لا يستطيع توفير الأمن له. لهذا السبب، قد تؤدي عمليات الاغتيال التي حصلت في الأسبوع الماضي، إلى جانب إخفاقات النظام المتراكمة، إلى انعكاسات سلبية على مسار الحرب بأكملها.

* فريد كابلان | Fred Kaplan

back to top