الأديبة اللبنانية نرمين الخنسا: ثقافة الحياة في لبنان أقوى من ثقافة الموت والانكسار

نشر في 01-11-2016
آخر تحديث 01-11-2016 | 00:00
نرمين الخنسا
نرمين الخنسا
شاركت الأديبة اللبنانية نيرمين الخنسا في ورشة عمل «فكر 15» التي عقدتها «مؤسسة الفكر العربي» في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة أخيراً، ممثلةً عن النادي الثقافي العربي في لبنان. وطالبت الخنسا بإبراز دور الثقافة في تحقيق التكامل الثقافي وتعزيز المواطنة.
حول الدور الثقافي وكيفية تفعيله، وحول مسيرتها وأعمالها التقتها «الجريدة» في هذا الحوار.

كيف كانت مشاركتك في ورشة عمل «فكر 15» التي أقيمت في القاهرة أخيراً؟

لبيت دعوة «مؤسسة الفكر العربي» وجامعة الدول العربية كممثلة لـ»النادي الثقافي العربي» في لبنان في ورشة العمل التحضيرية التي أُقيمت في القاهرة، تمهيدًا لمؤتمر «فكر 15» المزمع عقده في أبو ظبي في شهر ديسمبر2016. أتت مشاركتنا تحت عنوان «كيف يمكن للتكامل الثقافي تعزيز ثقافة المواطنة والانفتاح والتسامح وقبول الآخر في المجتمعات العربية؟»، حيث قاربنا إشكاليات وصعوبات تحول دون هذا التكامل، وطرحنا أفكاراً عدة قد تساهم في التكامل الثقافي وتعزيز ثقافة المواطنة والانفتاح والتسامح، وقبول الآخر في المجتمعات العربية.

وكيف يمكن تفعيل هذا الدور؟

بوضع أجندة ثقافية عامة تنبذ العنف والتطرف والخلافات المذهبية، كذلك إنشاء برامج ثقافيّة ومشروعات تعمل على ترسيخ قيمة الفن والفكر والمعرفة والوعي والثقافة في نفوس الجميع، وتكريس حالة التكامل الثقافيّ والرؤية المشتركة والمهرجانات، وتبادل الفرق الفلكلوريّة والعروض الموسيقية، إذ تعتبر هذه الفرق والعروض، بالإضافة إلى الشعر والندوات الثقافيّة، سبباً رئيساً في بثّ قيم ثقافيّة تؤكد احترام الدول رعاياها وعدم التفرقة بينها، واعتماد التنوع الثقافي أو التعدد الثقافي، والمشروعات المماثلة كافة.

كيف يبدو المشهد الثقافي في لبنان راهناً؟

رغم الأوضاع الأمنية المضطربة التي يمرّ بها لبنان من وقت إلى آخر، ورغم التشنجات والخلافات السياسية الحادة بين الفرقاء والتي تظهر بقوة في المشهد السياسي، فضلاً عن المشهد المؤلم في المنطقة والشرق الأوسط الذي يشهد نزاعات وحروباً من البديهي أن يتأثر بها لبنان كونه جزءاً من المعادلة الإقليمية والدولية، فإن ثقافة الحياة لدى اللبنانيين أقوى بكثير من ثقافة الموت والانكسار. ولعل خير دليل على ما أقوله ما نشهده اليوم من مهرجانات ومن أنشطة ثقافية وفنية على امتداد الأراضي اللبنانية، إضافة إلى المعارض المتنوعة من بينها معارض الكتب وأبرزها معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الذي يُعتبر منارة الثقافة في العالم العربي لما يستقطب من مبدعين وكتّاب وفنانين، إضافة إلى حركة الإصدارات الكثيفة للكتب التي يشهدها. يشكّل ذلك دليلاً قاطعاً على إرادة اللبناني وتحديه الصعوبات والظروف القاسية التي تحيط به.

الحرب والأدب

تحضر الحرب اللبنانية في روايتك الأخيرة «شخص آخر»، فإلى أي مدى أثرت هذه التجربة في مشروعك الأدبي ككل؟

لا شك في أن الحرب اللبنانية التي عاناها اللبنانيون كثيرًا، شكلت ثقلًا كبيرًا على ذاكرتنا الإنسانية والوجدانية والأدبية. وتناول معظم الروائيين والأدباء والشعراء في أعمالهم ذيول هذه الحرب وارتدادتها العصيبة على الشعب اللبناني بأطيافه ومشاربه، لذلك يجد القارئ انعكاساتها على كثير من رواياتي، وكانت هاجسًا أساسيًا في بعض طروحاتي الروائية وكأنني أوثق من خلالها الحوادث في تلك الحقبة السوداء من القرن الماضي.

تبدو المشهدية واضحة في الرواية، فهل جاء بذهنك تحويل النص إلى عمل فني؟

أعتقد أنني من الروائيين الذين يميلون في الفن الروائي إلى توليف النص بالمشهدية من دون الاكتفاء بالسردية بحد ذاتها، لذلك يجد البعض في أسلوبي الروائي شيئاً من مشهدية درامية تنساب بعفوية غير مفتعلة، وهذا أمر يسعدني كونه يشكل بصمة خاصة بي.

«أمان بين القضبان، خير من حرية محفوفة بالمخاطر، أشبع نوماً أيها الكسول».. مقولة لك بالرواية... فهل ترين أن الحرية اليوم ما زالت محفوفة بالمخاطر؟

أظنّ أن المخاطر اليوم ستبقى تهدد المجتمعات التي تدعو إلى التحرر من الأنظمة الظالمة، ما دامت هذه الأنظمة لم تسع إلى التقرب من شعوبها والانفتاح على مطالبهم وتأمين أبسط شروط العيش بكرامة لهم، وللأسف هذا ما يشهده بعض البلدان العربية التي نتمنى لها السلام والأمان فقط.

ذاكرة هذيان

أصدرت رواية «ذاكرة هذيان»، فكيف تبدو العلاقة بين ذاكرتك وبين ما تكتبين وإلى أي مدى ينتابك الحرص على وجود الذاكرة في كتاباتك؟

ليس أدل على وجود «الذاكرة» في كتاباتي من تخصيص رواية كاملة صدرت بعنوان «هذيان ذاكرة»، فالذاكرة ليست استعادة لأحداث الماضي وإنما هي تأصيل له برؤية ومعطيات جديدة. نشعر بما كان يمكن أن يكون وما يمكن أن يُحذف أو ينسى أو يستأصل، إلا أننا ونحن بهذه الحال لا نكف عن رسم ملامح صور أحببناها فنعيد تلوينها وتلميعها. كذلك نحاول إخفاء بعض ظلالها التي تيبست وجفّت ولم تعد بتلك الحيوية الحارة التي كانت عليها ذات مرة. بهذا المعنى نحن أسرى ذكرياتنا لا ذاكرتنا، وثمة تفاصيل في الحياة ترافقنا وتنمو معنا، تكبر إذ نكبر، إلا أنها لا تهرم حين نهرم وإنما تستمرّ صبية كصورة حبيب لا تكف عن الحضور والإطلالة مرة تلو أخرى، تضيء عتمة المفارق وتنثر سناها عند كل غروب في منعطفات الحياة. قلت الذكرى وليست الذاكرة لسبب ما، أجد الذكرى تستمر معنا بينما الذاكرة تخوننا أحياناً.

ذكرت أننا محكومون بالماضي مشدودون إلى المستقبل ومع ذلك ترفضين تكرار التاريخ ووقائعه؟

لا أحد يستطيع أن يتفلّت من ماضيه وينشدّ إلى مستقبله. الماضي ذاكرتنا والمستقبل أمانينا وإننا بين ذاكرتنا وأمانينا نمد أحلامنا كما نفرش مآسينا الماضية، نتأمل فيها، نجعلها درساً لنا يجنبنا الوقوع في الأخطاء ذاتها مرة أخرى. أما عن تكرار التاريخ أحداثه، فإنه واقع ينزل بالأمم والشعوب كما الأفراد، وتكرار النتائج إنما يكون بتكرار الأسباب، وكلما تجنبنا تكرار الأخيرة تجنبنا النتائج ذاتها.

ما مدى التماس بينك وبين شخصيات رواياتك؟

لا شك في أن كل روائي يضع جزءًا من ذاته داخل رواياته، ويحمِّل أبطالها كثيراً من أفكاره وأعبائه، وهذا يتجلى في أعمال روائية عدة، ولو بنسب متفاوتة، فالروائي يتماهى أحيانًا مع شخصياته إلى حد بعيد وأحيانًا أخرى يكون معها في حالة مد وجزر، وهذا ما ينطبق عليّ شخصيًا.

القارئ الافتراضي

تتوجه نرمين الخنسا بكتاباتها إلى محيطها الذي تنتمي إليه ولا تعتقد بوجود قارئ افتراضي، وتقول في هذا السياق: «يبدأ القارئ من الروائي نفسه، ومن البيئة التي يعيش فيها، والمحيط الذي ينتمي إليه، والأمة التي هو جزء منها، والثقافة التي تشكل وعيه، والعالم الذي أمسى قرية كونية. بهذا المعنى أراني بصدق أقترب برواياتي من البيئتين اللبنانية والمصرية، والبيئة العربية عموماً. ومن نافل القول إن الروايات في العالم أخذت حيزاً كبيراً، ما جعلني كغيري من الروائيين أصوب إلى القارئ في القضايا الإنسانية البسيطة التي يحدث أنها تجري في كل مكان في العالم».

والخنسا عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين، أصدرت سبع روايات نال بعضها جوائز، كذلك دُرِّس بعضها في المناهج التعليمية، ومن بينها «شخص آخر، ساعة مرمورة، هذيان ذاكرة، نصيبك في الجنة، مرآة عشتروت»، وغيرها.

back to top