فُوّة يا دم! لسمير نقاش... الروائيّ مؤرخاً اللهجة البغداديَّة

نشر في 07-02-2011 | 00:00
آخر تحديث 07-02-2011 | 00:00
صدرت حديثاً عن «دار الجمل» (بيروت) رواية «فُوّة يا دم!» للكاتب العراقي سمير نقاش... والعنوان استعارة صيغت على شكل نداء من نداءات الباعة، فالفوّة نبات أحمر السيقان، يُستعمل في الصباغة، أما الدم فسلعة يُنادى عليها في الأسواق تشبيهاً بهذه النبتة الحمراء للترغيب فيها!

تدور أحداث رواية سمير نقاش، في العاصمة العراقية بغداد أواخر ثلاثينات القرن العشرين، حول ثلاثة رجال من عامة الشعب البسطاء، يجابه كل منهم ذات صباح يوم أحد مشهود تجربة غيبية رهيبة مروعة، فيأتي الثلاثة إلى دكان شاي خليف ليستفتوا أخاه سَفاني، الثائر المتمرد على أخطاء الكون، عرّافهم الأكبر وكاهنهم الأعظم، في ما عانوه وشاهدوه، لكنهم عوضاً عن أن يلتقوا بسفاني (بطل الرواية)، تطالعهم كف دموية مبصومة على طاولة الدكان، فيتوقف بهم الزمن عند يوم الأحد ذاك.

من العنوان مروراً بالنص، يتبين أن معرفة الروائي عميقة بتأريخ العامية العراقية بمختلف مشاربها، ما يجعل القارئ أمام معجم لمفردات بغدادية تحتاج شرحاً وتمعناً (ربما تضجر القارئ).

يُذكر أن رواية نقاش «نزولة وخيط الشيطان» بمثابة رائعة أدبية وقاموس شامل للعامية العراقية، وفيها قسّم المؤلف الصفحة الى نصفين، الأول لنص الرواية والثاني لشرح الألفاظ العامية العراقية...

نقاش هو اليهودي (العربي) الذي أجبرته السياسات القبلية على الهجرة الى إسرائيل والعيش في المنافي بين الهند وإيران وبريطانيا وإسرائيل، وبحسب كثر من محبي كتاباته تدل اللغة في رواياته على زمن عراقي ضاع في غفلة كأنه يرثي بغداد المدينة التي أمضى فيها طفولته، وهو الذي سطّر العامية «الإسلامية واليهودية» في رواياته هذه بعناية وحب ودعمها بالشروح اللازمة لمن لا يفهم لهجاته، وهو أيضاً اهتمّ بتراث العراق، خصوصاً في رسالته للدكتوراه التي كانت بعنوان «الجن وكافة القوى الغيبية في معتقدات يهود بغداد»، وقدّم حكايات الطفولة البغدادية في جريدة «المؤتمر» بخمس حلقات ومقال عن الزلابية والسمبوسك، وأخرى عن حلوة العيد وأغنية العرس والأسطورة وبحث عن أبي نواس وحبه لجنان، وأخرى عن الحكاية الشعبية وقصة أطفال وقصة هزلية ومقال عن الدراسة التقليدية في العراق، وأخرى عن ممارسات سحرية بغدادية. وفي هذا المجال يقول نقاش: «هل يمكن لأحد أن يخرج من جلده؟ أنا كإنسان، عراقي أصيل بكل جوارحي، أحمل تاريخاً شديد القدم من العراقية، تكويني كله عراقي، لغتي، عاداتي، الطعام الذي أحبه، الموسيقى التي أفضلها، الأناس الذين أرتاح إليهم، ذلك كله عراقي بحت. أما ككاتب فأعتقد أن على كل كاتب أن يطمح إلى الشمولية الإنسانية والعالمية».

نقاش اليهودي الذي أصر على تدوين أفكاره بالعربية، يعتبر «اللغة هي أقوى أدوات الكتابة»، ويضيف: «ليس بمقدوري استحضار الكلمات مثلما أستحضرها من لغتي العربية، ولهذا أنا وصلت الى ما لم يكن بمقدورهم الوصول إليه». وهو يرى أن ما يكتبه من مفردات هو لغة البغداديين العباسية، وأن اليهود ظلوا يتداولونها حتى في مهاجرهم ومنافيهم.

وُلد نقاش في بغداد عام 1938 وعاش طفولته الأولى في حي البتاوين بين القصر الأبيض وساحة النصر. وهو ينتمي إلى أسرة بغدادية يهودية، تنحدر بنسبها إلى بداية العصر العباسي. يقول نقاش إن مهنة جده الصائغ وإتقانه النقش الفني، هما اللذان أعطيا العائلة اسمها الجديد. ويفتخر بأن جده هو الذي نقش منائر جامع الكاظمين السبع.

بدأ نقاش تعليمه في مدرسة تابعة للطائفة اليهودية في بغداد، وانتقل منها إلى مدرسة مدنية يملكها أستاذ لبناني. عام 1941، وقعت اضطرابات «الفرهود» ضد اليهود العراقيين، وكانت بداية سلسلة من الحوادث تواطأ فيها جهل العامة مع تصميم الوكالة اليهودية على تهجير اليهود العراقيين بأي ثمن إلى إسرائيل. وفي عام 1950 قررت الحكومة العراقية إسقاط الجنسية العراقية عمن يرغب منهم وتسهيل سفره إلى إسرائيل. فغادرت عائلة نقاش مضطرة إلى إسرائيل في عام 1951 وسمير لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر. ومنذ وصولها إلى إسرائيل واستقبالها في مخيمات اللاجئين، حاول والد سمير بشتى الوسائل مغادرة الدولة العبرية من دون جدوى. يقول سمير نقاش: «قرار مغادرة إسرائيل ليس فجائياً، ولا علاقة له بالسياسة ولا بالأدب. إنه قرار قديم منذ وطئت أقدامنا أرض إسرائيل، قررت العائلة مغادرتها. وبذل والدي مجهوداً جباراً مع مجموعة من مثقفي العراق للخروج، بيد أن إسرائيل أحبطت كل هذه المحاولات، ولم يصمد والدي أمام هذه الصدمة، فمات مبكراً عام 1953 إثر نزيف في الدماغ».

بعد عام من ذلك، حاول سمير مع ابن عم له مغادرة إسرائيل على الأقدام إلى لبنان، لكن السلطات اللبنانية اعتقلته وأودع السجن ستة أشهر وأعيد بعدها إلى إسرائيل التي اعتقلته بدورها خمسة أشهر وعذّبته بتهمة الجاسوسية.

في بريطانيا، أقام نقاش لمدة أربع سنوات وعمل في إحدى صحف المعارضة العراقية. ومع انتقال هذه الصحيفة مع كثير من كتابها إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ضاقت السبل في وجهه وصعبت عليه تكاليف المعيشة والعلاج في بريطانيا فعاد إلى إسرائيل مضطراً وموقتاً، لكنه مات بعد أقل من شهرين من وصوله إلى بلدة بتاح تكفا أو «بيت التقوى» كما كان يصر أن يسميها بإسمها الأصلي.

من قصصه

- «أنا وهؤلاء والفصام» - قصص عراقية 1978.

- «نزولة وخيط الشيطان» - رواية عراقية 1986.

- «قوة يادم» - قصة عراقية 1957.

- «الرجس» - رواية 1978.

- «عورة الملائكة» - رواية عن «دار الجمل» في ألمانيا 1991.

- «شلومو الكردي وأنا والزمن» – روايته الأخيرة صادرة عن «دار الجمل» عام 2004.

back to top