الشاعر جمال فتحي: الإنسان جوهر أي كتابة

نشر في 25-05-2016
آخر تحديث 25-05-2016 | 00:10
فوجئ الوسط الثقافي المصري بإصدار الشاعر جمال فتحي ديواناً باللغة العربية الفصحى بعنوان «فور العثور على قدمي» عن «الدار» للنشر، بعدما كرّس اسمه شاعراً يكتب بالعامية المصرية، وأصدر أربعة دواوين.
لا يعتبر فتحي الذي تخرج في معقل اللغة العربية «كلية دار العلوم»، أن ذلك انحراف عن المسار أو من قبيل التوبة الأدبية، بل يؤكد أن كل تجربة تختار قالبها وثوبها اللغوي.
لجمال أيضاً ديوان عامية أخير تحت الطبع بعنوان «مكتوب غياب»، وقدّم للقارئ تجربة واحدة في الأدب الساخر عام 2012 بعنوان «شفاء الموجوع في أحوال دولة المخلوع».
أنت خريج دار العلوم، ولكنك أصدرت أربعة دواوين بالعامية، ثم عدت الآن لتصدر أول دواوينك بالفصحى، هل هو تعديل مسار في الكتابة؟

ليس تعديلاً للمسار، فأنا لم أنحرف عن مساري لأعود لتعديله. كل ما في الأمر أنني ما زلت أبحث عن نفسي وأحاول اكتشاف المزيد عنها وعن الحياة عبر الكتابة. سواء خرجت القصيدة بالفصحى أو بالعامية فلا يجب أن نسأل لماذا، فلا مجال لهذا السؤال في الأدب. مساءلة التجربة عن جنسها وقالبها اللغوي أمر غير جائز، بل علينا مساءلتها أدبياً وفنياً عما حققته من شروط الشاعرية الحقيقية، وعن كيفية طرحها وليس عن جنسها أو تصنيفها. محاولة الوصول إلى جوهر الشعر هو المبتغى، ثم لا نسأل عن الوسيلة أو شكل القصيدة ولغتها عامية كانت أو فصحى.

ما الذي تقدمه للقارئ في ديوانك الجديد «فور العثور على قدمي»؟

ديواني «فور العثور على قدمي» عبارة عن مجموعة قصائد نثرية، لا يمثّل تجربة واحدة بل ينطوي على مجموعة تجارب تسير في مسارات متوازية نحو محطة شعرية تلتقي عندها المسارات كافة في النهاية، وتلك المحطة هي «الإنسان». والإنسان عندي مشروع المشاريع، أعشق الكتابة التي تفسره وتسجل حزنه وسعادته ودهشته وخوفه إلى آخره، لذا لا أؤمن بكتابة تتجاهل الإنسان مهما كانت جميلة.

هل سيمنعك الالتفات إلى الفصحى الآن عن استكمال مشروعك في شعر العامية؟

لي مشروعي الذي أسعى إلى استكماله بخصوص شعر العامية المصرية، وحاولت في كل ديوان أن أخطو خطوة في اتجاه ذلك المشروع. وفي العامية لي لغتي الخاصة جداً. لا تشبه تجربتي تجارب أحد، وأسجل فيها تجربة شاعر العامية ابن المدينة وآلامها وأحزانها وصراعاتها وتفاصيلها وجدرانها بلغة محايدة يفهمها الجميع، لا تسيطر عليها لهجة معينة من لهجات أهل مصر، كما لدى كثير من شعراء العامية المصريين، خصوصاً من أهل الصعيد أو البدو. وأعتقد أنني لن أنشغل عن ذلك المشروع لأي سبب من الأسباب إطلاقاً، فثمة تحت الطبع ديوان «مكتوب غياب» بالعامية المصرية. عموماً، لا محطة نهائية مع الأدب أبداً. كل ما في الأمر أن التجربة تستدعي ثوبها اللغوي وقالبها الفني ولكل تجربة عالمها الخاص، وأعتقد أن ملامح مشروع المبدع في النهاية تتضح مع اكتمال تلك التجارب كافة.

وسيلة وتقييم

صدر لك كتاب وحيد في الأدب الساخر منذ سنوات قليلة، فماذا عنه؟

لي تجربة وحيدة في الأدب الساخر هي «شفاء الموجوع في أحوال دولة المخلوع» الصادر في 2012. صدر الكتاب في زخم الثورة، وأتمنى أن يحصل على نصيبه من القراءة، وكانت لي فيه مغامرة أخرى بالبحث في كتابة مغايرة ومختلفة وتسجيل موقف سياسي ووطني عبر الكتابة الساخرة.

كيف تنظر إلى الكتابة، وهل هي وسيلة لهدف أكبر أم غاية في ذاتها؟

الكتابة مغامرة ممتعة وربما تكون لعبة مفيدة يلعبها الكاتب أو الشاعر مع نفسه ومع العالم، وهي اكتشاف دائم ومحاولة للبحث عن عوالم أفضل وأرقى وأجمل، وهي هروب دائم من كل قبيح.

تصنع الكتابة المعجزات في خيال الكاتب أو الشاعر وتجعله يعيش في عالم أفضل لم يستطع تحقيقه في الواقع، وهي جهاز تنفس اصطناعي حينما يختنق الكاتب من هواء الواقع الملوث، وما ينطبق على الكتابة بشكل عام ينطبق على الشعر بشكل أكثر عمقاً، فالشعر يمثل لي طوق نجاة وملاذاً أخيراً وثورة مستمرة على القبح، وقصيدتي «رئة ثالثة» ميزني بها رب العالمين عن بقية خلقه.

ما تقييمك لمشهد قصيدة النثر الآن؟

انتقلت قصيدة النثر من اضطهاد الهامش إلى إبداع المتن، وعليها الآن أن تواصل تأكيد جمالياتها وأن تصنع تراكمها الإبداعي الذي يبرهن على حضورها ومساحتها المستحقة في تاريخ الشعر العربي. وثمة عدد كبير من المبدعين أصحاب التجارب المميزة والأصوات الشعرية اللافتة، وهذا لا يمنع من وجود كم كبير من الإبداعات التي تمثل عبئاً على تاريخ تلك القصيدة لم يفهم أصحابها المراد الحقيقي بجوهر الشعر ولا روح قصيدة النثر ومغزاها.

كيف ترى سيطرة الرواية على المشهد الإبداعي بهذا الشكل على حساب الشعر؟

نعم، حازت الرواية مساحة كبيرة وصارت النوع الأدبي الأكثر رواجاً وشهرة وذاعت شهرة الروائيين على حساب الشعراء. لكنّ أسباب ذلك متعددة ومتداخلة. ورغم وجود كثير من الأعمال الروائية العظيمة، فإن جزءاً كبيراً من ذلك الحضور والزخم زائف وغير حقيقي، وهو انتشار مصطنع قائم على وسائل دعاية زائفة تعتمد على مقولات حاكمة عن سيطرة الرواية وانتشارها، مع بعض العناوين البراقة والأغلفة اللافتة، وطبعاً هذا كله لا ينطبق على الروايات العظيمة والروائيين الرائعين.

لماذا تأخرت عضويتك في اتحاد الكتّاب إلى الآن؟

اتحاد الكتاب المصري «كائن هلامي»، وغالبية المبدعين الكبار غير مشغولين به وبعضويتهم فيه. أتمنى عضوية اتحاد كتّاب مصر الذي أطمح إليه، وأذكر أن في كل موسم انتخابات تأتيني عشرات الرسائل تطلب التصويت لأصحابها في مجلس الإدارة رغم أني لست عضواً فيه. عموماً، أقترح تفكيكه وتأسيسه من جديد على معايير حقيقية وانتخابات شفافة وبرنامج يخدم الثقافة والفكر والإبداع المصري، هذا أفضل من استمراره بشكل يدعو إلى البؤس، فهو مسمى كبير ومضمون بائس.

هل تعتقد أن كم الجوائز المرصود للرواية نافع دائماً؟

نعم، ثمة روائيون نبتت مواهبهم على ضفاف الجوائز. هم «روائيو الجوائز»، الذين حولوا كتابة الرواية إلى «أكل عيش» للأسف. لكن ليس معنى هذا ذم الجوائز الكثيرة في الوطن العربي، بل على العكس، يكفي للجوائز أنها تساعد بعض الكتاب في مواصلة جهدهم وتساهم في جذب عدد أكبر من القراء في زمن تقل فيه القراءة بشكل عام.

السؤال عن شكل الكتابة غير جائز أدبياً

قصيدة النثر انتقلت من اضطهاد الهامش إلى إبداع المتن
back to top