قانون يعقوب يشق «المحامين»

مجلس إدارة الجمعية يصدر «بيان مجاملة»... و4 أعضاء تبرأوا منه
● المتبرئون أكدوا استقلالية القضاء... وحق التعبير عن الرأي وحرية الصحافة اللذين كفلهما الدستور

نشر في 25-05-2016
آخر تحديث 25-05-2016 | 00:09
في حين أعلن مجلس إدارة جمعية المحامين الكويتية، أمس الأول، دعمه الكامل لمشروع قانون مجلس الدولة المعد من وزير العدل وزير الأوقاف يعقوب الصانع وموافقته على نصوصه لعدم تعارضها مع الدستور، ومطالبته الصحافة بالتوقف عن مناقشة القوانين عبر الصحف والالتزام بمناقشتها داخل قبة البرلمان، أعلن أربعة من مجلس إدارة الجمعية، المكون من تسعة أعضاء، عدم علمهم بالبيان الصادر عن الجمعية، ورفضهم لما جاء فيه.

وأصدر الأعضاء الأربعة، وهم وسمي الوسمي ودعيج الكندري ومبارك الخشاب وعبدالرحمن البراك، بياناً قالوا فيه: "إننا نؤكد ان جمعية المحامين الكويتية كانت ولا تزال المدافع الاول عن الحقوق والحريات والدستور، كما أننا نستغرب صدور بيان باسم الجمعية دون عرضه علينا في مجلس الادارة".

وأضاف البيان "ونؤكد أن حق التعبير عن الرأي وحرية الصحافة كفلهما الدستور، ولن نقبل المساس بالحريات او الحجر على آرائنا، فدورنا هو الحفاظ على الحريات لا الحد منها، وان للصحافة دورا حقيقيا في تناول كل القضايا العامة وفق ما كفله لها الدستور في المادتين 36 و37".

وتابع "ونحن إذ نثمن دور وزير العدل بتفعيل الماده 171 من الدستور بإنشاء مجلس الدولة على ان يكون أساسه تحقيق المزيد من الحريات والحفاظ على الحقوق المكتسبة لتحقيق الغاية الدستورية من إنشائه، وضمان تحقيق كل السبل للاستقلال الكامل للسلطة القضائية وكل اجهزتها، نشدد على اهمية أخذ رأي أهل الاختصاص خصوصاً من الزملاء المحامين، لظهور قانون متكامل".

وكانت جمعية المحامين أصدرت مساء أمس الأول بيانا دافعت فيه عن الوزير الصانع، وباركت مشروع قانون مجلس الدولة وعدم تعارضه مع الدستور، وجاء نص بيان الجمعية كالآتي:

"لقد آن الأوان إلى ضرورة مراعاة وتَبَني التشريعات التي تُحقق تطور العمل القضائي، الذي أضحى من الضرورات الملحة التي دعت إليها الوقائع المطروحة أمام القضاء، بما يَكفُل الوصول إلى أعلى درجات العدالة.

ضرورة ملحة

من هذا المنطلق، ونظراً إلى أننا في دولة الكويت لم نحظ بصدور مثل هذا القانون، وذلك على الرغم من أن الدستور يُقِر إنشاءه، بموجب المادة (171) منه، والتي تنص على أنه: (يجوز بقانون إنشاء مجلس دولة يختص بوظائف القضاء الإداري والإفتاء والصياغة)، وعلى الرغم من الرغبة المُلِحَة، والضرورة المُلجِئَة، وتَكاثُر أعداد القضايا الإدارية التي أثقلت كاهل القضاة، وأرّقت نفوس المتقاضين، فإنه لم يتم تفعيل هذا النص بإنشاء مجلس الدولة، وإنما تم الاكتفاء بالدوائر الإدارية بالمحاكم.

وتداولت بعض الصحف أن هناك مقترحاً حكومياً بقانون لإنشاء مجلس الدولة؛ وهو ما يُبَشر بالخير، ويُشعر بالتفاؤل والفخر حين نرى وزير العدل يسعى إلى تحقيق العدالة والقانون دستورياً بإنشاء مجلسٍ للدولة على غرار مجلس الدولة الفرنسي الذي بدأ رسمياً من عام 1889، أو مجلس الدولة المصري الذي أنشئ عام 1946.

إلا أنه، وقبل أن يظهر هذا المشروع إلى النور، وجدنا من يحاول وأده في مهده، بدعوى أن هذا المشروع بقانون ينتقص من استقلال القضاء، وأنه محاولة لهيمنة الحكومة على مرفق القضاء. فانطلقت التصريحات الصحافية مدويّة على نحو يجعلنا نشتم منها رائحة النيل من مقترح القانون، ومقدمه.

قبة البرلمان

والحقيقة أن ساحات الصحافة ليست مجالاً لمناقشة هذا الأمر من جوانبه المتعددة، بل إن قبة البرلمان هي وحدها التي يُتاح فيها لكل نائب برلماني أن يُدلِي برأيه في مشروع القانون المُقتَرَح رفضاً أو قبولاً، شريطةَ أن يكون هذا الرأي مبنياً على أُسس علمية وواقعية تحمله، وله ما يسوغه من مبررات وأسانيد مُعتَبَرة في فقه التشريع ووفقاً لأصول العمل البرلماني.

ولا سيما أن نص المادة 98 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد نصت على عرض مشروع القانون المقدم من الحكومة أو الذي يقترحه الأعضاء على المجلس للنظر في إحالته إلى اللجان المختصة.

لذا، فإن الحكومة حال تقديمها لمشروع قانون إلى المجلس، لا يتم البت فيه إلا إذا تم عرضه على المجلس، وليرى أعضاء المجلس بشأنه ما يرون، تمهيداً لإحالته إلى اللجان المختصة لدراسته، والوقوف على صلاحيته من عدمه.

وعلى ذلك، فإن دور النائب البرلماني - كرقيب ثم كمشرع - يكون تحت قبة البرلمان، وحتى يستخدم أدواته القانونية والدستورية في مجابهة ما يرى وجوب مجابهته، ومناقشته بموضوعية ودراية.

وعليه فإن الحكومة، بما لها من اختصاصات منحها لها الدستور، لها الحق في تقديم مقترحاتٍ بتشريعات، وللنواب الحق في الرقابة ومناقشة هذه التشريعات، وإبداء الرأي بشأنها قبولاً أو رفضاً.

فلكلٍّ دور أناطه به الدستور، والأصل في التشريع هو للسلطة التشريعية، ثم للسلطة التنفيذية حال غياب الأولى؛ وذلك أننا في دولة مؤسسات دستورية سراجها وميثاقها الدستور.

استقلال القضاء

 

 فإن استقلال القضاء أمر مستقر في كل المواثيق الدولية والقواعد الدستورية، ولكننا نرى أن هناك خلطاً بين مفهوم استقلال القضاء في العمل القضائي الفني والذي لا سلطان لأحد فيه على القاضي وهو مقرر بالدستور، فلا يجوز مخالفته تشريعياً ولا تنفيذياً وإلا عُد أمراً غير دستوري، وبين ما يتعلق بإدارة مرفق القضاء كمرفق عام من مرافق الدولة، والذي حددت بعض مقوماته المادة (17) من قانون السلطة القضائية فيما يتعلق بتعيين القضاة وأعضاء النيابة وترقيتهم ونقلهم وندبهم وما إلى ذلك، دون أن يمس ذلك طبيعة وصنوان عملهم القضائي البحت.

لذلك فاستقلال القضاء أمر أساسي دستورياً، ولا سبيل للنيل من هذا الاستقلال من أي جهة كانت.

وعليه فمن الأجدر بالجميع قبل أن يتعرضوا لمشروع القانون المُقتَرَح بإنشاء مجلس الدولة بالنقد الهّدام أن يطّلعوا عليه أولاً، وأن يدرسوه حق دراسته. 

أهل الاختصاص

وغني عن البيان أن مشروعا يجب أن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان، الأمر الذي يجعل من الأهمية بمكان ضرورة الاستماع لكل الآراء لأهل الاختصاص، ولا سيما من السادة المحامين والقضاة، وهو ما تشدد معه جمعية المحامين الكويتية على ضرورة أن يتم مشاركتهم في إبداء الرأي والمشورة حول صلاحية المشروع، وتقديم اقتراحاتهم في كل الجوانب العلمية والعملية المتعلقة به. 

وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون مجلس الدولة المُقتَرَح، لا يمكن - بحال من الأحوال- أن يخرج عن إطار الدستور، وإلا كان مصيره هو والعدم سواء؛ وذلك إذا ما شابه عيب عدم الدستورية والجهة الوحيدة المنوط بها هي المحكمة الدستورية باعتبارها أعلى جهةٍ قضائية في الدولة لتُقَرر مدى توافقه مع الدستور من عدمه.

أما هذا الاستباق المثبط للهمم والمُعارِض لكل تحديث، لا يأتي ِبخير، ولن يحقق لنا التطور التشريعي المنشود.

وجمعية المحامين تؤكد في هذا السياق ضرورة التروي والتريث في الحكم على مشروع إنشاء مجلس الدولة الجديد، والذي سيحقق حُلماً لطالما راود القانونين (محامين وقضاة) والمتقاضين في قضاءٍ متخصص، يكون ندّاً لأمثاله في العالم المتحضر".

بيان الجمعية خالف الدستور بمطالبته الصحافة بعدم التعرض للقوانين
back to top