خطة الإصلاح الاقتصادي في السعودية: «إدمان النفط» يتحدى التغيير ويبعد الموارد عن التنويع

نشر في 24-05-2016
آخر تحديث 24-05-2016 | 00:00
حظيت خطة الإصلاح الاقتصادي التي أعلنتها المملكة العربية السعودية أخيرا بكثير من الاهتمام والمتابعة السياسية والإعلامية. ويرى خبراء الاقتصاد أنها تمثل أكثر من مجرد جهد يرمي الى تحسين أوضاع المملكة، فهي في رأيهم خطوة ترسم حدا فاصلا في المسار المستقبلي للبلاد.

وقد تناولت لورا القطيري، الباحثة في معهد أكسفورد للطاقة في مقال لها في دورية «هارفارد بزنس ريفيو» بالتحليل هذه الخطة الإصلاحية، وهذا ما تضمنه المقال.

التعديل الحكومي الذي أجري في السعودية مطلع الشهر الجاري يمثل نقلة لافتة في عملية إعادة هيكلة أساسية تركز بجلاء على إصلاح الاقتصاد الذي يعتمد بشكل مكثف على النفط. وتكشف عملية الإصلاح هذه عن طبيعة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الرياض بشكل متزايد. ويتعين، في هذا الصدد، النظر الى الشهور الماضية من أجل فهم مدى جهود الاصلاح المشار اليها وأبعادها.

ففي مطلع سنة 2016 بدأت السعودية باستعراض القطاعات الاقتصادية المتعددة، بما في ذلك الطاقة وسوق العمل والتقاعد والصحة. وأعلنت في شهر يناير الماضي عن خفض واسع في الدعم المقدم الى قطاعي الطاقة والمياه، وكان ذلك إجراء مستبعد من قبل ساسة منطقة الخليج قبل بضع سنوات فقط. وكانت قدرة الدولة على رعاية مواطنيها عبر توفير الوظائف والاعانات والطاقة الرخيصة من العناصر الجوهرية بالنسبة الى المجتمع السعودي وإلى الاقتصاد السياسي في دول الخليج المنتجة للنفط على مدى عقود من الزمن. وفي شهر مارس المنصرم أعلنت المملكة رؤية 2030، وهي خطة إصلاح شاملة تهدف الى تقليص اعتماد البلاد التاريخي على النفط وفي مدى سريع.

وتماشيا مع هذه الخطوات التي يبعد كثير منها عن طبيعة السياسة المستقرة لعقود في المملكة، حدثت تغيرات أخرى رئيسية في بنية الحكومة السعودية تشير الى عزم القيادة على المضي قدماً في الاصلاح. وعلى سبيل المثال شملت تلك الخطوة استبدال وزير النفط المحنك علي النعيمي بالسيد خالد الفالح الذي أصبح وزيرا لوزارة بديلة حملت إسم وزارة الطاقة والصناعة والموارد المعدنية – وهي تجمع بين وزارتي البترول والكهرباء والماء، اللتين تم الغاؤهما في التعديلات الهيكلية الجديدة.

لماذا الآن؟

إن توقيت هذه الإصلاحات ليس مصادفة، فالسعودية تعتمد على صادرات النفط في أكثر من 90 في المئة من الإيرادات الحكومية ما يجعل ميزانية السعودية – والدولة نفسها – معتمدة بشكل استثنائي على هذا المصدر الوحيد للدخل. وتؤثر التقلبات الكبيرة في أسعار النفط العالمية على السعودية بصورة حادة، كما أن صادراتها النفطية تحدد قوتها المالية.

وتسهم احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية – التي بلغت وفق تقديرات صندوق النقد الدولي في شهر مارس الماضي حوالي 570 مليار دولار - في حمايتها من العواقب الفورية لهبوط أسعار النفط لسنوات عديدة مقبلة. ولكن من الواضح أن عملية السحب من الاحتياطيات الأجنبية مع استمرار الاقتصاد في العمل بصورته العادية ليست خيارا قابلا للحياة في الأجل الطويل. وقد سحبت السعودية في الفترة ما بين مارس 2015 ومارس 2016 أكثر من 100 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية – أي نحو سدس القيمة الاجمالية لموجوداتها الاحتياطية قبل سنة خلت.

هل ستنجح الخطة؟

لا يتفق كل المراقبين الخارجيين على إمكان تنفيذ الخطوات الإصلاحية الأخيرة في المملكة. وتكمن المشكلة في درجة طموح الرؤى الكبرى والخطط العملاقة التي أعلنتها الحكومة، وإمكان إنجازها

لاسيما في ظل اقتصاد كبير ومعقد من الناحية السكانية والاقتصادية، فالمملكة العربية السعودية، خلافا للدول الأصغر في الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، لديها مجتمع أقل تجانسا من الناحية الاقتصادية، وإضافة إلى ذلك، فإنه عليها أن تتعامل مع صناعات كبرى ورثت هياكل تقليدية مستقرة، فضلا عن صعوبة إحداث تحولات في هياكل التعليم وسوق العمل، فهذه تتطلب سنوات عديدة من أجل إصلاحها.

ولكن ليست هناك عملية إصلاح اقتصادي خالية من الألم والمتاعب، بما في ذلك ما تنوي السعودية التصدي له. ولهذا السبب فان السنوات اللاحقة لعام 2030، أي المرحلة الثانية من الاصلاح اذا جاز التعبير – ستكون هي المرحلة الأكثر تعقيدا. ذلك أن ترجمة الأهداف إلى سياسات والاستجابة للبيئة الاقتصادية المتغيرة ستتطلب دورا أقل للدولة بدلا من المزيد من تدخل الدولة، وهذا أمر قد يتعذر تنفيذه من خلال بوابة قرارات الدولة المركزية، وقد يتطلب وجود أجهزة بيروقراطية احترافية، كفؤة ومقتدرة وخاضعة للمساءلة.

ومن المفارقات هنا، أنه على الرغم من أن انخفاض أسعار النفط قد حفز هذا التوجه نحو التغيير، فإن من المرجح أن يحد انخفاض الايرادات من النفط من قدرة المملكة العربية السعودية على احداث التنويع المأمول في اقتصادها. وبسبب «إدمان البلاد على النفط» وهو التعبير الذي استخدمه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلة أجريت معه أخيرا، ابتعدت الموارد المالية والموارد البشرية عن التوجه الى قطاعات النشاط التي كان من الممكن لها أن تمكن المملكة يوما ما من تقليل اعتمادها على عائدات النفط. إن الإيرادات الحكومية المنخفضة نتيجة لانخفاض أسعار النفط العالمية ستعني أيضا أن المملكة لن تتمكن من مواصلة الإنفاق بسخاء على الاستثمار في رأس المال البشري، وعلى دعم النشاط الاقتصادي داخل المملكة، ولاشك في أن التوقعات باستمرار قدرة القطاع العام على توفير الوظائف في المستقبل تعد مبالغ فيها بالفعل.

التطورات الأخيرة في «أرامكو»

يعتبر قرار إدراج حصة من شركة أرامكو في أسواق الأسهم العامة خطوة مهمة بالنسبة الى تمهيد الطريق نحو اعادة تحديد العلاقة بين النفط والاقتصاد والدولة. وسيكون طرح «أرامكو» في عرض اكتتاب أولي جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف الى نقل مصدر الدخل الرئيس للبلاد من عوائد النفط الى دخل يعتمد على صندوق استثمار يمكن إدارته على غرار صناديق الثروة السيادية الكبيرة الأخرى.

ومن شبه المؤكد أيضا أن ما قد يترتب على ذلك قد يؤثر على الموقف السياسي للمملكة العربية السعودية على الصعيد الدولي، فاحتمال ملكية أطراف أجنبية لـ «أرامكو» أو غيرها من الأصول السعودية الكبرى قد يؤدي الى ظهور مصالح استراتيجية للبلدان المستثمرة في توفر مزيد من الاستقرار السياسي في المملكة. أضف الى ذلك أن نجاح المملكة في تنفيذ خطط الاصلاح المعلنة قد يعني إعادة صياغة العقد الاجتماعي والسياسي التاريخي، من خلال إعادة تعريف دور النفط، واعادة رسم الدور الذي ينبغي على الدولة أن تؤديه في الاقتصاد السعودي.

ويبدو أن من المبكر جداً طرح تقييم شامل بخصوص جدوى هذه العملية أو كيفية تطورها، ولكننا سوف نعلم خلال السنوات المقبلة ما اذا كانت ستحقق النجاح المرجو منها، أو ما اذا كانت تعترضها صعوبات.

التغييرات في بنية الحكومة وهياكل وزاراتها تؤكد عزم القيادة على الإصلاح

رؤى كبرى وخطط عملاقة يواجهها إرث اقتصادي وتعليمي ومهني مستعص

خلال السنة المنتهية في مارس 2016 استهلكت المملكة سُدس ثروتها السيادية
back to top