الغنوشي: خطوة صادقة وليست مناورة تكتيكية!

نشر في 23-05-2016
آخر تحديث 23-05-2016 | 00:00
 صالح القلاب حتى في تونس نفسها، فإن هناك من يشكك في الخطوة التي أقدم عليها راشد الغنوشي بتحويل حركة النهضة حزباً سياسياً "مدنياً" لا علاقة له بالإخوان المسلمين، وحقيقة أن هذا الرأي هو تشكيك من دون أي أدلة، وأن الأمر قد يتعلق بالمشاغبة على هذا التنظيم، لقطع الطريق عليه قبل الانتخابات المحلية والرئاسية المقبلة، اللتين سيخوض غمار معركتيهما على أغلب الظن.

وهنا فإن ما تجب الإشارة إليه هو أن الغنوشي لم يبدأ "إسلاموياً" ولا "إخوانياً"، بل بدأ أولاً ناصرياً ثم اشتراكياً كرئيس لفرع حزب الاتحاد الاشتراكي، وبعد نكبة العرب في حرب يونيو 1967 اتجه اتجاهاً إسلامياً أوصله وأوصل تنظيمه هذا إلى "الإخوان المسلمين".

كانت تجربة الغنوشي مع الإخوان، التي بدأها في السودان على ما أعتقد، مُرة، فالعقلية مختلفة والمفاهيم متباعدة، ولعل ما لا يعرفه كثيرون هو أن كل الأحزاب القومية والأممية "المشرقية"، (نسبة إلى المشرق العربي)، لم تستطع أن توجد لها أي موطئ قدم في "أقطار" المغرب العربي، باستثناء موريتانيا بحدود معينة، ولذلك فإن تونس لم تستطع "هضم" حركة النهضة التي عادت إليها من المنافي الجغرافية والفكرية، بعدما أطاحت عواصف الربيع العربي نظام بن علي، وأوجدت مناخات في هذا البلد الجميل غير المناخات السابقة.

اختار راشد الغنوشي "الاتجاه الإسلامي"، بعد صدمة هزيمة العرب في حرب 1967 لقناعته الميدانية بأن الأفكار والتطلعات التي عاد بها بعد تلك الرحلة التي أخذته إلى القاهرة، عشقه الأول، ثم إلى دمشق ثم إلى الضياع في أوروبا، التي التقى فيها بعض "الدعاة" الباكستانيين، ثم إلى جامع الزيتونة، وبعد التعرف على الشيخ عبدالفتاح مورو كانت فكرة هذا التنظيم "حركة النهضة" التي حكم عليه بسببها بالإعدام في عهد "المجاهد الأكبر"، ثم جرى تخفيف الحكم في عهد بن علي إلى المؤبد. بعدها تم الإفراج عنه بعد إطلاق تصريحات اعتُبرت معتدلة قياساً بمواقفه المتشددة السابقة.

المهم، أن المقصود بكل هذا السرد التاريخي هو تأكيد أن الغنوشي، صاحب التجارب "المرة" والغنية، عندما أقدم على هذه الخطوة فذلك لقناعته بأن الإخوان تفرقت بهم السبل، وأنهم مثلهم مثل أحزاب القرن العشرين القومية والعالمية - اليسارية قد انتهوا كأدوات تغييرية من دون أي إنجاز، وأن "إكرام الميت دفنه"، ولقناعته أيضاً بعد تجربة الأعوام الخمسة الماضية بأنه لا مستقبل، وخاصة في تونس، إلا للقوى والأحزاب الوطنية، المدنية والبرامجية، وأن جمع السياسة والدين في وعاء تنظيمي واحد يعد - في ضوء تجارب نحو قرن كامل - جريمة الجرائم.

ثم يبقى هنا أن من حق هذا الرجل أن يخوض هو وحزبه (الجديد – القديم) غمار معركتي الانتخابات المحلية والرئاسية، طالما أنه قال في رسالته "الوداعية" إلى مؤتمر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي عقد في إسطنبول قبل أيام: "أنا مسلم تونسي... تونس هي وطني... أنا مؤمن بأن الوطنية مهمة وأساسية ومفصلية... أنا أعلن الآن أن تونسيتي هي الأعلى والأهم... لا أريد لتونس أن تكون ليبيا المجاورة.. ولا العراق البعيد".

back to top