الأديب الإريتري حجي جابر: {مصوّع مدينة المنفيين} مشروع إبداعي المقبل

نشر في 19-05-2016 | 00:01
آخر تحديث 19-05-2016 | 00:01
No Image Caption
يؤكد الروائي الإريتري حجي جابر أن ثمة قراراً لانتزاع إريتريا من محيطها العربي، وعزلها سياسياً وثقافياً، ويظهر هذا جلياً في العزوف عن المشاركة في الفعاليات العربية، وفي محاربة اللغة العربية وتهميشها ووصم أصحابها بالأقل علما ومعرفة، بينما إريتريا هي ابنة هذه المنطقة تأريخاً وحاضراً، كما يقول. وحجي جابر، روائي إريتري من مواليد مدينة مصوّع الساحلية، صدرت له عن المركز الثقافي العربي ثلاث روايات، هي «سمراويت» الحائزة جائزة الشارقة للإبداع العربي 2012، و{مرسى فاطمة» 2013، و{لعبة المغزل» 2015.
أخبرنا عن الأدب الإريتري، كسياق ثقافي انطلق من خلاله حجي جابر.

الأدب الإريتري المكتوب بالعربية بأشكاله المختلفة، رافق انطلاق الثورة المسلحة لنيل الاستقلال، وكان مسخّراً في معظمه لخدمتها، كما هي الحال مع معظم الآداب التي واكبت فترات التحرر وتقرير المصير. كان الأدباء جنوداً قبل كل شيء، فلم تكن لتخرج كتاباتهم عن هذا السياق بأي حال، ولعلّ ما يدعم ذلك أنّ أول رواية إريترية هي «رحلة الشتاء/ صالح» لمحمد سعيد ناود، مؤسس حركة تحرير إريتريا، وأحد كبار المثقفين فيها، وبهذا نرى كيف تتداخل السياسة مع الأدب. لكن في المقابل، هذا الانشغال كان على حساب جودة الأدب وانتشاره، ثم ضاعت فرصة أخرى حين جاء الاستقلال مخيباً للآمال بعد اختطافه على يد حزب استأثر بكل شيء وأدار الأمور بنظرة ضيقة وطائفية مقيتة، محارباً اللغة العربية، وحادّا من إمكاناتها العظيمة، حتى غدت العربية في إريتريا التي يتحدث أكثر من نصف سكانها هذه اللغة، هشّة واهنة. ذلك كله جعل الأدب الإريتري يتركز وينشط في المنافي عبر محاولات آخذة في الاتساع والتجويد.

ماذا عن روايتك «لعبة المغزل» وما هي الفكرة التي تنطلق منها؟

أنطلق في روايتي الجديدة من فكرة يؤمن بها كثير من الإيرتريين وهي أن البلاد تمرّ بحالة تشويه متعمّد بحيث تغدو مسخاً لا ينتمي إلى محيطه العربي، تشويه يقاوم الجغرافيا والتأريخ بدأب عجيب، هذا الأمر لم يتوقف عند الحاضر، بل يتعداه إلى التأريخ الذي تستند إليه الأمة الإريترية. تتطرق الرواية إلى ذلك لكن من دون أن تغفل الأدب، فـ»لعبة المغزل» في آخر المطاف ليست منشوراً سياسياً، بل هي فعل يحاول الجنوح أكثر وأكثر نحو الفن رغم أغراضه التي قد تثقله.

تقول عن «لعبة المغزل»: «أتمنى أن يجد القارئ في النص الجديد نضجاً أكبر في تجربتي الروائية، فأنا لا أزال في طور المحاولات مع كثير من الاجتهاد كي آتي بجديد في كل مرة». كيف عملت على ذلك التطوير في الرواية عن الأعمال السابقة؟

لا شكّ في أن خبرة أي روائي تتذخّر بالتجربة وتنمو بالممارسة، و{لعبة المغزل» عملي الثالث الذي لا بد من أنه ينطلق من النقطة التي توقفت فيها في العمل السابق، وكل روائي لا يستطيع التخلّص من هاجس التجويد الذي يلازمه ورغبته في تحدي نفسه في كل مرة.

تقول: «التزييف الذي طاول ويطاول كل شيء في إريتريا، الماضي، والحاضر، الزمان والمكان حاولتُ ممارسة الفضح إلى منتهاه»، كيف تم ذلك في «لعبة المغزل»؟

لا أود الخوض في تفاصيل النص حتى لا أقود القاري إلى وجهة قد يختار غيرها حين يقرأ بتحرر. من الأفضل أن يكتشف القارئ ذلك وحده ثم أسمع منه إلى أين وصل.

لماذا قررت استدعاء التأريخ وربطه بالحوادث الجارية في روايتك» لعبة المغزل»؟

حضور التأريخ في اعتقادي ليس فجّاً في هذا النص، هو يأتي كخلفية، أو كظلال خفيفة. لم يكن التأريخ بغيتي، لكنّه كان وسيلتي لأعبر من خلاله إلى الحاضر، إلى واقع إريتريا المؤلم، ومستقبلها المشوب بكثير من الغموض إذا استمرتّ الحال على ما هي عليه. فعلت ذلك لأن حركة التأريخ بطيئة، ونحن عادة ما نمنح انتباهنا للنتائج من دون تبصّر في المسافة التي قطعتها قبل أن تصل إلينا. تحاول هذه الرواية التركيز في تلك التفاصيل التي تمرّ من دون أن تثير الانتباه، رغم أثرها الكبير في المآلات.

مشاركات أدبية

كم اقتربت شخصيات روايتك من الحقيقة وشابهت شخصيات حقيقيةً؟

أؤمن بالمقولة التي ترى أن الروائي ينطلق من الواقع لكنه لا يعود إليه. أستقي مواضيعي من الواقع لكني لا أقوم مقام آلة التصوير بحيث آتي بها كما هي. ثمة مسافة بين ما أراه وما يكتب آخر المطاف. لا أكتب عن الأشياء من حولي، إنما عن انطباعي عنها. هذه المسافة برأيي هي التي تحدّد مقدار الفن في كل عمل روائي من عدمه.

أين إريتريا من المشاركات الأدبية والتظاهرات الثقافية العربية؟

ثمة قرار لانتزاع إريتريا من محيطها العربي، عزلها سياسياً وثقافياً. يظهر هذا الأمر جلياً في العزوف عن المشاركة في الفعاليات العربية، وفي محاربة اللغة وتهميشها ووصم أصحابها بالأقل علماً ومعرفة، بينما إريتريا هي ابنة هذه المنطقة تأريخاً وحاضراً. الجهود كافة التي يبذلها النظام لتبديل وجهها لن تنجح لأن ثمة مقاومة في الاتجاه الآخر، فكلما أوغلوا في سحب إريتريا بعيداً تتعاون الأيدي على جلبها مجدداً إلى حاضنتها الطبيعية.

هل الكتابة بالنسبة إليك حاجة أم رغبة؟

هي الاثنان معاً، من دون أن أكون قادراً على تمييز الخطوط الفاصلة بينهما، أكتب راغباً ومحتاجاً، ويظهر ذلك على خلاف السائد حال الانتهاء من الكتابة وليس عند ابتدائها، فما إن ينتهي النص حتى أشعر بمقدار حاجتي إليه، وقد وفّر لي حياة موازية بشروط مختلفة غير التي نعيشها ونخضع لها. في الحياة الموازية للكاتب الكلمة العليا، يختار البداية والنهاية، يعبث بالمصائر كما يشاء.

ثمة تأثير كبير للبيئة في نصوصك، كيف ترى ذلك؟

لا شك في أن للبيئة التأثير الأكبر عليّ، وأنا الذي عاش عمره منفياً عن بلاده، حتى غامت المسافة تماماً بين الوطن الأم والبديل، هذا الأمر موجود بقوة في أعمالي بطريقة أو بأخرى، وجعلني قادراً على فهم حياة الشتات حتى في الأماكن التي لم أزرها كمخيمات اللاجئين الإريتريين في السودان مثلا، حيث يعيش نحو نصف مليون إريتري حياة بائسة تتسبّب فيها سياسة حكومتهم التي تضع العراقيل في سبيل عودتهم إلى بلادهم.

كيف تجد البعد الإنساني في الرواية الإريترية، وتطورها؟

باعتقادي أن الرواية الإريترية الآن تتلمس الخطى نحو الانعتاق، نحو الانتشار وفرض وجودها شيئاً فشيئاً بعد أعوام من التغييب الاختياري أو القسري الذي مرّت به. ثمة تجارب عدة واعدة لا تحتاج إلى أكثر من الاستمرار حتى تبرز بشكل مُرضٍ وتضيف إلى هذا المشوار الطويل.

 هل تركز ناظريك على الرواية فحسب، أم على أجناس أدبية أخرى؟

 

حتى الآن لا أجد نفسي إلا في الرواية. في هذه الرحلة الطويلة المنهكة لكن اللذيذة في الوقت نفسه، لكل جنس أدبي طبيعته، والرواية بكل ما فيها من مساحة للتحرك تلائمني أكثر، كذلك هي أمّ الأجناس الأخرى، بحيث تستوعب الشعر والقصة القصيرة، بينما لا يحدث العكس.

هل توجد حركة نقدية مرافقة للحالة الأدبية والثقافية في إريتريا؟

ثمة حركة لكنها لم تنل ما تستحقه من اهتمام، ذلك طبعاً بسبب ذهاب الضوء كله في اتجاه الروائيين والشعراء، رغم أن لدينا أسماء جميلة وعميقة الأثر، أذكر منها فتحي عثمان ومحمد جميل أحمد ومحمد مسوكر وعبدالقادر مسلم. أتمنى ألا يستمر هذا الأمر طويلاً وأن يبرز مبدعو النقد كما هي الحال مع الروائيين.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

لا أزال في مرحلة التفكير في نص يشغلني منذ فترة، وهو على وشك الاكتمال. إنه عمل يتعلّق بمدينتي ومسقط رأسي مصوع، تلك المدينة الساحلية التي كانت في أحد الأيام عاصمة إريتريا، ونال أهلها أشد الضيم قبل فراقها مكرهين. «مصوع مدينة المنفيين»، أتمنى أن يكون مشروعي المقبل.

back to top