تقرير اقتصادي: إلغاء اندماج «هاليبرتون» و«بيكر هيوز»... درس في ردع الفوضى

نشر في 05-05-2016 | 00:05
آخر تحديث 05-05-2016 | 00:05
No Image Caption
• سلطات مكافحة الاحتكار حمت قيم الابتكار والكفاءة وجودة الخدمات والأبحاث والتطوير

• في الاقتصادات الحرة تلعب الدولة دوراً فاعلاً لوضع قواعد المنافسة وتنظيم السوق
ما يهمنا في إلغاء صفقة اندماج «هاليبرتون» و«بيكر هيوز» هو الدرس المتمثل بدور الدولة في ضمان المنافسة حتى في أكثر الاقتصادات رأسمالية، ففي تلك المجتمعات التي يديرها ويسيطر عليها القطاع الخاص لابد أن يكون للدولة دور ناظم في وضع قواعد المنافسة وتنظيم السوق ورفض الاحتكار وإلا عمت الفوضى.

ثمة دروس قدمتها صفقة الاندماج الملغاة بين عملاقي التنقيب والحفر والاستخراج النفطي في اميركا «هاليبرتون» و»بيكر هيوز»، ولمن يريد الاستفادة من ثقافة ومهنية المنافسة في اي سوق حر حقيقي.

فالصفقة التي كان مقرراً أن تتراوح قيمتها بين 28.6 و34.6 مليار دولار نظير اندماج الشركتين الثانية والثالثة في العالم للخدمات النفطية لتخلقا منافسا عالميا قويا لشركة «شلمبرجير» العالمية العملاقة، تعثرت بعد ان كسبت وزارة العدل الاميركية دعوى قضائية لمنع اتمام الصفقة التي من شأنها القضاء على المنافسة ورفع الاسعار، فضلاً عن مخاوف خاصة في 23 سوقا للخدمات النفطية في الولايات المتحدة.

ورأت وزارة العدل الاميركية ومعها سلطات مكافحة الاحتكار ان «هاليبرتون» «وبيكر هيوز» شركتان من بين أكبر ثلاث شركات متكاملة لخدمات حقوق النفط في العالم، وتتنافسان لابتكار وبيع الخدمات والمنتجات الضرورية للتنقيب عن مصادر الطاقة وانتاجها، ومن المهم المحافظة على التنافس القوي في هذا القطاع المهم من الاقتصاد الاميركي.

وبموجب إلغاء الصفقة ستحصل «بيكر هيوز» على 3.5 مليارات دولار تعويضات من «هاليبرتون» في إطار اتفاق الاندماج الملغي بعد معارضة سلطات مكافحة الاحتكار.

دور الدولة

ما يهمنا في الصفقة ليس إتمامها أو إلغاءها او حتى التعويضات التي يمكن ان تنتج عنها بل الدروس المستفادة كدور الدولة في ضمان المنافسة حتى في اكثر الاقتصادات رأسمالية في العالم، ففي المجتمع الذي يديره ويسيطر عليه القطاع الخاص يكون هناك دور ناظم للدولة في وضع قواعد المنافسة وتنظيم السوق ورفض الاحتكار، والا عمت الفوضى في ذلك المجتمع... وهذا يستوجب وجود مهنية وممارسة وثقافة عالية للتمييز بين تدخل الدولة في السوق وصلاحيتها في تنظيمه.

رغم أن مساعي الاندماج كانت تستهدف خفض التكاليف ومواجهة هبوط اسعار النفط، إلى جانب ان الاندماج نفسه سيمول الخزانة الاميركية بالضرائب، فإن سلطات مكافحة الاحتكار انحازت لقيم المنافسة وقررت الاستثمار فيما يحقق الصالح العام على المدى الطويل.

المخاوف التي تضمنتها الصفقة لا ترتبط فقط بالمنافسة والاحتكار بل ايضا بما يتعلق بالابتكار وكفاءة الاعمال خصوصا فيما يتعلق بتوفير خدمات رديئة او القيام بالقليل من الأبحاث والتطوير مما يؤثر سلبا في جودة الابتكارات وحجمها... وهذه مخاوف تبين حجم وأهمية دور الدولة كجهة تنظيم في «حماية المجتمع» من تغول الشركات في البحث عن الارباح على حساب قيم اساسية لا تتعلق فقط بالمنافسة التجارية بالسوق بل ايضا بأهمية الابحاث العلمية والتطويرية الخاصة بالعمليات فضلا عن جودة المنتج والاعمال وغيرهما.

ثقافة المنافسة

بالطبع المعلومات الخاصة بإلغاء الصفقة وتداعياتها ليست مجالا للمقارنة مع ضحالة ثقافة المنافسة في منطقة الخليج، فالبون شاسع جدا، إلا أنه يلقي بالضوء وبدرجة ما على آلية التعاطي مع القطاع الخاص في دول قائمة على اقتصاد حر حقيقي مقابل دول اخرى قررت - في الغالب فجأة - اللجوء للقطاع الخاص لحل أزماتها.

فدول الخليج التي تريد أن تتصدى لمخاطر انخفاض اسعار النفط اتخذت من «الخصخصة» حلا سحريا لمعالجة ازماتها وباتت الوثائق والرؤى ومشاريع الاصلاح تحفل بالعديد من عمليات تحويل الملكية دون مرعاة او اعلان لآليات المنافسة التي يمكن ان تترتب على نقل ملكيات ضخمة من الدولة الى القطاع الخاص بشكل سريع، مما ينذر بحدوث اختلالات اجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة.

ففي الكويت، نجد ان التوجه الحكومي، على شدته، لايزال يناقش ملف الخصخصة من زاوية واحدة وهي بيع الأصول العامة إلى القطاع الخاص مع أن الخصخصة كممارسة أعمق بكثير من مجرد نقل ملكية من الدولة الى الشركات.

احتياجات الخصخصة

الحديث عن الخصخصة يستلزم أولا وجود هيئات ناظمة تتولى تنظيم القطاع المراد تخصيصه، بحيث تنظم التنافس بين الشركات داخل القطاع، وتضمن حقوق المستهلك وحتى العمالة، وهي المنوط بها مسؤولية ألا يسيطر مالك واحد على شركتين تعملان في القطاع نفسه، كما حدث في مشروع تخصيص شركات الوقود، أو أن يتحالف ملاك شركتين لرفع الأسعار أو الاتفاق على سوء الخدمة المقدمة للمستهلك، فضلا عن دورها كمرجع لدراسة جدية العروض والأسعار وشكاوى المستهلكين، فضلاً عن ان الدولة عندما تتخلى عن ملكيتها في القطاعات التي تمتلكها مثل شركات الاتصالات أو البنوك أو الطيران، فإنها تحتفظ بحق إصدار الرخص للشركات الجديدة في القطاع نفسه، وكأن الدولة هنا تشرف على الاحتكار لا المنافسة، فما الذي يمنع أن تقرر مجموعة من المستثمرين تأسيس بنك او شركة اتصالات او طيران أو وقود، طالما أن الدولة لم تعد مالكة له أو على الأقل تخلت عن إدارته؟ إذ إن جدوى الاستثمار مرتبطة بالمستثمر لا الدولة.

إلغاء صفقة اندماج «هاليبرتون» و»بيكر هيوز» يبين دور الدولة في المجتمعات الاقتصادية الحرة في حماية المجتمع من الاحتكار... لذلك على أي من دولنا التي تريد التحول إلى القطاع الخاص - وهو امر مطلوب - ان تتخذ اجراءات تضمن حماية السوق والمجتمع بالتوازي مع اجراءات التحول للخصخصة.

back to top