الإضراب... حق أم جريمة؟!

نشر في 03-05-2016 | 00:13
آخر تحديث 03-05-2016 | 00:13
• الدستور كفل للجميع حق التعبير عن الرأي... والكويت صادقت على «العهد الدولي» التي اعترفت به
• تحفُّظ الكويت يعني عدم التزامها دولياً بإصدار قوانين لا تحللها من الاعتراف به كحق للعمال
تخلو التشريعات الكويتية من نصوص مجرمة لحق الإضراب عن العمل، كما أن الكويت صادقت على اتفاقية العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي اعترفت للعمال بذلك الحق.

في الوقت الذي نفّذ فيه عدد كبير من العاملين في القطاع النفطي اضرابهم عن العمل، احتجاجا على القرارات التي اتخذتها وستتخذتها الإدارات المسؤولة عن القطاع النفطي، أثير العديد من التساؤلات بعد تنفيذ الإضراب أهمها مشروعيته، وعما إذا كان حقاً أم جريمة؟ وهل يجوز تعطيل المرفق النفطي، وهو يمثل المصلحة العامة، من أجل مطالب خاصة أم لا؟

ولدى البحث في التشريعات الكويتية عن أحقية ممارسة العاملين في القطاعين الأهلي أو النفطي لحق الإضراب، فإن التشريعات التي أصدرتها الكويت أو صادقت عليها تؤكد هذا الحق رغم عدم صدور تشريع مستقل يضع ضوابط وحدود هذا الحق، ويكمن تقرير حق الإضراب في الكويت في نصين: الأول يرد في اتفاقية العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وقعت عليها الكويت، وتحديدا في البند الثامن فقرة (1)، والتي تنص على «الحق في الاضراب على أن يمارس طبقا لقوانين الدولة»، بينما يرد الثاني في المادة ١٣٢ من قانون العمل في القطاع الأهلي.

وإذا كانت اتفاقية العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد نصت بكل وضوح على حق الاضراب للعمال، الا أنها تركت امر تنظيم هذا الحق لكل دولة، بما يتفق وتشريعاتها الوطنية على نحو تنظيمه لا حظره كحق مقرر للعمال قنّنته الاتفاقية، ووقعت عليه الدول المنظمة لاتفاقية العهد الدولي، وأصبح واحداً من الحقوق التي اعترفت بها الدولة، وحقا للعمال ممارسته.

تحفظ الكويت

وفيما يثار تساؤل عن قيمة التحفظ الذي أبدته الكويت لدى التوقيع على البند (د) من الاتفاقية المقرر لحق الإضراب، فإن هذا التحفظ لا يعفي الكويت من الاعتراف بهذا الحق أو التنصل منه، وذلك على النحو التالي:

أولا: إن النصوص المقررة في الاتفاقيات منها ما ورد في اتفاقية العهد الدولي، وإن كانت نصوصا توجيهية للمشرع الوطني في اتخاذ التشريعات اللازمة المنظمة لها، إلا أن عدم التنظيم لا يعني اعفاء تلك الدول من الاعتراف بتلك الحقوق التي أبدت عند التوقيع عليها موافقتها على تلك الحقوق التي وردت بتلك الاتفاقية، وهذا ثابت من بنودها التي وقعت عليها الكويت في البنود 27 و28 منها.

ثانيا: ان الإقدام على توقيع الاتفاقية يعني الاعتراف بكل بنودها، والإقرار بها من كل الدول، ولا يمكن للدول بعد التوقيع عليها التنصل من أحد بنودها بدعوى التحفظ عليها، والتوقيع يعني المصادقة، والامتناع عن التوقيع يعني رفض الاتفاقية، كما أن مثل هذا التحفظ يعني عمليا الامتناع عن تنظيمها وطنيا، كما فعل المشرع الكويتي، الذي لم يكن بوسعه تجريمها، لتعارض مبدأ التجريم مع اقرار حق الاضراب الذي وقعت عليه الكويت باتفاقية العهد الدولي، ولتعارض تجريم هذا الحق مع الدستور الكويتي، الذي يكفل للافراد حق التعبير عن الرأي، إذ يعد الإضراب أحد أساليب الاحتجاج لدى المطالبة بالحقوق.

محكمة التمييز

وفي ذلك المعنى أكدت محكمة التمييز في حكم حديث لها في الطعن رقم 17 لسنة 2009 إداري صادر بجلسة 7 -4-2012 بان «انضمام الكويت إلى اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعهد الدول المنضمة إليها بأن تكفل أجورا عادلة، ومكافأة متساوية دون تمييز عن الأعمال المتساوية القيمة، مفاده أنه لا يعدو الدعوة للقيام بعمل منسق لضمان المساواة وعدم التمييز بإصدار التشريعات اللازمة لتفعيل نصوصه داخل كل دولة»، ومن ثم فإن تحفظ الكويت على البند الثامن فقرة (1) الخاص بحق الإضراب يعني عدم الزامها أمام الأمم المتحدة بإصدارها لاحقا بإصدار تشريع، لكونها تحفظت من هذا الالتزام التشريعي حتى لا تواجه بأي مخالفات، ولكن تحفظها ذلك لا يعني اعترافها بحق الإضراب الذي يعد ساريا ونافذا من وقت ايداعها على الانضمام إلى هذه الاتفاقية.

ثالثا: اعتراف الكويت للمجلس الاقتصادي للامم المتحدة بتاريخ 31-3-2010 للعديد من الإضرابات، التي كفلتها للعمال في الكثير من القطاعات، ومنها العاملون في القطاع النفطي، ومثل هذا الاعتراف من قبل الكويت للامم المتحدة بكفالتها للعاملين في القطاع النفطي هو إقرار لاحق بأن الكويت اعترفت بحق الإضراب للعمال، كما اكدت عدم تجريمه، وانه من المباحات التي تكفلها الدولة للعاملين، واستشهد التقرير بالعديد من الإضرابات التي مارسها العمال.

رابعاً: إقرار إدارة الفتوى والتشريع التابعة لمجلس الوزراء في ١٩ مارس ٢٠١٢ بحق الإضراب، الذي وقّعت عليه الكويت باتفاقية العهد الدولي للحقوق الافتصادية والاجتماعية، باعتباره أحد الحقوق التي اعترفت بها الاتفاقية، ولم يرد بتصريح رئيس إدارة الفتوى ما يربطها بأي تحلّل من الاعتراف بحق الإضراب، بل أشارت إلى ضرورة مراعاة الضوابط في ممارسة ذلك الحق، وبعدم تجريمه جنائياً رغم أنها قررت بتجريمه إدارياً على الموظفين في القطاع الحكومي، دون العاملين في القطاعين الأهلي والنفطي، رغم عدم وجود نص صريح بذلك التجريم.

قانون العمل

وبعد عرض المسائل، التي تؤكد عدم حظر حق الإضراب، وفق ما تقرره اتفاقية العهد الدولي، يؤكد قانون العمل في القطاع الأهلي، على حق الإضراب حيث نصت المادة ١٣٢ من قانون العمل في القطاع الأهلي على أن «يُحظر على طرفي المنازعة وقف العمل كلياً أو جزئياً أثناء إجراءات المفاوضة المباشرة أو أمام لجنة التوفيق أو أمام هيئة التحكيم أو بسبب تدخل الوزارة المختصة في المنازعات عملاً بأحكام هذا الباب»، وهو ما يفهم من النص صراحة على أن المشرع وضع في ذهنه، لدى النص على هذه المادة، ضرورة كف العمال عن الإضراب الكلي أو الجزئي حال دخولهم في مرحلة المفاوضات الرسمية، التي تجريها وزارة الشؤون، بالنص عليهم التوقف كلياً أو جزئياً، عن وقف العمل، والعودة إلى ممارسته مجدداً، ويقرر هذا النص على أن المرحلة، التي تسبق المفاوضات الرسمية تسمح بالتوقف الجزئي والكلي عن العمل حال المطالبة بالحقوق العمالية، لكن ذلك التوقف عن العمل كلياً أو جزئياً يتوجب وقفه نهائياً، والعودة إلى العمل حال الدخول في المفاوضات، علاوة على تأكيد النص مشروعية ذلك التصرف؛ بدليل عدم حظره بالقانون صراحة، بل قرر القانون حظره حال الدخول في المفاوضات، مما يعني أن المرحلة، التي تسبق عملية دخوله في المفاوضات الرسمية من كلا الجانبين تعني جواز التوقف عن العمل كلياً أو جزئياً، وفق ما يفهم من ظاهر النص.

تجريم الإضراب

وبعد بيان عدم حظر ممارسة حق الإضراب، فإن تساؤلاً آخر يثور حول تجريمه في الكويت، ولتجريم أي فعل داخل الكويت يتعين إصداره بقانون وفق نص المادة 32 منه، والتي تنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على القانون، ولما كانت قوانين الجزاء والعمل في القطاعين الأهلي والنفطي، بل وقانون الخدمة المدنية، قد خلت من نصوص تجرم على القيام بفعل الإضراب أو حتى الدعوة إليه، فإن الإضراب عندها يصبح من المباحات، التي يجوز ممارستها في سياقها الطبيعي، انسجاماً مع نصوص ومبادئ الدستور الكويتي، الذي ينص في المواد 36 بفقرتها الثانية، والتي تنص» ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع، التي يبينها القانون «والمادة 43» ، والتي تنص على «حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة، وفقاً للشروط والأوضاع، التي يبينها القانون ولايجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية أو نقابة» والمادة 45، والتي تنص على أن «لكل فرد أن يخاطب السلطات العامة كتابة وبتوقيعه ولا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات إلا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية»، بالتالي فإن الخروج عن ممارسة السياق الطبيعي لحق الإضراب قد يعرض العامل للمساءلة الجزائية والمدنية والإدارية، وعلى سبيل المثال، فإن إطلاق التصريحات الإعلامية للإضرار بالاقتصاد الوطني، وبكونه أحد المساعي، التي يريد الإضراب تحقيقها، فإن ذلك يعد خروجاً عن حق الإضراب، ويمثل مخالفة لقانون الجزاء، الذي يعاقب على الإضرار بالاقتصاد الوطني، كذلك القيام بمظاهر التخريب والتدمير والإتلاف للمنشآت العامة أو الخاصة، فإن ذلك يعد خروجاً عن نطاق حق الإضراب، ويعرض العامل حينها للمساءلة، بحسب المخالفة المرتكبة منه جزائية أو مدنية أو إدارية.

ضوابط

ويثور التساؤل عما إذا كانت هناك حدود للإضراب وضوابط يتعين مراعاتها ويتعين على العمال مراعاتها وعدم تجاوزها؟ فإن الإجابة عن هذا التساؤل تتمثل في أنه، وفي حال خلو التشريعات الوطنية من التنظيم التشريعي داخل الكويت، خصوصاً أن الكويت تحفظت عن هذا الالتزام صراحة بإصدار التشريع بهذا الخصوص، لكنها اعترفت لاحقاً بممارسته عملياً، وإزاء ذلك، يمكن الأخذ بمصادر التشريع الأخرى للنظر إلى الضوابط، التي يسمح باللجوء إليها لإنزالها على حالة الإضراب، ومن تلك المصادر «العرف»، الذي، بحسب أحكام محكمة التمييز، يجوز اللجوء إليه في حالة غياب النص، بالنظر إلى السوابق في ممارسة حق الإضراب من حيث التنظيم والضوابط، كما أنه بالإمكان اللجوء إلى مصادر التشريع الأخرى، وهي النظر إلى الفقه والقانون المقارن، الذي استقر على جملة من الضوابط، يتعين مراعاتها، وهي أن يكون الإضراب معلناً وليس مفاجئاً، وأن يكون جزئياً وليس شاملاً، وأن يكون مؤقتاً وليس دائماً، وأن يكون مرتبطاً بحقوق العمال ومطالبتهم، لأنه وسيلة للاحتجاج، ولا يخرج عن ذلك الهدف، ولا يمتد إلى أن يكون غاية إلى تعطيل المرفق العام، والسعي إلى الإضرار به، إنما يكون في نطاقه كوسيلة احتجاج، وبإمكان القضاء الوطني، أن يستعين بتطبيق ما يقرره القانون والقضاء المقارن والفقه، إلى جانب العرف إزاء غياب التشريع.

إنهاء خدمات المضرب

عن جواز إنهاء خدمات العاملين في القطاع النفطي، فقد نصّ قانون العمل في القطاع الأهلي بالمادة الرابعة على انطباق نصوصه على العاملين في «النفطي»، فيما خلت نصوص قانون العمل في هذا القطاع بتأكيد المادة الرابعة من قانون العمل في «الأهلي»، على أن تسري أحكام هذا القانون على القطاع النفطي، فيما لم يرد بشأنه نص في قانون العمل في «الأعمال النفطية»، أو يكون النص في هذا القانون أكثر فائدة للعامل.

وبإنزال نصوص قانون العمل في القطاع الأهلي على العاملين في «النفطي»، بسبب ممارستهم للعمل النقابي، أو مناداتهم بأي مطالب عمالية، فقد حظرت المادة 46 من قانون العمل في «الأهلي» على إنهاء خدمات العاملين حال ممارستهم أي أنشطة نقابية، أو مطالبتهم بأي حقوق، حيث نصت المادة على أنه لا يجوز إنهاء خدمة العامل، من دون مبرر أو بسبب نشاطه النقابي أو بسبب المطالبة أو التمتع بحقوقه المشروعة وفقاً لأحكام القانون، كما لا يجوز إنهاء خدمة العامل بسبب الجنس أو الأصل أو الدين.

back to top