السجائر المقلدة... سوق سوداء تعصف بإسبانيا وأوروبا

نشر في 29-04-2016 | 00:01
آخر تحديث 29-04-2016 | 00:01
• دراسة الحالة الإسبانية مهمة جداً لتبيان تأثير السياسات الضريبية على التجارة غير القانونية

• عدد السجائر غير المشروعة المدخنة سنوياً يقارب 600 مليار سيجارة
جالت «الجريدة» بعدة مناطق في إسبانيا، للوقوف على مدى انتشار ظاهرة بيع السجائر المقلدة بطرق غير مشروعة، هرباً من دفع الضرائب، التي ارتفعت في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة.

نظمت شركة بريتيش أمريكان توباكو لمنطقة الشرق الأوسط طاولة حوار تمحورت حول تفاقم مشكلة الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ، بما فيها السجائر المقلدة، وتهريب المنتجات الأصلية.

وشارك في الحدث الذي جرى بإسبانيا عدد من الخبراء والمتحدثين المطلعين على الأسواق الإسبانية والأوروبية، وكانت "الجريدة" حاضرة، للوقوف على أسباب ازدياد ظاهرة الاتجار غير المشروع، ووضع التوصيات المناسبة، استناداً إلى أفضل الممارسات التي يمكن تطبيقها في أسواق الشرق الأوسط، مع التركيز على دول مجلس التعاون.

الحالة الإسبانية

فمن جانبه، قال مدير الشؤون التنظيمية للشرق الأوسط في شركة بريتيش أمريكان توباكو، وائل إسماعيل، إن "التركيز على دراسة الحالة الإسبانية كان مهماً جداً بالنسبة لنا، لأنها تجربة عملية حول مدى تأثير السياسات الضريبية على التجارة غير المشروعة، فيما يشبه سياق الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي".

وأضاف: "كما أتاحت لنا التجربة الإسبانية فرصة الفهم العميق واستقراء التوصيات، التي يمكننا استخدامها خلال معالجة المشاكل المماثلة التي تعانيها أسواقنا في الشرق الأوسط".

وأوضح إسماعيل أن الحكومات كما الشركات الخاصة تدرك الآثار السلبية الناتجة عن رواج التجارة في السوق السوداء لعدة منتجات، منها السجائر، مشيرا إلى أن ظاهرة الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ شهدت تناميا ملحوظا على مستوى العالم، الأمر الذي يؤثر على الدول الغنية والفقيرة على حد سواء.

ولفت إلى أنه نظراً لارتفاع الضرائب على هذه المنتجات وسهولة نقلها، فإن تهريب السجائر يمثل فرصة مغرية، مقارنة بالمخاطر المحدودة التي يتعرض لها محترفو الجريمة والاتجار غير المشروع. وقال إنه على مر السنين، باتت السجائر من أكثر السلع المتاجر بها بصورة غير مشروعة في العالم، كما تشير تقديرات تحالف الاتفاقية الإطارية إلى أن عدد السجائر غير المشروعة المدخنة سنوياً يصل إلى ما يقارب 600 مليار سيجارة، لافتا إلى أن خسائر الحكومات من الضرائب غير المدفوعة على منتجات التبغ تقدر بخمسين مليار دولار على مستوى العالم.

ففي أوروبا وحدها، تخسر الحكومات ما يقارب عشرة مليارات يورو سنوياً، من جراء انتشار السوق السوداء لمنتجات التبغ. كما يتضرر أصحاب متاجر التجزئة المرخصة – وهي في الغالب مشاريع صغيرة الحجم أو عائلية – لأن المهربين ومحترفي الجريمة يسرقون مواردها، في حين أن القوانين التي تمنع بيع منتجات التبغ للأطفال ولمن هم دون السن القانونية المطبقة في المتاجر المرخصة يتم التقليل من فاعليتها عبر المبيعات غير القانونية، بعيداً عن رقابة السلطات.

وشدد إسماعيل على أن النتائج المهمة التي خلصنا إليها من جراء البحث في التجربتين الإسبانية والأوروبية، التي يجوز تطبيقها في أسواق دول مجلس التعاون يمكن اختصارها كالتالي:

أولاً - يشكل فرق الأسعار بين مختلف دول الاتحاد الأوروبي الدافع الرئيس لازدهار التجارة غير المشروعة.

ثانياً- يؤدي فرض زيادة الضرائب بشكل حاد إلى إحداث خلل في توازن الأسواق الشرعية.

ثالثاً- يتسبب الارتفاع الحاد في الضرائب النوعية (الثابتة)، بدل تطبيق الضرائب المبنية على القيمة (المئوية)، في إلغاء خيارات المستهلك القانونية، وبالتالي دفعه إلى اللجوء للمنتجات المهربة أو المقلدة المتوافرة عن طريق السوق السوداء.

خسائر بالملايين

من جهته، قال مدير السياسات الضريبية ودائرة مكافحة التجارة غير المشروعة في شركة بريتش أمريكان توباكو الشرق الأوسط، إيلي عطالله: "تقدر حالياً قيمة خسائر حكومات الشرق الأوسط من عائدات الضرائب غير المدفوعة بنحو 940 مليون دولار، بسبب زيادة حجم التجارة غير المشروعة، التي تمثل 30 في المئة من إجمالي التداولات في أسواق التبغ".

وأشار إلى أن "جهودنا تتركز على دعم الحكومات في الشرق الأوسط، حيث نقوم بتقديم خبراتنا العالمية، في سبيل توحيد الجهود لمكافحة السوق السوداء لمنتجات التبغ".

عصابات الجرائم المنظمة

يذكر أن تورط عصابات الجرائم المنظمة في هذا العمل يحجب عن الحكومات عائدات تقدر بملايين الدولارات، ويكلفها مبالغ باهظة، لمكافحة التجارة غير المشروعة، كما يقلل من فاعلية القوانين المتعلقة بسياسات الصحة العامة.

واستناداً إلى دراسة أجرتها "مجموعة العمل المالي" (Financial Action Task Force)، "تقدر عائدات التجارة غير المشروعة بمنتجات التبغ بعشرات مليارات الدولارات. وعادة لا تخضع هذه العائدات للنظام الضرائبي، وقد تستعمل لتمويل أشكال متعددة أخرى من الجريمة والإرهاب. لذا، توفر التجارة غير المشروعة بمنتجات التبغ مبالغ كبيرة من العائدات الإجرامية الناتجة عن التجارة عينها والرسوم الجمركية المرتبطة بها والتهرب من دفع الضرائب".

وتشير الدراسات التي أجريت على التجربة الإسبانية إلى أن أسعار السجائر ارتفعت بمعدل 7.5 في المئة فوق معدلات التضخم سنوياً بين عامي 2007 و2013 مدفوعة بالزيادات الضريبية، حين رفعت الحكومة الضرائب على السجائر لزيادة عائدتها.

لكن سرعان ما اتضح أن هذه السياسة أدت إلى انخفاض متسق لحجم التجارة المشروعة سنة بعد سنة. بينما أشارت الأرقام إلى أن نسبة استهلاك "الدخان اللف" وسائر منتجات التبغ ارتفعت بنسبة 15 في المئة سنوياً في الفترة عينها.

بدورها، شهدت نسب السجائر التي توفرها السوق السوداء ارتفاعاً، لتصل إلى 17.5 في المئة سنوياً.

ورش عمل

وتبيَّن لـ"الجريدة"، من خلال بعض ورش العمل التي حضرتها في إسبانيا، أن انخفاض حجم المبيعات الشرعية للسجائر لم يؤثر على الاستهلاك. فقد أدت عوامل عديدة، أهمها ارتفاع حجم المبيعات في الأسواق السوداء، إلى تعويض هذا النقص. ففي عام 2012، تم بيع 5.6 مليارات سيجارة عن طريق القنوات غير الشرعية، ما كلف الحكومة الإسبانية نحو 837 مليون يورو، الأمر الذي لم تتوقعه ولا انتظرته كردة فعل على رفع الضرائب.

واستناداً إلى إحدى الدراسات التي طرحت في ورشة العمل، فإن السبب الرئيس لارتفاع نسب الاتجار غير المشروع في إسبانيا، من 5 في المئة عام 2007 إلى 12 في المئة عام 2012، هو الضرائب النوعية (الثابتة) المرتفعة والمفروضة على منتجات التبغ.

فقد فرضت هذه السياسة حداً أدنى لأسعار السجائر، تاركة المستهلك من دون خيار شرعي ليتجه إليه، ما دفعه إلى اللجوء لخيارات بديلة أقل كلفة عن طريق السوق السوداء.

كما أن تحيز النظام الضريبي للضريبة النوعية (الثابتة) أثر بشكل أكبر على المستهلكين ذوي الدخل المحدود الذين يدخنون السلع الأقل سعراً، مقارنة بتأثيره على المستهلكين ذوي الدخل المرتفع الذين يستهلكون السجائر المميزة الأعلى سعراً، لأن زيادة ضريبة الحد الأدنى أو الضريبة النوعية الثابتة يؤثر بشكل أكبر على الأصناف الأرخص سعراً، مقارنة بالأصناف المميزة، ما يزيد العبء الضريبي لهذه الأصناف، ويدفع المستهلكين للبدائل غير القانونية.

كما تتناقض سياسة التركيز على الضرائب النوعية (الثابتة) مع مبدأ المساواة في فرض الضرائب الذي تحققه الضريبة المئوية المبنية على القيمة، حيث تفرض النسبة عينها على الأصناف والشرائح السعرية كافة.

وقد سلطت الاكتشافات التي أجريناها إثر دراسة الحالة في أسواق إسبانيا وأوروبا الضوء على الارتباط الوثيق بين السياسة الضريبية من جهة، وحجم التجارة غير المشروعة من جهة أخرى، ما يرسخ موقفنا الداعم لفرض ضرائب تتناسب مع التضخم عن طريق ضرائب مئوية مبنية على القيمة، لتكون الحكومات أقل عرضة لتغذية التجارة غير المشروعة من حيث لا تدري. ونحن نتفهم موقف حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، التي تسعى لإجراء تعديلات على سياساتها المالية منها الضرائب على التبغ.

ضرائب نوعية

وتشير توصيات الخبراء إلى ضرورة الحفاظ على أسعار موحدة ضمن دول مجلس التعاون، لتفادي أي تدفق للمنتجات عبر الحدود، وتجنب زيادة الضرائب النوعية (الثابتة) التي ستحدث فجوة كبيرة بين المنتجات الشرعية وتلك المباعة في الأسواق السوداء.

وقد بينت الأمثلة من الاتحاد الأوروبي بوضوح، أن السياسة الضريبية التي تتمحور حول فرض ضرائب نوعية (ثابتة)، بهدف تحقيق عائدات أكبر للحكومات، لن تحقق الغاية المرجوة، بل ستؤثر فقط على الأصناف القانونية الأرخص سعراً، مقابل الأصناف المميزة الأغلى سعراً، التي لن تتأثر بالنسبة عينها، وبالتالي لن يتوافر أمام المستهلكين محدودي الدخل خيار آخر سوى التوجه للأصناف الأرخص في السوق السوداء.

back to top