كمّ من الصمت

نشر في 29-04-2016
آخر تحديث 29-04-2016 | 00:01
 إيكونوميست يدرك عدد كبير من عشاق أفلام الحركة أن الطريقة الفضلى لمنع رجل مجنون من تنفيذ خطة شريرة تشمل دفعه إلى الكلام بلا انقطاع، فتتيح لك وسيلة الإلهاء هذه الوقت الكافي لإنقاذ الرهينة وتعطيل القنبلة، ومع القليل من الحظ قد تقنع الشرير بأن العنف لا يلائم مصالحه، وتشكّل هذه إلى حد ما المقاربة التي تعتمدها بعض الدول الأوروبية في التعامل مع روسيا، فقدْ فقدَ فلاديمير بوتين على ما يبدو كل اهتمام كان يملكه بالتقرب من الغرب، في حين لا يزال الصراع دائراً في شرق أوكرانيا، لكنّ كثيرين يعتقدون أن روسيا المعزولة قد تصبح أكثر تقلباً وخطورة، لذلك من الأفضل اللجوء إلى الحوار.

لكن المشكلة تكمن في توصلهم إلى ما يمكنهم التحاور مع روسيا بشأنه، فقد علّق حلف شمال الأطلسي كل تعاون له مع روسيا بعد ضمها القرم وغزوها أوكرانيا، علاوة على ذلك ازداد المسؤولون العسكريون توتراً الأسبوع الماضي بسبب الحوادث التي وقعت في بحر البلطيق: فقد عبرت طائرات حربية روسية فوق مدمّرة أميركية، وأدت مناورات جوية بهلوانية فوق طائرة استطلاع.

ولكن بغية الحد من احتمال وقوع حادث مأساوي حضّت شبكة القيادة الأوروبية (وهي مؤسسة فكرية في لندن) حلف شمال الأطلسي على التفاوض بشأن مذكرة تفاهم تحدِّد الخطوات التي قد تُتبع في الحالات الطارئة، لكن هذا يتطلب بالتأكيد شريكاً مستعداً للتعاون في الجانب الآخر، إلا أن روسيا لم تعرب عن أي اهتمام بخطة ستولتنبيرغ الرامية إلى تحديث وثيقة فيينا، ذلك الاتفاق القديم حول الشفافية العسكرية وتبادل المعلومات.

بالإضافة إلى ذلك يزداد الدبلوماسيون الروس فظاظة وراء الأبواب الموصدة، حسبما يؤكد نظراؤهم، فهم يستمتعون حقاً بمشاهدة الاتحاد الأوروبي وهو يمزق ذاته بدءاً من أزمة اللاجئين وصولاً إلى التصويت الوشيك بشأن انسحاب بريطانيا، ونتيجة لذلك يعرب عدد من المسؤولين العسكريين الغربيين عن حنين إلى الجزء الأخير من الحرب الباردة، حين كان المسؤولون الأميركيون والسوفيات يعملون معاً على آليات لتفادي الحوادث العسكرية، لكن هذه التدابير اختفت اليوم.

إذاً ما موقف أوروبا راهناً؟ يكره دبلوماسيوها الفراغ؛ لذلك نسمع من حين إلى آخر اقتراحاً غامضاً من وزير خارجية أوروبي ما بشأن التعاون مع روسيا في هذا الملف أو ذاك، من الإرهاب على شبكة الإنترنت إلى تبدل المناخ. صحيح أن الأفكار العظيمة، مثل إقامة علاقات رسمية بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي (مشروع إقليمي لا يلقى الرواج الكبير يدعمه الكرملين)، لم تمت بعد، إلا أن هذه الخطط ومثيلاتها قلما تؤدي إلى نتائج تُذكر.

تعلل استفزازات روسيا المتواصلة خطط حلف شمال الأطلسي لنشر نحو 5 آلاف جندي إضافي في دول البلطيق: بولندا، وبلغاريا، ورومانيا، علماً أن هذا القرار سيُحسم في قمة وارسو في شهر يوليو، وسينجح الحلف في تخطي حظر إقامة قواعد "دائمة"، تفرضه الوثيقة التأسيسية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي لعام 1997، بتبديل جنوده دورياً. لا شك أن هذه الخطوة ستهدئ من روع ألمانيا التي تزداد ريبة، إلا أنها لن تحظى برضا الكرملين، فقد أخبر ألكسندر غروشكو، السفير الروسي إلى حلف شمال الأطلسي، المراسلين الأسبوع الماضي أن أعمال الحلف تتناقض مع مبادئ هذه الوثيقة وروحها.

لكن الرئيس الروسي يواجه المأزق الأكبر، فما عاد اقتصاد روسيا المتزعزِع قادراً على تأمين الأحوال المعيشية العالية، التي شكّلت سابقاً أسس الاتفاق بين الدولة والمواطن، كذلك لن تدوم هالة مغامرات الكرملين في الخارج طويلاً، في أفلام الحركة المبتذلة يلجأ البطل إلى القوة للقضاء على الشرير، ولكن في الأعمال الأكثر إتقاناً يسقط في شر أعماله، إلا أن الخطر الأكبر يكمن في أن تجد أوروبا وروسيا نفسيهما في فيلم مأساوي تخفق فيه خطة الشرير، إلا أنها تقضي على الجميع في النهاية.

back to top