هل تنجح خطة مارشال للشرق الأوسط؟

نشر في 28-04-2016
آخر تحديث 28-04-2016 | 00:01
 ريل كلير يبدو أن الجميع يملكون اليوم "خطة مارشال" من نوع ما للترويج لها، لنتأمل مثلاً في الثنائي الغريب السيناتور الأميركي ليندسي غراهام ومغني فرقة U2 الرئيس بونو.

اقترح غراهام عقب رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "خطة مارشال" جديدة للمساهمة في دعم حكومة اللواء عبدالفتاح السيسي المصرية المتعثرة، فضلاً عن الحكومات الأخرى في المنطقة التي تتخبط وسط أزمة اللاجئين الخانقة.

أما بونو، مغني الروك الأيرلندي الذي يشارك في الأعمال الإنسانية منذ مدة، فكرر دعوة غراهام لخطة عمل "مارشالية" خلال شهادته أمام اللجنة الفرعية لمخصصات المساعدة الخارجية، التي يشارك فيها سيناتور ولاية كارولاينا الجنوبية، وتحدث عن المشقات والفظائع التي شهدها أيضاً خلال زياراته الأخيرة إلى مخيمات اللاجئين في كينيا، والأردن، وتركيا.

تُقدّم خطة مارشال "التجارة والتنمية لتعزيز الأمن في أماكن تعطلت فيها المؤسسات وفُقد كل أمل"، حسبما كتب مغني الروك أند رول الشهير هذا في مقال افتتاحي نُشر في صحيفة "نيويورك تايمز" على هامش زيارته إلى الكونغرس. وأضاف: "لم يُفقد الأمل بعد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حتى في الأماكن التي بات فيها معلقاً بخيط، لكن الأمل بدأ يفتقر إلى الصبر، ويجب أن تكون هذه حالنا نحن أيضاً".

لا شك أن هذين الرجلين البارزَين ليسا مخطئين، ليس بالكامل على الأقل، فقد أدت أزمة اللاجئين إلى تهجير ملايين الناس داخل سورية وخارجها، مما ساهم مباشرة في موجة المهاجرين الخارجة عن السيطرة التي تهاوت على الشواطئ الأوروبية واجتازت طرقات القارة وسككها الحديدية بحثاً عن الأمان والاستقرار.

صحيح أن الحروب في العراق، وسورية، واليمن ساهمت مساهمةً كبيرة في إخفاقات المنطقة الاقتصادية والحكومية الأخيرة، إلا أن شروط النجاح ما كانت متوافرة حتى قبل غزو الولايات المتحدة للعراق الذي زعزع الاستقرار عام 2003. فكانت الإنتاجية والمردود الاقتصادي منخفضَين مقارنةً بمناطق أخرى من العالم، أما البطالة فمرتفعة وخصوصاً بين شبان الشرق الأوسط. في المقابل تفشى الفساد والحكم السيئ بشكل واسع، في حين افتقر العالم العربي بمختلف مناطقه إلى مؤسسات ديمقراطية شبيهة بما كان قائماً في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية.

كتب المؤرخ نيكولاس ميلز في كتابهWinning the Peace : The Marshall Plan and America's Coming of Age as a Superpower (الفوز بالسلام: خطة مارشال وتحوّل الولايات المتحدة إلى قوة عظمى) عام 2008: "بخلاف مَن وضعوا خطة مارشال لمنطقة أوروبا الغربية، نواجه اليوم تحدي التدخل في دول يسودها الصراع الإثني وتتراجع فيها التقاليد الديمقراطية، في حين يُعتبر الوجود الأميركي مصدر ريبة".

علاوة على ذلك لا يستطيع الأميركيون في أوروبا تحديد الدول والثقافات التي تشاركهم في قيمهم فحسب، بل أيضاً تلك التي تساهم في تنمية مجتمعهم الخاص، فكما ذكر الرئيس الأميركي آنذاك هاري ترومان، شكّلت إعادة بناء أوروبا "خطوة ضرورية للحفاظ على الحضارة التي تتأصل فيها جذور نمط الحياة الأميركي".

صحيح أن الشك في الأميركيين المتحدرين من أصول ألمانية كان واسع الانتشار قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن علاقة الولايات المتحدة القوية بالقارة جعلت من الصعب فصل معاناة ألمانيا نفسها عما يعانيه شعبها الخاص، فقد شكّل الألمان أكثر من 10% من الشعب الأميركي نحو نهاية القرن التاسع عشر، وقاد رجال يحملون أسماء مثل أيزنهاور ونيميتز الحملة ضد قوى المحور.

لكن الأميركيين لا يملكون بكل بساطة العلاقة ذاتها مع العالم العربي، نما يصعّب على أشخاص مثل بونو وغراهام الترويج لخطوة لا تلقى الرواج أساساً، ويمثل المسلمون 1% تقريباً من الشعب الأميركي اليوم، شأنهم في ذلك شأن الأميركيين المتحدرين من أصول عربية، بالإضافة إلى ذلك سبق أن خسرت الولايات المتحدة حياة آلاف الأميركيين وأنفقت مليارات الدولارات في محاولة لإعادة بناء العراق وأفغانستان؛ لذلك يتطلب إقناع الشعب الأميركي بأن هذا الجزء عينه من العالم يحتاج إلى المزيد من الأموال والأرواح الأميركية وجهوداً جبارة على الأرجح تفوق حتى مقدرات جورج مارشال الذي لا مثيل له.

تستدعي مشاكل الشرق الأوسط حلولاً شرق أوسطية، وخصوصاً إنهاء أعمال العنف والتقهقر الوطني المتفشي في سوريا، اليمن، والعراق، كذلك يتطلب الحل مقداراً من التعاون والتنسيق بين الشيعة والسنة، والإسلاميين والعلمانيين، والفرس والعرب، علماً أن هذا التعاون والتنسيق غائبان تماماً اليوم. إذاً ما من تخطيط اقتصادي، مهما بلغ، قد يبدل هذا الواقع، سواء جاء ضمن إطار خط مارشال أو أي خطوة أخرى.

كيفين سوليڤان

back to top