الأغلبية الصامتة: تمدد خطاب الكراهية

نشر في 28-04-2016
آخر تحديث 28-04-2016 | 00:01
 إبراهيم المليفي  هنالك شيء لا أستطيع تجاوزه هو تنامي القاعدة التصويتية لخطاب الكراهية في الدول الديمقراطية العريقة وتكاثر فرص وصول الأحزاب الممثلة لذلك الخطاب إلى مراكز اتخاذ القرار، تحت تأثير الغضب اللحظي أو الصدمات المروعة، ومثل هذه الأمور لو حصلت فإنها سترفع مخاطر الانفجار الداخلي في أوطان نموذجية.

آخر أخبار العالم المتحضر تؤكد أن القادم لا يبشر بالخير، ذلك العالم المكشوف لنفسه وللعالم إعلاميا هو الذي يستحق الأسى عندما ينغمس في خطاب الكراهية بعدما اجتهد في الاستفادة من أخطائه، العالم المتحضر هو الجهة المرغوبة للهجرة والعمل والدراسة والطبابة والاستثمار والبحث عن الأمان، وإذا ما فقد هذه المميزات تحولت الكرة الأرضية بأكملها إلى كوكب متوحش.

قبل أن تظهر أزمة المهاجرين السوريين إلى أوروبا كان حزب لوبان الأب وابنته من بعده في فرنسا معبرا عن شريحة مناهضة لوجود العمالة المهاجرة، وكانت المبررات تستند إلى الأسباب الاقتصادية فقط، ولكن بعد تفجر قضية اللاجئين تحول مسار اليمين المتطرف ليعبر عن خليط من المشاعر المناهضة للمسلمين، ولكل ما هو غير فرنسي، خصوصاً أن فئة من المسلمين الإرهابيين قدموا الأدلة على وحشيتهم على طبق من ذهب في جريمة شارلي إيبدو وتفجيرات باريس، صحيح أن اليمين الفرنسي المتطرف أخفق في الانتخابات عدة مرات لكنه كشف عن مدى التدهور في مزاج الناخب الفرنسي.

أقوى ديمقراطية في العالم، الولايات المتحدة الأميركية وبعد وصول أول رئيس غامق البشرة إلى منصب الرئيس تعززت فيها العنصرية بدلا من أن تخف، السود رفعوا من سقف مظلوميتهم التاريخية وآخرها في حفل توزيع جوائز الأوسكار، والبيض تعلقوا بقشة ترامب بكل ما فيه من سوقية وصفاقة وغرور على أمل وصوله إلى الرئاسة كي يغلق الحدود مع المكسيك، ويمنع المسلمين من دخول أميركا، ويسخر من الهنود والسود وكل ما هو خارج دائرة البيض.

في ألمانيا تتصاعد صيحات الانعزال والطرد، وفي النمسا قبل أيام حقق مرشح اليمين المتطرف نوربت هوفر أفضل نتيجة للحزب منذ الحرب العالمية الثانية، تلك الأوضاع خرجت من إطار الشعارات العنصرية (فرنسا للفرنسيين، ألمانيا للألمانيين... إلخ) لتعلن وجود حالة من الكراهية الدينية والقبول السهل لأي تراجع عن اتفاقيات صلبة مثل (شنغن) أو نصوص محلية تكفل الحماية والرعاية لأي إنسان مهما كان دينه أو لونه أو عرقه.

لم أكن غارقا من قبل في أوهام الكمال الموجود في العالم المتحضر، وفي الوقت نفسه لا أنكر احترامي الشديد لجرأتهم على مراجعة أخطائهم وتحصين أنفسهم من تكرار وقوعها، وألتمس العذر لبعض الدول الأوروبية التي عجزت عن التعامل مع طوفان بشري صدمها بغتة، ولكن ماذا نقول عن الذي يحصل في أميركا؟!!

في الختام هنالك شيء لا أستطيع تجاوزه هو تنامي القاعدة التصويتية لخطاب الكراهية في الدول الديمقراطية العريقة وتكاثر فرص وصول الأحزاب الممثلة لذلك الخطاب إلى مراكز اتخاذ القرار، تحت تأثير الغضب اللحظي أو الصدمات المروعة، ومثل هذه الأمور لو حصلت فإنها سترفع من مخاطر الانفجار الداخلي في أوطان نموذجية في التعايش والعدالة، ناهيك عن تحولها إلى موجة تجر محيطها نحو موجات شبيهة.

back to top