5 ألغاز عن قبر الملك «توت عنخ آمون»

نشر في 28-04-2016
آخر تحديث 28-04-2016 | 00:01
ظنّ علماء الآثار أنّهم اكتشفوا كامل حجرة الدفن في وادي الملوك في مصر، ليعود عالم الآثار هوارد كارتر ويفتح قبر الفرعون توت عنخ آمون في عام 1922 ويجد أن شائبة لم تشبه، فقد بدا واضحاً أن اللصوص لم يتمكنوا من سرقة أوانٍ وتحف ذهبية مبهرة كانت فيه، ممّا جذب الانتباه إلى توت عنخ آمون وأصبح أحد أشهر المومياوات في مصر، فشكّل مادّة دسمة للتدريس.

حكم الملك توت مصر عقداً من الزمن (1332 - 1322) قبل ميلاد المسيح، ومات عن عمر 19 سنة. اليوم، وبعد بروز احتمال اكتشاف غرف خفيّة تبرز تلميحات جديدة تجيز التساؤل حول حياة هذا الفرعون وموته ومكانته في التاريخ المصري.

لم يكن قبر الملك توت عنخ آمون آخر لغز احتفظ به وادي الملوك في مصر. في السنوات العشر الأخيرة، اكتُشفت غرفتان جديدتان: الأولى عبارة عن مساحة لحفظ النواويس ومستلزمات الدفن، والثانية تضمّ مومياء امرأة كانت تغنّي في معبد كرنك.  في عام 2015، أجرى عالم الآثار هيروكاتسو واتانابي سلسلة من عمليّات الاستكشاف عبر رادار يخرق الأرض. بعدما استُكملت نتائج التحاليل هذه، قيل إنّ من المحتمل وجود غرف إضافية أخرى تضم قبوراً مخفية وراء جدران قبر الملك الشاب. ولكن يصعب استخدام الرادار الخارق للأرض على صخور وادي الملوك في مصر. ووفقاً لوزير الآثار المصري زاهي حوّاس، يُخطّط للقيام بجولة جديدة من عمليات الاستكشاف لإثبات صحّة وجود هذه الغرف.

للوهلة الأولى، يبدو أنّ الملك توت عنخ آمون ليس شخصية رفيعة المستوى في التاريخ المصري، لا سيما أن قلّة كتبت تقارير عنه. باختصار، تولى توت الحكم في فترة شهد شعبه خلالها تغيّرات جذرية. كان الفرعون أخناتون، الذي انتهى حكمه قبل أربع سنوات من بدء حكم توت، غيّر الديانة الرسمية في مصر: جعلها ترتكز على عبادة إله الشمس آتون بعدما كانت تقوم على عبادة آلهة متعدّدة. فسلب هذا التغيير الجذري نفوذ الكهنة الأغنياء ذوي السلطة لدى الآلهة المصرية التقليدية.

وعقب وفاة أخناتون، عاد الشعب إلى عبادة الآلهة التقليدية، وسرعان ما استعادت هذه الطقوس قوّتها ونفوذها. وهي كانت فترة انقلاب حكم خلالها الفرعون توت.

رسم اكتشاف قبر الملك توت عام 1922 أسئلة مهمّة حول التاريخ المصري. مثال: من هم أسلافه وخلفاؤه؟ هل دفنت الشخصيات الأخرى إلى جانبه؟ وفي حال اكتُشفت غرف جديدة، كما يزعم علماء الآثار، تكون الإجابات حول الأسئلة التي تُطرح عن حياة الملك الشاب توت عنخ آمون وعائلته وأنسبائه أقرب من أيّ وقت مضى. مع ذلك، ثمة ألغاز حول حياته تبقى غامضة وطيّ الكتمان. نظرة إليها:

من هم أهله؟

 

خلال عهد الفرعون أخناتون، أيّ نحو السنة 1341 قبل المسيح، ولد طفل في العائلة الحاكمة اسمه توت عنخ آتون تيمّناً بإله الشمس آتون. بعد موت أخناتون، سمّيَ الطفل «آمون» تيمّناً بألوهية الشمس التقليدية، ليصير اسمه توت عنخ آمون. بالنسبة إلى والدته، يؤمن بعض العلماء بأنّها نفرتيتي، زوجة أخناتون الرئيسة، فيما يؤمن بعضهم الآخر بأنّها كيا، إحدى زوجات أخناتون الثانوية.

كذلك لم يؤكّد أحد من العلماء أنّ أخناتون كان والد توت عنخ آمون، بل ربما يكون والده الفرعون سمنخ كا رع، الحاكم الذي سبقه مباشرة. أظهرت تحاليل فحص الحمض النووي التي أجريت على مومياوات عدّة وجدت في وادي الملوك، أنّ والد الملك توت دفن في المقلب الآخر من الوادي في قبر رقمه KV55. أمّا والدته، فدفنت غرب الوادي في قبر رقمه KV35. إلا أنّ هوية هذه المومياوات لا تزال مجهولة.

أشارت ماريان ايتون كرووس، عالمة آثار مصرية وخبيرة في قبر توت عنخ آمون وأستاذة في الجامعات الألمانية، إلى أنّ هذه المومياوات من دائرة أقرباء الملك الشاب، ولكن يصعب تحديد درجة القرابة من خلال فحص الحمض النووي فحسب. تُوضح معرفة الهوية الحقيقية لأهل الملك توت، أيّ نوع من المؤامرات الملكية حيكت عند تربّعه على العرش في عمر التاسعة. في حال وُجدت مومياء أخرى في قبر الملك توت، تساعد النقوش التي حفرت على الأواني والقطع الذهبية الثمينة في الإجابة عن هذا السؤال.

من حكم قبله؟

في أواخر عهده (1336 قبل المسيح)، عيّن الملك أخناتون حاكماً مساعداً له يُدعى نفرنفراتون الذي من المفترض أن يكون نفرتيتي تحت اسم مستعار. تربّع الأخير على عرش الحكم ثلاث سنوات بعد موت أخناتون، ليخلفه الفرعون سمنخ كا رع.

ويعتبر سمنخ شخصية مثيرة للجدل. يؤمن بعض العلماء، بمن فيهم العالم نيكولا ريفس من جامعة أريزونا، بأنّه كان أحد الأسماء المستعارة لنفرتيتي أيضاً. أمّا الاحتمال الثاني فهو أنّه كان أحد أقرباء أخناتون. في حال اكتُشفت غرفة أخرى قديمة، قد تشير أيّ مومياء موجودة في داخلها إلى من سبق الملك توت في الحكم وتجيب عن هذا السؤال.

من حكم بعد توت؟

 

توفي الملك توت فجاة في التاسعة عشرة من عمره ولم يُنجب ورثة يتسلمون عرشه. تشير الكتابات والنقوش إلى أنّه تزوّج عنخ إسن آمون، ابنة نفرتيتي، ما يعني أنّها قد تكون شقيقته. رُزق الزوجان بطفلتين سرعان ما توفيتا بعد مرور وقت قصير على ولادتهما. وُجدت مومياوتاهما في قبر توت.

ترك موت الملك توت الزوجة عنخ إسن آمون تتخبّط في خيبات الأمل، فبعثت برسالة إلى ملك الحثيين الذي حكم المنطقتين اللتين تُعرفان اليوم بتركيا وسورية، كتبتها بخط يدها وسألته أن يرسل إليها رجلا لتتزوجه ويشاركها العرش في مصر. واعتبرت الرسالة بمثابة الجهد الأخير الذي تبذله في الحفاظ على نفوذها في الحكم. وتشير الوثائق إلى أنّ زاننزا، ملك الحثيين أُرسل إلى مصر غير أّنه اختفى في طريقه إلى هناك.

ولكن وفقاً للعالمة ايتون كرووس، تشكّل الرسالة مادّة مثيرة للسجال، فمن المحتمل أن تكون نفرتيتي كتبتها طالبةً رجلاً لنفسها في محاولة للاحتفاظ بالسلطة قبل أن تطلق على نفسها لقب الفرعونة.

لا يبدو أن محتوى الغرف الجديدة يستطيع كشف صاحب هذه الرسالة. غير أنّ ما حدث بعد موت الملك توت يبقى لغزاً يرغب معظم علماء الآثار المصريين في حل رموزه.

ما الغاية من بناء قبره؟

 

من وجهة نظر بعض العلماء، بمن فيهم ريفس، بدا قبر الملك توت صغيراً بالنسبة إلى قبر فرعون، فيما ظنّ البعض الآخر أنّ القبر الذي بُنى مسبقاً تحوّل إلى استعمالات أخرى عندما توفيّ الملك فجأة. فقد احتوت واحدة من أربع غرف تضمنها القبر على كنز من القطع الأثرية، وهي حجرة الدفن التي طليت جدرانها ورسمت عليها نقوش. ولكن يُشار إلى أن القبور الملكية الأخرى في تلك الحقبة التاريخية، زّينت أيضاً بالأواني والقطع الذهبية الباهظة الثمن.

وفقاً للعالم ريفس، 80% من التحف الموجودة في القبر تدّل على أنّه استخدم لأغراض أخرى من حكّام سابقين، بمن فيهم أخناتون. ويظن العالم أنّه بدل توسيع قبر الملك توت، أخذ البنّاؤون جزءاً من قبر واسع ونسبوه إليه. فقد اعتبر أنّ مالك القبر الأساسي كذب بشأن واحدة من الغرف التي زُعم اكتشافها، وهذا الشخص هو نفرتيتي التي دفنت على أنّها الفرعون سمنخ كا رع.

من جهته، يعتبر الوزير حوّاس أنّ الدور البارز الذي اضطلعت به نفرتيتي في عبادة آتون يجعل دفنها في وادي الملوك أمراً غير محتمل. إذ إنّ الوادي كان بمثابة منطقة مكرّسة للإله آمون.

من دفن أيضاً في قبر الملك توت؟

 

شارك بعض العلماء العالم ريفس تفاؤله، إذ أشار إلى أنّ أيّاً من الغرف لا يحتوي قبر نفرتيتي. غير أنّ  العثور على موميائها، تحت أيّ اسم، يفتح آفاقاً جديدة لدراسة مصر القديمة. فثمة احتمال أن تحتوي الغرفة التي اكتشفت على أمور أخرى.

يجري العالم فرانك رهلي، من جامعة زيورخ في ألمانيا، بحثاً وافياً عن مومياء الملك توت، وهو كتب لائحة تتضمّن أسماء الأشخاص الذين ينتمون إلى العائلة الحاكمة ومن المحتمل أن يكونوا قد دُفنوا هنا، بمن فيهم ميريتاتين، شقيقة الملك توت الكبرى، ووالدته المحتملة كيا، كذلك شمنخ كا رع (اسم نفرتيتي المستعار كما يزعم البعض). أيّ من هذه المومياوات باستطاعتها إخبارنا المزيد عن الملك توت وأقربائه الحقيقيين.

احتمال آخر لم يحظَ بالاهتمام عينه يفيد أنّ هذه الغرف قد تكون للتخزين لا أكثر. في حال تأكدت صحّة وجود الغرف، تصبح الاحتمالات لامحدودة لإخبارنا المزيد عن حياة الملك الشاب توت. أفادت العالمة ايتون كرووس: «الأمر الوحيد الذي لا ريب فيه أنّ الملك توت عنخ آمون مات».

كيف مات الملك توت؟

سؤال مهمّ لا تجيب عنه أيّ من محتويات الغرف المكتشفة حديثاً. تظهر تحاليل فحص الحمض النووي التي أجراها العالم ريوهلي أنّ الملك الشاب عانى الملاريا وداء كوهلر الذي نتجت منه أعراض عظمية نادرة، فأصيبت رجله اليسرى بتشوّه، ما يفسر احتواء قبره على 130 عصا للمشي، يدّل بعضها على أنّه كان يستخدمها خلال حياته. وفقاً لريوهلي، لا يسبّب هذان المرضان الوفاة لأنهما لا يصنّفان ضمن الأمراض القاتلة. ويرجّح أنّ التفسير الأفضل يُنسب إلى كسر شديد في الساق، أدّى إلى اختراق العظم الجلد ممّا سبّب نزيفاً حادّاً، وقد يناسب الكسر فكرة موت الملك المفاجئ. لا يستطع روهلي أن يقدّم تصريحاً طبيّاً يؤكّد أنّ الكسر أصابه عندما كان حيّاً. من المحتمل أن تكون ركبته قد كُسرت بعد موته.

كذلك يعتبر روهلي أنّه لا بدّ من التطّرق إلى صحّة الملك الجسدية: هل كان فرعوناً قويّاً وكثير الحركة يقود جيوشه إلى ساحات القتال أم فرعوناً ضعيفاً هزيلاً تتقاذفه طموحات كبار القادة الذين كانوا يحيطون به؟

* زاك زوريخ

back to top