العاشق... المبتهج

نشر في 26-04-2016 | 00:01
آخر تحديث 26-04-2016 | 00:01
سعيد صالح... سلطان الضحك وأشهر المشاغبين في المسرح المصري (الحلقة الثانية)
لا يكترث بالمعوقات ويتجاوز المواقف الصعبة بالاصرار والعزيمة

"رأينا كيف بدأ سلطان الضحك مشواره مع التمثيل منذ كان طفلاً صغيراً حتى المرحلة الثانوية، وكيف كان يتنقل بين المدارس بحثاً عن فرق مسرحية ينضم إليها، فأدى ذلك إلى رسوبه وثم التخطيط للهجرة، رغم أن عمره لم يكن قد تجاوز بعد الثانية عشرة.

وفي هذه الحلقة نتعرف على ملامح أخرى في رحلته مع الفن، وكيف بدأ مشواره الاحترافي من خلال مسرح التلفزيون، الذي لعب دوراً مهماً في "تفريخ" العديد من المواهب الفنية، ولماذا انتقل منه للفرق المسرحية الخاصة التي أصقلت موهبته، وحكاية أشهر "إفيه" "أستك منّه فيه"، وقرار الهجرة الذي راوده مجدداً وأنقذه منه مرسي الزناتي.

"ما انبسطتش في السيما زي ما انبسطت في المسرح، ويا سلام لو كان ينفع ما اشتغلش طول عمري غير مسرح بس"... هكذا صرح سلطان الضحك في واحد من اللقاءات الصحافية التي أجريت معه، مؤكدا أنه كان وسيظل معتبرا نفسه طيلة الوقت ممثلا مسرحيا لا يعرف له عشقا سوى المسرح.

لكن أي مسرح كان يعنيه صالح؛ "مدرسة المشاغبين" و"العيال كبرت" أم "كعبلون" و"قاعدين ليه"؟

المؤكد أنه لا أحد يمكنه الإجابة بدقة عن هذا السؤال سوى سعيد صالح نفسه، والمؤكد والأهم أنه، رحمه الله، كان يدافع دوما عن مجمل اختياراته الفنية والحياتية بضراوة شديدة.

لم يضبط يوما يبدي ندما على عمل فني مهما بلغت حدة النقد أو الهجوم عليه، حتى الأفلام السينمائية التي شارك في بطولتها ووصفها البعض

بـ "المقاولات"، في إشارة إلى تواضع مستواها الفني، شكلا ومضمونا، إضافة إلى لأنها قليلة التكلفة، لم يسقطها من حساباته، وفقا لما أكده في اعترافاته للكاتب الصحافي والسينارست بلال فضل، والتي ضمنها في مجموعة مقالات نشرها عن الراحل بعنوان "الموهوبون في الأرض".

يقول: "سعيد صالح على العكس من الآخرين لا يبدو نادماً على شيء، بل هو للأمانة لا يبدو مكترثاً من أصله لتصنيف هذه الأفلام وتوصيفها، بالنسبة له كان "شغل وخلاص" وأدى المطلوب منه، لذلك ليس من الجدعنة أن يندم عليها أو يتحدث عنها بشكل سلبي".

مجدداً، أي مسرح عشقه سلطان الكوميديا وأخلص له بصدق ومحبة؟ وأي لون توجه نجما على عرشه؟ وهل حقا كان "زعيم مسرح المعارضة"، كما صنفه البعض؟ أم أن "المسرح السياسي" الذي دخله بوعي ورغبة حقيقيين في أن تكون له بصمته الخاصة من خلاله، لم يكن إلا "بوابة جهنم" التي أوصلته للسجن ووضعته في خانة المغضوب عليهم؟

أم أن المسرح بريء، والمسألة برمتها تتعلق باختياراته الفنية، وفقا لرؤيته حينها، ورغبته في طرح قضايا محددة تتشكل مع الخبرة الحياتية ونضجه كفنان؟ أم لعل اختياره للمسرح السياسي مجرد وسيلة يعرب من خلالها عن موهبته كملحن لا يمكن أن تطل إلا عبر تلك النوعية من المسرحيات، خصوصا أن الأغاني التي قدمها في هذه العروض معظمها من أشعار فؤاد حداد، بيرم التونسي وصلاح جاهين؟

مجدداً، هل المسرح الذي عشقه أنصف موهبته الفياضة، أم لعله عشق وهما وسرابا؟

الأولة... بسم الله

في عام 1960 أعلن "مسرح التلفزيون" عن حاجته لخريجي معهد الفنون المسرحية فقط، وبعدها بعام فتح الباب أمام كل عشاق التمثيل، سواء من خريجي الجامعات، أو حتى الطلبة الحاصلين على الثانوية العامة، وبالفعل تقدم الآلاف، وكان صالح وغيره من بين الذين تم اختيارهم.

يتذكر سلطان الكوميديا هذه الفترة، قائلا: "كنت من بين الذين سارعوا للتقديم لمسرح التلفزيون، ولسوء حظي كان ترتيبي الأول في الاختبارات، لذا تعمدت أن أتأخر في الدخول بدوري للجنة الاختبار، حتى أتمكن من معرفة كل ما يتعلق بها ممن سبقوني، على الجانب الآخر كنت اتفقت مع صديق تقدم مثلي للاختبارات بأن يساندني في المشهد الذي أعددته، على أن أعامله بالمثل".

وأضاف: "حينما استعددت تماما، وقررت الدخول اختلقت قصة تبرر تأخري عن موعدي، متحججا بقدومي من مكان بعيد، وبعد توسلات ومحايلات وافق المختص، ودخلت بعد أن استأذن لجنة الاختبار، والتي كانت تضم نخبة من العمالقة، من بينهم الراحل السيد بدير، مؤسس مسرح التلفزيون، والمخرج الراحل سعد أردش".

وتابع: وقفت أمام اللجنة أؤدي المشهد بمساعدة صديقي، ثم طالبتني اللجنة بتقديم مشهد آخر ارتجالي فأديته، ثم خرجنا ودخلت مرة أخرى مع صديقي لمساعدته، كما اتفقنا، فإذ باللجنة تتعامل معي وكأني أنا "الممتحن" وليس صديقي، وبعد عدة أيام وصلني خطاب يفيد بقبولي ضمن فرق التلفزيون".

كان أول عرض أشارك فيه هو "الطريق المسدود"، ورغم أن دوري فيه لم يتجاوز عشر دقائق، فإنني نجحت من خلاله في لفت الأنظار لموهبتي، ما أهَّلني لأن ألعب بطولة العرض التالي، وكان "111 كفر أبومجاهد"، والطريف أن المسرحية تم تصويرها وأذيعت بالتلفزيون، وشاهدها والدي، والذي لم يكن يعرف أصلا أنني أمثل، وعندما عدت للمنزل استقبلني باسما مبديا إعجابه بأدائي.

ويضيف: "بعدها توالت العروض والنجاحات، إلا أنه وبعد عدة شهور طالبونا باستكمال "مسوغات التعيين"، وكان من بينها شهادة إتمام الخدمة العسكرية، ونظرا لأنني وغيري كنا ومازلنا طلبة في الجامعة ولم نؤدِ الخدمة أصلا تم فصلنا من مسرح التلفزيون أنا ومجموعة كبيرة كان من بينهم عادل إمام، ورغم حزن أساتذتي على فصلي وفي مقدمتهم الراحل السيد بدير، الذي كان مؤمنا بموهبتي جدا، لكنني سعدت بما حدث، فأنا فنان أفضل دوما أن أكون حُرا، ولا تحتكرني جهة محددة، لذا قلت "بركة يا جامع"، وانطلقت للعمل في فرق المسرح الخاص.

اختيارات

منذ أن احتجزه الأطباء بالمستشفى في رحلة علاجه الأخيره قبل رحيله، والفنان عهدي صادق أحد أبرز أصدقاء صالح كان يحرص على زيارته يوميا، للاطمئنان عليه ومتابعة حالته الصحية، كان يطيل النظر لصديقه، كمن يختزن محبته، لتكفيه بعد الرحيل.

قال مداعبا: بس أنا لحد دلوقت معرفتش برضه أنت ليه مدخلتش معهد الفنون المسرحية ودخلت كلية الآداب؟

يضحك سعيد قائلا: "ياه ايه اللي فكرك؟" ثم تأخذه الذكريات لسنوات الصبا حينما قرر بإرادته الحرة المستقلة أن يلتحق بكلية الآداب قسم صحافة، وليس المعهد العالي للفنون المسرحية لدراسة التمثيل والفن الذي عشقه، فإلى جانب عشقه للقراءة والاطلاع جمعته الصداقة بـ عطاء النقاش - شقيق الكاتب والناقد الراحل رجاء النقاش والكاتبة الصحافية فريدة النقاش - ورغم أنه كان يكبره بعده أعوام، فإن شغفه بالاطلاع عموما، وفي كل ما يتعلق بالفن تحديدا، ساهم في توثيق الصلات بينهما، خصوصا بعدما التحق عطا بأول دفعة بالمعهد العالي للسينما.

كان سلطان الكوميديا سعيدا بالاطلاع على كل كتب عطا الفنية، كما كان يذهب معه لمكتبة الجامعة الأميركية، التي كانت مفتوحة للجميع في ذلك الوقت، ما أتاح له قراءة الكثير من الكتب المترجمة في فن المسرح والتمثيل، كما كان يستغل إجادة صديقه للغة الإنكليزية، ليترجم له أمهات الكتب التي أفادته لاحقا كممثل.

وبحكم الجيرة والصداقة كان سعيد يذهب معه للمعهد، ومنه تعرف على أصدقاء جدد في معهد التمثيل، ما أتاح له الاستفادة من دراستهم، من ثم شعر بأنه لا حاجة له بدراسة الفن والمسرح في المعهد، فقد بات ملما بكل ما يعينه على بدء مشواره الاحترافي.

وكأنه كان يحاول تنشيط ذاكرته، فداعبه مجددا: طب فاكر لما قررت تنسحب من أحد الأفلام علشان هند بنتك كانت بشتغل فيه مونتيرة؟

ردَّ سعيد ضاحكا: ما أنا قلت بقى مينفعش يا واد تشتغل في فيلم مع بنتك، ليقولوا عليك أنت اللي فارضها، بس شريف عبدالعظيم منتج الفيلم أقنعني أكمل بعد ما أكد لي أنه هو اللي طلبها علشان هي شاطرة (يضحك) طالعة لأبوها.

مرَّت لحظة صمت، قبل أن يتنهد سعيد، قائلا: تعرف يا عهدي، أنا مش خايف من الموت، أنا عارف إن ربنا بيحبني، وإلا مكنش قبلني ضيفا من ضيوفه 18 مرة.

اجتهد عهدي في إخفاء دمعة فرت من عينيه، قبل أن يراها صديقه، وقال: ما تصلي على النبي كده يا حاج، أنت زي الفل، يلا كمل لي ذكرياتك الحلوة، عملت أيه بقى بعد ما رفدوك من مسرح التلفزيون؟

فجأة دبَّت الدماء في عروقه واختفى سعيد، اللامكترث المستسلم، ليظهر سعيد آخر فخورا بأدائه، متحدثا بحنين بالغ عن مشواره الفني.

يقول: شاركت في فرقة تحية كاريوكا، وقدمت معهم رواية "روض الفرج"، وكانت من إخراج حسين كمال، ثم رجعت لمسرح التلفزيون مرة أخرى، وقدمت معهم روايات عديدة، وظللت اتنقل بينهما بنجاح كبير.

يضحك سعيد ويواصل: "أثناء عرض رواية المتحذلقات، وهي من المسرح العالمي، حدث موقف طريف جدا لا يزال عالقا بذاكرتي، فقد تطلب دوري ارتداء بنطلون له مواصفات خاصة يتم ربطه بحزام، إلا أنني فوجئت في ليلة من ليالي العرض بانقطاع الحزام، من ثم كاد البنطلون أن يسقط مني على خشبة المسرح، ولم أعرف كيف أتصرف، فلم يكن من المنطقي دراميا أن أترك خشبة المسرح، أو أن أطالب بإغلاق الستار، وفجأة وجدتني أخاطب الجمهور وأشركه معي في الموقف، فتوجهت لهم قائلا: "الحزام اتقطع، والبنطلون لو وقع حتبقى فضيحة، أصلي مش لابس حاجة من تحته"، ورغم أن الرواية كما أشرت تنتمي للمسرح العالمي، فإن الجمهور "مات من الضحك"، معتقدا أنه مشهد كوميدي، وليس واقعا حقيقيا.

بعدها التحقت بفرقة الفنانين المتحدين – يواصل سلطان الضحك حديثه قائلا: "قدمت معهم رواية "البيجاما الحمرا" مع كوكبة من النجوم منهم أبوبكر عزت وعقيلة راتب، ثم انتقلت للفرقة الاستعراضية، والتي قدمت معها عددا من العروض الناجحة، منها رواية "الحرافيش" مع هدى سلطان، محمود المليجي، محمد رضا، عبدالمنعم إبراهيم وصفاء عبدالسعود، كما قدمت معهم رواية "القاهرة في ألف عام"، وكانت بطولتي مع صفاء أبوالسعود وأخرجها مخرج ألماني.

العودة

كانت الذكريات والتفاصيل والتواريخ تتداعى في ذاكرة الأباصيري يتذكر موقفا ضاحكا هنا، وآخر هناك، يحكي عن أعمال مازالت محفورة بالذاكرة والوجدان.

يقول: "بعد 3 سنوات من الغياب عن الفنانين المتحدين طلبني مجددا مؤسسها سمير خفاجي، لأشارك بعرض "حصة قبل النوم"، وهو من إخراج الراحل فؤاد المهندس، وبطولتي مع نيللي والفنان عبدالمنعم مدبولي وحسن مصطفى، ونجحت المسرحية نجاحا كبيرا عوضت خسائر خفاحي في عروض سابقة، ثم توالت العروض مع المتحدين، فقدمت مع عادل إمام مسرحية "سري جدا جدا"، لكنها لم تحقق نجاحا كبيرا، ثم قدمت مسرحية "هالو شلبي"، التي أعتبرها نقطة فاصلة في مشواري الفني.

يواصل صالح، قائلا: بقدر ما حققت "هالو شلبي" نجاحا وأشاد بها الجمهور والنقاد، إلا أن الظروف حالت دون استمرارها، فبعد موسم ناجح في الإسكندرية، ولأكثر من 3 شهور، كان علينا العودة للقاهرة، كي نفتتح بها الموسم الشتوي في 28 سبتمبر من العام 1970، وهو يوم رحيل جمال عبدالناصر، وبالطبع توقفت كل العروض والأنشطة وقتل هذا العرض في مهده، ولولا أنه كان تم تسجيله لما عاش بذاكرة الجمهور حتى الآن.

تذكر صالح "إفيه" أستك منه فيه"، والذي كان وسيظل يعيش بذاكرة الجمهور وكيف جاءته فكرته يقول: "قبل البدء في المسرحية بأربعة شهور كنت في زيارة لعزبة خال سمير خفاجي بمحافظة دمياط مع مهدي أحد أبطال العرض وجلس معنا الغفير، وكان صامتا طول الوقت، وعبثا حاولنا أن نجعله يتكلم فلم نفلح، حتى طلبنا منه أن يحكي لنا ماذا فعل في العيد، حينها فقط بدأ يتكلم وحكى أنه ذهب للسوق واشترى "جزمة كريب، وجوز شرابات أستك منه فيه"، فضحكنا كثيرا على طريقة إلقائه لهذه العبارة، وأخذت أرددها بإعجاب.

وعندما بدأ العرض كان هناك حوار بيني والفنانة ميرفت أمين، والتي لعبت دورها لاحقا الفنانة مديحة كامل، وكان الحوار لا يعجبني، إذ كنت أقول لها "عم الشيخ سالم طردني"، فتسألني طردك ليه؟ فأرد علشان بألّف قصص، وعليه قررت تغيير النص، فعندما تسألني طردك ليه؟، أقول لها أصل العيد اللي فات رحت السوق واشتريت جزمة كريب وجوز شرابات حلوين أستك منه فيه، وأخدت أشده فيلسعني، فتقول لي بتشده ليه؟، فأرد عليها علشان يلسعني.

يواصل: وعليه كان المسرح يمتلئ بالضحك، وهكذا أخذت جملة عم عبده الغفير وغيرت بها الحوار، ونجحت جدا من خلال هذا الدور، كذلك المسرحية حققت نجاحا كبيرا، لكن وكما أشرت، مات عبدالناصر، وكان الخبر صدمة مروعة لنا جميعا، فأغلقنا المسرح وعمَّ الحزن البلد، وكان هذا خرابا علينا، لأننا مسرح خاص "بنقبض من الشباك".

تنهد صالح وصوته مليء بالشجن، وواصل حديثه، قائلا: "خلال مشواري الفني اعترض طريقي الكثير من المنغصات والعقبات، لكني دوما كنت راضيا، وعلى يقين دوما بأن "فرجه قريب"، فبعد عدة شهور، تحديدا في مايو 1971 قدمت مع المتحدين رواية جديدة هي "اللص الشريف"، رغم أنني أعتبرها أفشل عرض مسرحي شاركت فيه، رغم وجود نجوم كبار تصدوا لبطولة المسرحية، ومنهم محمود المليجي، أحمد زكي، مديحة كامل وحسن مصطفى، إلا أنه كان من المفترض أن يشاركني بطولتها عادل إمام، لكنه اعتذر عنها، لارتباطه بعمل آخر، من ثم تم استبداله بالفنان حسن مصطفى، وبالطبع فشل العرض، لأن فكرته الأساسية كانت تدور حول اثنين أصدقاء، أنا وحسن، لكن للأسف، هو ليس من سني، فلم يصدقنا الجمهور وفشل العرض.

يواصل: الأمر الذي زاد من إحباطي وحزني، وبدأت أسأل نفسي كيف أفشل بعد كل النجاح الذي سبق وحققته، وما زاد من إحساسي بالمرارة والحزن، أنني لم أكن قد أسست منزلا، ولا أمتلك سيارة خاصة، كغيري من رفقاء الدرب، لذا "أسودت الدنيا" في وجهي، وسكنني الهم والغم، فاتخذت حينها قرارا بالهجرة، خصوصا بعدما سافر مهدي لأميركا واستقر بها، الأمر الذي حفزني للحاق به.

ويتابع: بالتأكيد لم يكن أمامي بديل آخر كنت محبطا لا أملك حتى قوت يومي، ولم ينقذني إلا سمير خفاجي، الذي عرض عليَّ الإشراف على جراج كبير كان يمتلكه في الإسكندرية مقابل 250 جنيها في الشهر، وحتى موعد سفري الذي تحدد في يوليو من نفس العام، وبالفعل سافرت وبدأت العمل، وما هي إلا أيام، حتى فوجئت باتصال آخر منه يطلبني لعرض مسرحي جديد، إلا أنني رفضت، مؤكدا له أنني مهاجر بلا رجعة، فقال لي بإصرار اعمل الرواية دي وابقى هاجر بعدها، فوافقت، وكانت "مدرسة المشاغبين"، الذي لم ينقذ الأباصيري فقط من الهجرة، لكنه غير مسار حياته كلها.

موهبة كوميدية بزنة ألف رطل

أفرد الراحل الساخر محمود السعدني في نهاية كتابه "المضحكون" الصادر سنة 1971 فصلا للحديث عن "المضحكين الجدد" وقتها، والذين وصفهم بالعيال، معتبرا سعيد صالح "أخفهم دما على الإطلاق، القادر على إضحاك "الطوب" بحركة أو بلفتة أو بإشارة من أصبعه الصغيرة، مؤكدا أنه نجا بمعجزة من عملية حشو الرأس بشعارات المثقفين ودعاوى الأدعياء، وأنه نبت شيطاني خلق ليحترف هذه المهنة، وهو يشترك مع علي الكسار في ميزة مهمة، بأنه لا يتعمد التمثيل، لكنه يتحرك على المسرح كما يتحرك في الشارع، ويتكلم بين شلة من الأصدقاء المقربين، إنه الولد الأهبل المعبوط المنشرح الصدر صاحب الغفلة الحلوة والمبتهج لكل ما يحدث في الحياة من أفراح، والصابر على كل المصائب السودة، مشيرا في نهاية كلامه: "ولو تعقل سعيد صالح وانضبط قليلا في حياته وسلوكه، لو ادخر كل جهده وكل قوته للعمل لانفجر مثل قنبلة زنة ألف رطل".

البقية في الحلقة المقبلة

back to top