تشنّج العضلات... لمحة شاملة عنه

نشر في 23-04-2016 | 00:01
آخر تحديث 23-04-2016 | 00:01
No Image Caption
عندما نستعمل عضلات نستطيع التحكّم فيها إرادياً، مثل عضلات الذراعين أو الساقين، تنقبض وتتمدد عندما نحرك أطرافنا. كذلك، تنقبض العضلات التي تدعم الرأس، والعنق، والجذع على نحو مماثل بطريقة متناسقة للحفاظ على وضعية جسم سليمة. أما العضلة (أو حتى ألياف العضلة) التي تنقبض لاإرادياً (من دون رغبة منا)، فتعاني حالة تشنج. وتؤدي تشنجات العضلات غالباً إلى تصلّب واضح وملموس في العضلة المتشنجة.
تشنج العضلات انقباض قوي غير متعمّد في العضلة لا يرتخي، يدوم عادةً من ثوانٍ قليلة إلى نحو ربع ساعة وأحياناً فترة أطول. ومن الممكن للتشنج أن يتكرر مرات عدة إلى أن يزول نهائياً.

يشمل التشنّج جزءاً من العضلة، أو العضلة كاملة، أو عضلات عدة تعمل معاً، مثل تلك التي تثني الأصابع المتجاورة. كذلك قد يشمل بعض التشجنات انقبضات متزامنة من عضلات تحرك عادةً أجزاء من الجسم باتجاهات معاكسة.

تشنج العضلات مشكلة شائعة يعانيها الجميع تقريباً (تشير إحدى التقديرات إلى نحو 95%) في مرحلة ما من حياتهم. كذلك يُعتبر التشنج أكثر شيوعاً بين البالغين ويزداد مع التقدم في السن. لكن الأولاد قد يُصابون به أيضاً.

يصيب التشنّج أي عضلة نتحكّم فيها إرادياً (عضلات الهيكل العظمي)، وتُعتبر تشنجات الأطراف، خصوصاً الساق والقدم وعضلة بطة الرجل بالتحديد، الأكثر شيوعاً. إلا أن العضلات التي تتحرك لاإرادياً في عدد من الأعضاء (الرحم، جدران الأوعية الدموية، الأمعاء، الصفراء، المسالك البولية، التشعبات الهوائية...) قد تتعرّض للتشنجات. لكننا سنركّز في ما يلي على تشنجات عضلات الهيكل العظمي.

من الممكن إدراج تشنجات عضلات الهيكل العظمي في أربع فئات كبيرة، وتضم: “الحقيقية”، التكزز، التقلصات (تقفّع)، وتشنجات خلل التوتر. كذلك تُصنَّف التشنجات وفق أسبابها المختلفة ومجموعات العضلات التي تصيبها.

أنواع تشنجات العضلات

التشنجات الحقيقية: تشمل التشنجات الحقيقية جزءاً من عضلة واحدة أو عضلة كاملة أو مجموعة عضلات تعمل معاً، مثل العضلات التي تثني عدداً من الأصابع المتجاورة. ويُجمع معظم المرجعيات الطبية على أن التشنجات الحقيقية تعود إلى فرط استثارة الأعصاب التي تحفز العضلات. كذلك تُعتبر هذه التشنجات النوع الأكثر شيوعاً من تشنجات الهيكل العظمي. وقد تحدث في حالات عدة، إليك عدداً منها:

•الإصابة: تُصاب العضلات أحياناً بتشنّج مستمر كآلية حماية عقب التعرض لإصابة، مثل كسر في العظم. في هذه الحالة، يحدّ التشنّج من الحركة ويثبّت موضع الإصابة. كذلك من الممكن لإصابة العضلات وحدها أن تؤدي إلى تشنّج أيضاً.

• النشاط الحاد: ترتبط التشنجات الحقيقية عادةً باستخدام العضلات الحاد وتعب العضلات (خلال ممارسة الرياضة أو القيام بنشاط لم يعتده الإنسان). قد تظهر هذه التشنجات أثناء القيام بالنشاط أو في وقت لاحق وأحياناً بعد ساعات عدة. على نحو مماثل، من الممكن لتعب العضلات الناجم عن الجلوس أو التمدد في وضعية غريبة لفترة طويلة أو تكرار استعمال العضلات ذاتها أن يؤدي إلى تشنجات. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر المسنون أكثر عرضة للتشنجات خلال أدائهم نشاطات جسدية حادة ومتعبة.

• التشنجات أثناء الراحة: التشنجات أثناء الراحة شائعة جداً، خصوصاً بين المسنين، مع أنها تصيب الناس من مختلف الأعمار، حتى الأطفال. وتحدث غالباً ليلاً. صحيح أن التشنجات الليلية لا تهدد الحياة، إلا أنها تكون عادةً مؤلمة وتحرم الإنسان النوم، فضلاً عن أنها قد تتكرر (قد يصاب المريض بتشنجات عدة في الليلة و/أو خلال ليالٍ عدة في الأسبوع). لا يعرف الخبراء أسباب هذه التشنجات الفعلية، إلا أنها تظهر أحياناً بعد القيام بحركة تقصّر العضلة، مثل مدّ إصبع القدم أثناء التمدد في السرير، ما يؤدي بالتالي إلى قصر عضلة بطة الرجل، التي تشكل أحد المواضع الأكثر عرضة لتشنجات العضلات.

• الجفاف: تؤدي ممارسة الرياضة أو أي نشاطات حادة أخرى إلى خسارة كبيرة في السوائل نتيجة للتعرّق، فيزيد هذا النوع من الجفاف احتمال التعرض لتشنّج حقيقي. وتُعتبر هذه التشنجات أكثر شيوعاً في الطقس الحار، وقد تشكّل إشارة مبكرة إلى احتمال التعرّض لضربة حر. علاوة على ذلك، من الممكن للخسارة الكبيرة والمزمنة في السوائل بسبب تناول مدرات البول (أدوية تزيد حاجة الإنسان إلى التبوّل) وعدم استهلاك كمية كافية من السوائل أن يكون لهما التأثير ذاته في مَن يُعتبرون أكثر عرضة للتشنجات، خصوصاً المسنين. على نحو مماثل، ربطت دراسات عدة تراجع كمية الصوديوم في الجسم بالإصابة بتشنجات. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن خسارة الصوديوم، الذي يُشكّل العنصر الكيماوي الأكثر وفرة في سوائل الجسم خارج الخلايا، تعود عادةً إلى التعرض للجفاف.

• تبدّل سوائل الجسم: قد يعاني الإنسان التشنجات الحقيقية في حالات أخرى تشمل تبدلاً غير اعتيادي في سوائل الجسم. من هذه الحالات تشمّع الكبد، الذي يؤدي إلى تراكم السوائل في منطقة البطن (استسقاء). على نحو مماثل، تشّكل التشنجات مضاعفات شائعة نسبياً للتبدلات السريعة في سوائل الجسم التي قد تحدث خلال غسل الكلى بسبب الفشل الكلوي.

• انخفاض معدلات الكالسيوم والمغنيزيوم في الدم: يؤدي انخفاض معدلات الكالسيوم أو المغنيزيوم في الدم إلى زيادة مباشرة في استثارة أطراف الأعصاب والعضلات التي تحفزها على حد سواء. ولا شك في أن هذا الأمر يجعل الإنسان أكثر عرضة للتشنجات الحقيقية التلقائية، التي يعانيها عادةً المسنون، فضلاً عن التشنجات التي تُصاب بها المرأة عموماً خلال الحمل. تتراجع معدلات الكالسيوم والمغنيزيوم عادةً خلال الحمل، خصوصاً إذا لم تتناول المرأة مكملات غذائية تحتوي على هذين العنصرين. لكن التشنجات تحدث في الحالات كافة التي تتراجع خلالها كمية الكالسيوم أو المغنيزيوم في سوائل الجسم، مثل تناول مدرات البول، فرط التنفس، التقيؤ بكثرة، عدم استهلاك كمية كافية من الكالسيوم والمغنيزيوم في الغذاء، نقص امتصاص الكالسيوم بسبب عوز الفيتامين D، خلل في وظائف الدريقات (غدد صغيرة في العنق تضبط توازن الكالسيوم)، وحالات أخرى.

• انخفاض البوتاسيوم في الدم: يسبب أحياناً تشنجات عضلية، مع أن انخفاض البوتاسيوم أكثر ارتباطاً بضعف العضلات.

التكزز: عند التكزز، تنشط الخلايا العصبية كافة في الجسم، ما يحفز بالتالي العضلات. يؤدي رد الفعل هذا إلى تشنجات وانقباضات في مختلف أرجاء الجسم. يعود الاسم “التكزز” إلى تأثير سم الكزاز في الأعصاب. لكن هذا الاسم بات يُطلق اليوم على تشنج العضلات نتيجة حالات أخرى، مثل تراجع معدلات الكالسيوم والمغنيزيوم في الدم. فمن الممكن لهذا الانخفاض، الذي يعزز النشاط العصبي بطريقة عشوائية، أن يسبب أيضاً التكزز. وتترافق هذه التشنجات عادةً مع أدلة أخرى على فرط نشاط عدد من الوظائف العصبية، فضلاً عن تحفيز العضلات. على سبيل المثال، لا يؤدي انخفاض معدل الكالسيوم إلى تشنج عضلات اليدين والمعصمين فحسب، بل يسبب أيضاً إحساساً بالخدر الوخز حول الفم ومواضع أخرى.

لا يمكن أحياناً التمييز بين التكزز والتشنجات الحقيقية. فالتبدلات في الإحساس ووظائف الأعصاب الأخرى التي ترافق التكزز قد لا تظهر جلياً لأن ألم التشنج يطغى عليها ويخفيها.

تشنّجات خلل التوتر: الفئة الأخيرة هي تشنجات خلل التوتر. خلال هذه التشنجات، تُحفَّز العضلات غير الضرورية لأداء الحركة المرجوة وتنقبض. وتشمل العضلات التي تتأثر بهذا النوع من التشنجات تلك التي تعمل عادةً بالاتجاه المعاكس للحركة المرجوة و/أو تلك التي تعزز الحركة على نحو مبالغ فيه. يصيب بعض تشنجات خلل التوتر أحياناً مجموعات صغيرة من العضلات (الجفنان، الفكان، العنق، الحنجرة، وغيرها). كذلك تعاني اليدان والذراعان هذا النوع من التشنجات خلال أداء نشاط متكرر، مثل الكتابة اليدوية (تشنج الكاتب)، الطباعة، العزف على آلات موسيقية، والكثير من النشاطات الأخرى. ولكن من الممكن لكل من هذه النشاطات المتكررة أن تؤدي أيضاً إلى تشنجات حقيقية نتيجة تعب العضلات. إلا أن تشنجات خلل التوتر ليست شائعة بقدر التشنجات الحقيقية.

ما يحاكي تشنج العضلات؟

التقلص أو التقفّع تندّب الأنسجة الرخوة التي تؤثر فيها حركةُ العضلات. عند الإصابة بتقلص، يعجز النسيج المصاب عن التحرك بالكامل، سواء كانت العضلة المعنية نشطة أو في حالة استرخاء. ويعود ذلك إلى أن النسيج المصاب لا يستطيع التفاعل مع حركة العضلة، ما يؤدي إلى تيبّس منطقة من الجسم مع خسارة جزء من مدى الحركة. تصيب التقلصات عموماً كف اليد والأوتار التي تجعل الأصابع تقفل لتشكّل قبضة. لكن التقلصات الأكثر شيوعاً تظهر في البنصر، وتُدعى هذه الحالة تقلص دوبويتران.

back to top