المطوعة أم عمر!

نشر في 13-02-2016
آخر تحديث 13-02-2016 | 00:01
 د.نجم عبدالكريم يكاد علماء الاجتماع يجمعون على أن المعيار الحضاري لأي شعب من الشعوب يكمن في هذه النسب الثلاث: نسبة وفيات الرضع، ونسبة الأمية في الجنسين، ونسبة تعليم الفتاة. تُرى كيف كان حال تعليم الفتاة في الكويت؟

ذكريات، وذكريات – لا أعرف – إذا كانت لاتزال عالقة في أذهان القلة ممن عاصروا تلك الفترة التي سبقت ظهور النفط في الكويت!

• حتى ثلاثينيات القرن الماضي كان تعليم الفتاة – والفتى أيضاً – موكولاً إلى الكتاتيب، وبالنسبة للفتيات الأمر كان موكولاً الى المطوعة، وبعدها جاءت المُلاية!

لو نظرنا الى الماضي، بذكرياته العطرة والمبطنة بقسوة الحياة، والصراع من أجلها في الكويت يقتضينا الأمر أن نلقي نظرة على عام 1912، في بيت المطوعة ذات الشهرة والصيت.

بيت السيدة أم عمر من أوليات مطوعات الكويت.

• كانت أم عمر تعتمد على تلميذاتها في تنظيف البيت، فعندما يأتين في الساعة السابعة صباحاً تعرف كل واحدة منهن الوظيفة التي أنيطت بها، إلى أن تبدأ الدراسة بالجلوس على الحصير. ولكي ينتظمن تصيح فيهن أم عمر:

- كفى يا بنات. اجلسن ولا تضطرنني إلى استخدام الباكورة!

والباكورة هي الخيزرانة، لكن أم عمرو كانت تستخدمها معهن برفق:

- كلهن بناتي وأنا أعرف أمهاتهن وآباءهن واحداً واحداً بالاسم.

• وكانت أم عمر تضع قفة من القش بجانبها مملوءة بالملبس الملون، وأنواع المكسرات، لمكافأة الفتاة التي تبدي شطارة.

وتستخدم أسلوب الجزاء والعقاب بما يشبه الأساليب التربوية الحديثة!

وكل طالبة تأتي وبيدها "القرشة"، والقرشة مصنوعة من الفخار الذي يساعد على تبريد الماء، فأم عمر لم تكن قادرة على إسقائهن الماء نظراً لارتفاع سعره، لأن الماء كان يؤتى به من البصرة، ويباع بأسعار تفوق قدرة أم عمر لإسقاء كل تلميذاتها!

• أما طريقة التعليم فقد كانت أم عمر تنبه الفتيات:

- والآن يا بنات سنبدأ بالتهجي، انظرن الى كراريسكن، ورددن خلفي:

ألف لا شيلة.

وتردد الصغيرات خلفها:

- ألف لا شيلة.

- باء نقطة من تحت.

- يرددن: باء نقطة من تحت.

- تاء نقطتان من فوق، ثاء ثلاث نقط من فوق، جيم نقطة من تحت، حاء لا شيلة، خاء نقطة من فوق، دال لا شيلة، شين ثلاث نقط من فوق، راء لا شيلة!

• وهكذا دواليك إلى أن تبدأ قراءة أجزاء الآيات القصار من القرآن الكريم بنفس الأسلوب، أم عمر تقرأ والفتيات يرددن خلفها إلى أن ينتهي موعد الدرس.

* * *

• ولا يقف دور المطوعة عند حد الدرس في عريشها، أو في بيتها، وإنما كان لها تأثير نفسي كبير على أهالي الحي، فإذا مرض طفل أسرعوا باستدعائها، وتدخل تقرأ آيات من القرآن الكريم ثم تطمئن العائلة، وتقول للأم:

- اطمئني سيهدأ الولد وينام بعد قليل.

ثم تطلب من الجميع أن يقرأوا معها الفاتحة. وتضيف هي: الفاتحة ربنا يشفيه. أسأل الله أن يحميه بألف من آية الكرسي، وألف من آية الصمد، وألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم تضع يدها على رأس الطفل وتتمتم بقراءات وأدعية إلى أن ينام:

- الحمد لله نام الولد. اجلبوا له من (ابن الدهيم) هذه الأعشاب، وفوروها بالماء ليشربها عندما يقوم من النوم!

• وظلت المطوعة تقوم بدورها التعليمي والتربوي، حتى ظهرت بجانبها "المُلاية" في عام 1926!

• الذي أنا متأكد منه أن أبناء هذا الجيل أو لنقل أبناء العقود الأربعة الماضية، قد لا يعرفون تفاصيل مثل هذه المعلومات، لكن "الشياب" – ربعي – كما أخبرتني هيئة تحرير «الجريدة» أنهم هم الأكثر قراءة لمقالاتي، لاشك أنهم قد سمعوا بالمطوعة أم عمر أو عرفوها.

back to top