مشاهد من مصر

نشر في 12-02-2016
آخر تحديث 12-02-2016 | 00:00
 د. محمد لطفـي سمعت المذيع يقول إن الموضة هي التي تحدد شخصية البلد وقيمته، وإنها أهم من الكثير من الأحداث السياسية... فهل يمكن اختزال مصر الخمسينيات مثلاً في «جاكت» بفتحة واحدة أو فتحتين؟! وهل نقول إن مصر السبعينيات لم يحدث فيها إلا ارتداء البنات للميكروجيب؟! هل يمكن أو يعقل هذا؟! وما الهدف منه؟

بعد إجازة قصيرة في مصر كان السؤال كالمعتاد: أخبار مصر إيه؟ الناس عاملة إيه؟ في أي جديد؟... إلخ، وفي محاولة سريعة تذكرت بعض المشاهد التي يمكن أن تمثل إجابات عن هذه الأسئلة.

المشهد الأول:

بعد خروجي من المطار وركوبي السيارة كان مذياعها ينقل حواراً حول «الموضة»، وكان الضيف يتحدث عن تناسق الألوان واللون الشائع هذا الموسم، وكيف يمكن للرجل والمرأة اختيار الزي المناسب، وكان يتحدث بثقة وحب شديدين، وهذا طبيعي فهذه مهنته، وحديثه دليل حبه لعمله وإتقانه له وإيمانه به، وكل ذلك جميل (بعيداً عن اتفاقنا أو اختلافنا حول الموضوع ذاته) ولكن في نهاية حديثه سمعته يقول إن الموضة هي التي تحدد شخصية البلد ومكانته وقيمته، وإنها أهم من الكثير من الأحداث السياسية التي يشغل الناس أنفسهم بها (تُرى ماذا كان يقصد؟) فمصر الخمسينيات والستينيات نتذكرها من أزياء المصريين آنذاك... وسرحت بخيالي هل يمكن اختزال مصر الخمسينيات مثلاً في «جاكت» بفتحة واحدة أو فتحتين؟! هل نقول إن مصر السبعينيات لم يحدث فيها إلا ارتداء البنات للميكروجيب؟! هل يمكن أو يعقل هذا؟! وما الهدف منه؟!

المشهد الثاني: (نهار خارجي)

أزمة المرور في مصر معروفة للجميع، ولا يخلو منها شارع، ومن أهم معوقات المرور ما يعرف بـ»التكتك»، وهو شبه سيارة بثلاث عجلات بلا أبواب جانبية تتسع لفردين (يتم تحميلها أحيانا بـ5 أشخاص)... رأيت هذه السيارة لأول مرة منذ 10 سنوات في القرى النائية والمحافظات البعيدة عن القاهرة، ثم ظهرت في أطراف القاهرة ومناطقها الشعبية، ورويداً رويداً خلال السنوات الأخيرة انتشرت في جميع شوارع القاهرة والطرق الدائرية والسريعة، وبين الحين والآخر يخرج المسؤولون بتصريحات وتشريعات تبشر بالقضاء على هذه الظاهرة، ثم يختفي المسؤول ويتوه القرار ولا يطبق القانون وينتصر «التكتك»... والسؤال: هل يمكن لعقلية تفشل أمام «التكتك» أن تقود مصر إلى المستقبل وتحقق طموحات الشعب وآماله في التقدم والاستقرار؟

المشهد الثالث: (ليل داخلي)

 

من أجمل ما يميز مصر ويسعدني في إجازاتي لقاءات الأهل والأصدقاء وجلسات السمر والحوار داخل المنازل وخارجها، وفي أحد اللقاءات كان الحوار حول المواطنة وأيهما أفضل: أن تكون مواطناً من الدرجة الأولى داخل مصر أم مواطناً من الدرجة الثانية خارجها؟ وطبيعي أن تختلف الآراء وتتعدد تبعاً لعمر وثقافة وخبرة وآمال كل فرد وإن اتفق الجميع على أن الروح المصرية لا يمكن أن تتكرر في مكان آخر، وأنها عامل الجذب الأساسي والقوي للبقاء في الوطن، ولكن – للأسف- كان رأي الحضور من الشباب أن مواطناً من الدرجة الثانية خارج مصر (وخصوصاً في بلد أجنبي) أفضل من مواطن الدرجة الأولى داخلها... فهل يمكن أن يعكس هذا الرأي شيئاً ما يراه المحللون وخبراء الاجتماع؟ وهل يرصد تغييراً ما في شباب مصر المستقبل؟

المشهد الأخير:

كانت إجازتي بعد يومين من ذكرى ثورة يناير العظيمة، وامتد الحوار كثيراً إلى الإجراءات التي اتخذها النظام أثناءها ووجود المدرعات في الشوارع وإغلاق الميادين والشوارع ومحطات مترو الأنفاق... إلخ، وتساءل الجميع، مؤيدين ومعارضين ومن كل الأعمار: لماذا لا يتم السماح للجميع بالتعبير عن آرائهم؟ على الأقل لتصبح الرؤية واضحة بدلاً من الغيبيات، فهؤلاء يدعون أن غيرهم لا يتجاوزون العشرات، وآخرون يقسمون أنهم بالملايين... لماذا لا يسمح للجميع بالخروج إلى الشارع كي يعرف كل فريق حجمه الحقيقي؟ لماذا لا يكون الإثبات العملي والفعلي هو الفيصل بين هؤلاء وأولئك؟ هل يمكن أن يسمح النظام بذلك؟... النهاية.

back to top