ثورة عرب زنجبار... على الألمان (2-2)

نشر في 12-02-2016
آخر تحديث 12-02-2016 | 00:00
 خليل علي حيدر يتابع د. تركي حديثه عن تطلعات الألمان الاستعمارية في إفريقيا ويخص حديثه عن نشاط "بيترز" بقوله: "وصل كارل بيترز مؤسس الجمعية الألمانية للاستعمار إلى سلطنة زنجبار العربية في 4 نوفمبر 1884م، وقام برحلته إلى إقليم أوسجارا الذي يقع شمال تنجانيقا متخفيا مع ثلاثة من زملائه، وتمكن خلال ثلاثة أسابيع من توقيع عشر معاهدات مع زعماء وملوك القبائل في تلك المنطقة (أوساجارا ونجورو وأوزيجوا وأوكامي7)، مما أعطى الجمعية الألمانية للاستعمار الادعاء بالحق في السيطرة واستغلال تلك المنطقة الواسعة. لم يغفل بيترز أن يشير في المعاهدات الموقعة أن السلاطين والملوك الذين عقد المعاهدات معهم مستقلون ولا يخضعون لسلطان سلطنة زنجبار العربية الذي تربطه علاقات تجارية وسياسية مع الحكومة البريطانية، كما أشار إلى أن رؤساء تلك المناطق موافقون على التنازل عن الأراضي لإمبراطور ألمانيا ولهلم الكبير welhelm وعلى فرض الحماية الألمانية على تلك الأراضي كما نجح الألماني جوهلك Johlac في عقد معاهدات مماثلة لتلك التي عقدها بيترز بلغت عشر معاهدات تعطي لألمانيا حق الحماية على منطقة "كليمنجارو".

تحدث مؤلفا كتاب "تاريخ العالم" المشار إليه آنفا والصادر في دمشق عام 1950، وهما أنور الرفاعي وشاكر مصطفى، عن ملامح الاستعمار وتاريخه وأسبابه، وتناولا كذلك الاختلافات بين الاستعمار الانكليزي والاستعمارين الفرنسي والألماني وهي مقارنة جديرة بالقراءة والمقارنة.

يقول الباحثان عن سياسة إنكلترا الاستعمارية "إن سياستها ليست ثابتة مع امتداد الزمن واتساع الأرضين واختلافهما" ولكن هناك بعض الملامح المشتركة مثل:

"1 - مرونة الإدارة الاستعمارية واختلافها من مستعمرة لأخرى.

2 - منح الحكم الذاتي للممتلكات التي هاجر إليها الأوروبيون (الإنكليز خاصة) فأدى ذلك إلى نشوء الممتلكات الاتحادية الحرة (الدومينيون).

3 - انتقاء الأكفاء من الرجال لإرسالهم للمستعمرات وترك حرية العمل لهم بالشكل الذي يرونه أضمن لمصلحة الإمبراطورية.

4 - سياسة الباب المفتوح في الاقتصاد وهي سياسة إنكلترا التقليدية ليس مع مستعمراتها فحسب ولكن مع كل الدول، وقد حاول المحافظون قبل الحرب الأولى إدخال مبدأ الحماية التجارية، ففشلوا (وبقي هذا المبدأ حتى 1933).

5 - الدفاع عن الإمبراطورية بحيث تشترك كل شعوب الإمبراطورية معا بهذا الدفاع، وذلك إما بإرسال الجنود أو بإضافة قطع بحرية إلى الأسطول البريطاني أو بتقديم المساعدات أو باستخدام الأساطيل الخاصة عند الحاجة.

6 - عدم التدخل في شؤون المواطنين وتقاليدهم الاجتماعية عدا ما يخل منها بالنظام العام" (ص 440).

ومن النقاط الجديرة بالاهتمام في ملامح السياسة البريطانية مع مستعمراتها إشراك ممتلكاتها في توجيه سياستها العامة، وربط أجزاء هذه الإمبراطورية التي وصفت بأنها "لا تغيب عنها الشمس" فظهرت عام 1884 "عصبة الاتحاد الإمبراطوري"، وبخاصة مع تزايد التهديد الألماني لبريطانيا، وقد أدت سلسلة من المؤتمرات منذ 1887، عام يوبيل الملكة فكتوريا، إلى توحيد الجمارك بين أجزاء الإمبراطورية البريطانية، وأقامت منذ عام 1897 هيئة أركان حرب إمبراطورية، ومهد هذا كله لما أصبح يسمى بعد الحرب العالمية الأولى بـ"الكومنولث البريطاني" الذي ضم عام 2007 كل الدول ذات العلاقة الخاصة ببريطانيا وعددها 53 دولة مستقلة تعد ملكة بريطانيا والمملكة المتحدة رئيسة فخرية لها بما فيها موزمبيق التي لم تكن يوما من المستعمرات البريطانية. (انظرThe World Almanac 2008 usa. p.853).

 يقول الباحثان عن سياسة فرنسا الاستعمارية، والكتاب كما ذكرنا صادر عام 1950، إنها لا تشبه إنكلترا، "فبينما تسير بريطانيا بمستعمراتها نحو نوع من الحكم الذاتي في تدرج مرن، نرى فرنسا بالعكس تميل إلى دمج المستعمرة بها دمجا كليا، ولهذا تميزت السياسة الفرنسية:

1 - باتباعها مبدأ التمثيل (ولا سيما في الأقطار المشابهة لفرنسا في المناخ كالجزائر) وذلك بنشر الثقافة الفرنسية وتشجيع الهجرة إلى المستعمرة من فرنسا، وإدخال النظم السياسية والإدارية الفرنسية نفسها إليها.

2 - بحرصها على المركزية فليس لحكام مستعمراتها ولا لمجالس المستعمرات المحلية (إن وجدت) أي مجال للتفرد بسياسة خاصة، ولكنهم يتلقون جميع التعليمات من باريس، وإذا فرضت فرنسا حمايتها فإنما ذلك تمهيد لتحويل الحماية إلى استعمار وحكم مباشر.

3 - باستخدام المستعمرات لأغراضها العسكرية وإدخال أفراد المستعمرات في الجيش الفرنسي.

4 - بإغلاق باب المستعمرات أمام كل نشاط اقتصادي غير فرنسي ما وسعها ذلك".

 (ص451-452).

ماذا عن النشاط الاستعماري الألماني؟ وماذا جرى لهذه الإمبراطورية في المراحل اللاحقة؟ يقول الباحثان: "وأما ألمانيا فقد ظلت طول عهد بمسارك منصرفة عن الاستعمار إلى سياسة القارة الأوروبية، فلما ولي أمرها الإمبراطور غليوم الثاني أخذت تعربد طالبة "مكانا لائقا تحت الشمس"، ومطالبة بحقها كدولة عظمى في العالم، وقد استطاعت بهذا الشكل أن تشكل إمبراطورية استعمارية من توغو والكامرون على الساحل الغربي من إفريقيا قرب خط الاستواء، ومن مقاطعة أخرى على الساحل الغربي الجنوبي، وبعض الجزر في المحيط الهادئ، كما وجهت همها إلى استغلال الشرق العثماني عن طريق الامتيازات، ولكن هذه الإمبراطورية ذهبت نهبا بين الدول المنتصرة عقب الحرب العالمية الأولى". (ص454).

نعود لاستكمال قراءة بحث د. بنيان تركي عن "ثورة الشيخ بشير الحارثي" في المقال القادم.

back to top