الحلزون... ماذا يعلّمنا عن الدماغ؟

نشر في 12-02-2016 | 00:01
آخر تحديث 12-02-2016 | 00:01
No Image Caption
طوال الجزء الأكبر من التاريخ العلمي المعاصر، كانت مسألة موضع تخزين الذكريات في الدماغ محسومة، وإن لم نفهمها بالكامل.

يذكر ديفيد غلانزمان: {تسأل أي عالم أعصاب، فيجيبك: عندما تمر بتجربة ما، تتشكل مشابك عصبية جديدة وتتراجع أخرى». تدرك على الأرجح أن المشابك العصبية تشبه الأسلاك في الدماغ وتسمح للخلايا العصبية (المكوِّن الرئيس لكل الأجهزة العصبية المركزية) بالتواصل عبر نقل الإشارات الكيماوية. ويمكننا القول، إذا جاز التعبير، إن المشابك العصبية تعمل بالطريقة عينها كالعضلات: فإن حُفزت الوصلة بين خلايا عصبية محددة بشكل كافٍ، ازدادت القوة المشبكية. ولكن إن لم تبعث المشابك الإشارات بالمقدار الضروري، ضمرت على غرار العضلات.

تشير نظريات عدة إلى أن معظم عمليات التعلّم البشري تقوم على تبدل النشاط بين المشابك العصبية بمرور الوقت. أو كما يذكر غلانزمان، {يعتقد معظم علماء الأعصاب أن هذه التغيرات في الأسلاك تشكل الذاكرة».

لكن هذه النظرية تبدلت أخيراً. فقد توصل غلانزمان، بروفسور متخصص في علم الأحياء التكاملي والفيزيولوجيا في جامعة كاليفورنيا، إلى دحض عقود من المسلمات على الأرجح في علم الأحياء العصبي. يُظهر بحث غلانزمان أن الذاكرة والتعلُّم لا يُخزَّنان في المشابك العصبية، بل في نوى الخلايا العصبية.

يوضح: {تشكّل المشابك العصبية انعكاساً للمعرفة في النوى».

كيف توصل إلى ذلك؟

عرّض فريق غلانزمان مجموعة من الحلازين لصدمات كهربائية.

ونتيجة هذه الصدمات، تعززت ردود فعل الحلازين. فقد ارتبطت نهاياتها العصبية الحسية بعدد أكبر من الخلايا العصبية الحركية.

إذاً، تفاعلت الحلازين مع الحافز البيئي، فقوّت وصلاتها المشبكية. ويشكل هذا شكلاً بسيطاً من التعلّم يدعوه علماء الأحياء التحسس.

توقع غلازمان وفريقه هذا التفاعل: تزداد القوة المشبكية، ما يؤدي إلى تحسّن مستمر في ردود فعل الحلازين.

ولكن عندما عرّض الفريق الجهاز العصبي المعزَّز حديثاً لناقل عصبي مثبِّط يُدعى السيروتونين، توقفت عملية التحسس هذه. بكلمات أخرى، ضاعت الذكريات مع المشابك العصبية.

يخبر غلانزمان: {طرحنا بعد ذلك السؤال: هل يزول [التعلّم] نهائياً؟ وهنا تكمن المفاجأة. نجحنا في استعادة الذاكرة، رغم غياب الوصلات المشبكية الواضح».

إذاً، لم تكن آلية تخزين الذكريات في المشابك العصبية مطلقاً.

لكن إن لم تكن الذاكرة في الوصلات العصبية، فأين هي؟

أمضى غلانزمان أربعة عقود في محاولة فهم الذاكرة وارتباطها بالوصلات المشبكية. ولكن على ضوء بحثه الأخير، يفترض أن الذاكرة قد تكون أكثر ارتباطاً بالتغيرات التي تحدث خلال عملية التعلّم.

تُدعى هذه التغيرات (مثل مثيلة الحمض النووي وأستلة الهستون) علم التخلق، بما أنها تحدث خارج التسلسل الجيني، فضلاً عن أنها تؤثر في طريقة قراءة الجينات الخلايا.

يوضح غلازمان: {أعتقد أن هذه تشكل العناصر الثابتة من الذاكرة. أما المشابك العصبية، فتتشكل وتزول من دون أن تضمحل الذاكرة».

بناء ذكريات أفضل

تشمل التطبيقات الأبرز لنموذجٍ عن التجزين في الذاكرة يقوم على الجينات التقدمَ الأخير وغير المسبوق الذي شهدته تكنولوجيا تحرير الجينات، وخصوصاً مع أداة التحرير الجديدة كريسبر. فهل يمكننا من خلال تطورات مماثلة عزل الذكريات وعمليات التعلّم، تعديلها، أو ربما زراعتها؟

يجيب غلازمان: {نعم، يمكننا تحقيق ذلك. ولكن ثمة عقبة صغيرة: علينا أن نكتشف أولاً نوع البروتينات في نوى الخلايا العصبية التي تشكّل دارات الذاكرة}. إذاً، لن يتحقق حلم محبي فيلم Inception، في الوقت الراهن على الأقل. يقول غلازمان: {كي نقوم بأمر مماثل، نحتاج إلى كم أكبر بكثير من المعلومات، مقارنة بما نملكه اليوم».

وهنا أيضاً ينشأ السؤال: هل يمكن تطبيق دراسات تستند إلى علميات تعلّم الحلزون البسيطة على الذاكرة البشرية؟

للحلازين التي استخدمها فريق غلانزمان جهاز عصبي بسيط نسبياً: نحو 20 ألف خلية عصبية مقارنة بنحو 100 مليار في الجهاز العصبي البشري.

رغم ذلك، يُعرب غلانزمان عن تفاؤله بشأن تطبيق ما توصل إليه. يذكر: {يطرح هذا احتمالات مثيرة للاهتمام بشأن مسائل مثل ذكريات الطفولة. ومن هذه الاحتمالات إمكان أن تكون المعلومات موجودة أساساً في دماغنا وتنتظر ما يحررها».

back to top