الأمنيات تنطق في المهد!

نشر في 11-02-2016
آخر تحديث 11-02-2016 | 00:01
 مسفر الدوسري قميص الأمنية الباهت لا يلّون جسد الرغبات، ولا ينقش أقدام الآمال بالحناء، ولا يروي بماء الفرح زهرة المنال، ولا يرد البصر لعيني الصبر الضرير، قميص الأمنية الباهت لا يصلح أن يكون رداءً واقياً ضد رصاص الخيبات، ولا ينفع حتى لأن نجعل منه قطعة قماش نمسح بها الغبار عن مرايا القلب، لابد للأمنيات إن شاءت التحرر من قفصها الصدري أن تخلع لباس السجن المخطط بالأبيض والأسود، وأن ترتدي ثوباً من نسيج البرق، وعباءة من الرعد، ولابد من أن تستنبت صرخاتها أرض السواد، فالأماني المطفأة لا تشعل حريقاً، ولا تضيء طريقاً.

أمانينا فضائح أرواحنا الكبرى، وما تخطه في الظلام في دفتر يومياتها السري على ضوء عود ثقاب مشتعل، خشية أن يقرأها أحد أو تلتقط أحرفها عيون المتلصصين، إلا أن هذه الفضائح لابد لها من أن تتعرى طوعاً في وقت ما قبل أن تصبح صفحاتها صفراء من أثر اليباس، وتمحى أسطرها مع مرور الزمن فيصعب على الغد الذي لابد أن يأتي غداً قراءتها، فلا مناص من إعلاننا لفضائحنا بصوت جهوري إذا ما أردنا لشجرة الأحلام أن تسمع وتُسقط من ثمرها ما يسدّ أفواه أمنياتنا.

الأمنيات التي لا يرتفع صوتها يأكلها ذئب النسيان، وتوضع في سلة التجاهل، وفي النهاية ترمى في المحرقة لأنها لا تئن، والأمنيات التي أمضت لياليها الطوال جالسة على تسريحتها تمشّط جدائلها وتضع مساحيق المكياج على وجهها وتنتقي لكل ليلة عطراً من بين آنية العطور، دون أن تقضي وقتاً مماثلاً في النهار واقفة على شرفة غرفتها تستعرض جمالها وفتنتها إغواءً، تلك الأمنيات لم تتزوج ولم تنجب أطفالاً وبقيت عانساً حتى أخذها الموت.

إن هذا هو المصير المشترك للأمنيات مهما كان حجمها صغيرة كانت أم كبيرة، طفلة كانت أم بلغت الرشد، عليها أن تنطق بالتعريف عن ذاتها، حتى الأمنية التي ولدت للتو إن أرادت الحياة وطول العمر، عليها أن تعلن وجودَها بلسان فصيح، فالأمنيات تنطق في المهد!

كم من أمنية وئدت لأنها اعتبرت غير شرعية لا لذنب إلا أنها لم تصرخ بوجه قاتلها، ولم تنتسب إلى قلب أو إلى روحٍ فصُنفت مجهولة النسب، من الظلم الفادح أن تولد في قلوبنا أمنية ثم نتنكّر لها، ونجحد انتماءها لنا، ولا نستخرج لها أوراقاً ثبوتية تؤكد انتسابها إلى شجرة القلب، وليس من العدل أن نعامل أمانينا كما تعامل لقيطة حين تُولد، بأن نتركها عند مدخل مسجد في الظلام لعل الله يتولى رعايتها ويتكفل بها، أو أن  نلقي بها في حاوية المخلفات.

إن من حق أمنياتنا علينا أن نرعاها رعاية تليق بها، وأن نحسن تربيتها إلى أن تكبر ونزفّها بفخر إلى بيت الواقع!

back to top